الفهرس العام

احتجاج الشيخ المفيد السديد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه.



  إنا لله وإنا إليه راجعون ، تسليما لأمره ، ورضا بقضائه ، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه( عليهم السلام ) ، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل ، نضر الله وجهه ، وأقاله عثرته .
  وفي فصل آخر : أجزل الله لك الثواب ، وأحسن لك العزاء ، رزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه ، كما كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ، ويترحم عليه ، وأقول :
  الحمد لله ، فإن النفس طيبة بمكانك ، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك ، أعانك الله وقواك ، وعضدك ووفقك ، وكان لك وليا وحافظا ، وراعيا وكافيا .
  ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضا : ما سأله عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو :
  بسم الله الرحمن الرحيم
  أطال الله بقاك ، وأدام الله عزك ، وتأييدك ، وسعادتك ، وسلامتك ، وأتم نعمته عليك ، وزاد في إحسانه إليك ، وجميل مواهبه لديك ، وفضله عندك ، وجعلني من السوء فداك ، وقد مني قبلك الناس يتنافسون في الدرجات ، فمن قبلتموه كان مقبولا ، ومن دفعتموه كان وضيعا ، والخامل من وضعتموه ، ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة ، وورد أيدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة ص .
  وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة (1) وهو ختن ص رحمه الله من بينهم فاغتم بذلك ، وسألني أيدك الله أن أعلمك ما ناله من ذلك ، فإن كان من ذنب فاستغفر الله منه ، وإن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله.
  التوقيع : لم نكاتب إلا من كاتبنا .
  وقد عودتني أدام الله عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تخبرني على العادة ، وقبلك أعزك الله فقهاؤنا قالوا : محتاج إلى أشياء تسأل لي عنها .

---------------------------
(1) لم أعثر له على ترجمة .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 302 _

  روي لنا عن العالم ( عليه السلام ) : أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه ؟
  فقال : يؤخر ويتقدم بعضهم ، ويتم صلاتهم ، ويغتسل من مسه .
  التوقيع : ليس على من نحاه إلا غسل اليد ، وإذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم .
  وروي عن العالم ( عليه السلام ) : أن من مس ميتا بحرارته غسل يده ، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الإمام في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارة ، فالعمل في ذلك على ما هو ، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟
  التوقيع : إذا مسه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده .
  وعن صلاة جعفر : إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود ، أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة ، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته ؟
  التوقيع : إذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى ، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره .
  وعن المرأة : يموت زوجها ، يجوز أن تخرج في جنازته أم لا ؟
  التوقيع : تخرج في جنازته .
  وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا ؟
  التوقيع : تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها .
  وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها ، أم لا تبرح من بيتها وهي في عدتها .
  التوقيع : إذا كان حق خرجت فيه وقضته ، وإن كانت لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى تقضيها ، ولا تبيت إلا في بيتها .
  وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها : أن العالم ( عليه السلام ) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) كيف تقبل صلاته ؟

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 303 _

  وروي : ما زكت صلاة من لم يقرأ ( قل هو الله أحد ) .
  وروي : أن من قرأ في فرائضه ( الهمزة ) أعطي من الثواب قدر الدنيا ، فهل يجوز أن يقرأ ( الهمزة ) ويدع هذه السور التي ذكرناها ، مع ما قد روي : أنه لا تقبل صلاة ولا تزكوها إلا بهما ؟
  التوقيع : الثواب في السور على ما قد روي ، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ ( قل هو الله أحد ، وإنا أنزلناه ) لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ ، وثواب السورة التي ترك ، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ، ولكن يكون قد ترك الفضل .
  وعن وداع شهر رمضان : متى يكون ؟ فقد اختلف فيه أصحابنا ، فبعضهم يقول : يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول : هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال ؟
  التوقيع : العمل في شهر رمضان في لياليه والوداع يقع في آخر ليلة منه ، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين .
  وعن قول الله عز وجل : ( إنه لقول رسول كريم ) (1) أرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المعني به ، ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) (2) ما هذه القوة ؟!
  ( مطاع ثم أمين ) (3) ما هذه الطاعة وأين هي؟ ما خرج لهذه المسألة جواب .
  فرأيك أدام الله عزك بالتفضل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجبني عنها منعما مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المقدم ذكره بما يسكن إليه ، ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضل علي بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة فعلت مثابا إن شاء الله.
  التوقيع : جمع الله لك ولاخوانك خير الدنيا والآخرة .
  كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري (4) أيضا إليه ( عليه السلام ) في مثل ذلك :

---------------------------
(1 ـ 2 ـ 3) التكوير ـ 20 ـ 23 .
(4) محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري ، قال العلامة
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 304 _

  فرأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى ساير أياديك عندي ومنك علي واحتجت أدام الله عزك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر ؟
  فإن بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ، ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد ؟
  الجواب : إن فيه حديثين :
  أما أحدهما : فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير .
  وأما الآخر : فإنه روي : أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك في التشهد الأول يجري هذا المجرى ، وبأيها أخذت من جهة التسليم كان صوابا .
  وعن الفص الخماهن : هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه ؟
  الجواب : فيه كراهية أن يصلي فيه ، وفيه أيضا إطلاق والعمل على الكراهة.
  وعن رجل اشترى هديا لرجل غاب عنه ، وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ، ثم ذكره بعد ذلك ، أيجزي عن الرجل أم لا ؟
  الجواب : لا بأس بذلك ، وقد أجزأ عن صاحبه .
  وعندنا حاكة مجوس ، يأكلون الميتة ، ولا يغتسلون من الجنابة ، وينسجون لنا ثيابا ، فهل يجوز الصلاة فيها من قبل أن تغسل ؟
  الجواب : لا بأس بالصلاة فيها .
  وعن المصلي : يكون في صلاة الليل في ظلمة ، فإذا سجد يغلط بالسجادة

---------------------------
<=
في القسم الأول من الخلاصة ص 57 : ( ... أبو جعفر القمي كان ثقة وجها ، كاتب صاحب الأمر ( عليه السلام ) وسأله مسائل في أبواب الشريعة.
قال النجاشي : قال لنا أحمد بن الحسين : وقعت هذه المسائل إلي في أصلها والتوقيعات بين السطور ، وكان له أخوة ( جعفر ، والحسين ، وأحمد ) كلهم كان لهم مكاتبة .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 305 _

  ويضع جبهته على ( مسح أو نطع ) فإذا رفع رأسه وجد السجادة ، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها ؟
  الجواب : ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة.
  وعن المحرم : يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسية ويرفع الجناحين أم لا ؟
  الجواب : لا شئ عليه في ترك رفع الخشب .
  وعن المحرم : يستظل من المطر بنطع أو غيره ، حذرا على ثيابه وما في محمله أن يبتل ، فهل يجوز ذلك ؟
  الجواب : إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه ، فعليه دم .
  والرجل : يحج عن أحد ، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا ، وهل يجب أن يذبح عمن حج عنه وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد ؟
  الجواب : قد يجزيه هدي واحد ، وإن لم يفصل فلا بأس .
  وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا ؟
  الجواب : لا بأس بذلك ، وقد فعله قوم صالحون .
  وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز ؟
  الجواب : جائز .
  ويصلي الرجل وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد ، هل يجوز ذلك ؟
  الجواب : جائز .
  وعن الرجل : يكون معه بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم، يحج ويأخذ على الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ ؟
  الجواب : يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ، ويلبي في نفسه ، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر .
  وعن لبس المعطون ، فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريه ؟

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 306 _

  الجواب : جايز ، ولا بأس به .
  وعن الرجل : من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده ، ولا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها ، أو أدخل منزله ـ وقد حضر طعامه ـ فيدعوني إليه ، فإن لم آكل من طعامه ، عاداني وقال : فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة ؟ وكم مقدار الصدقة ؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها ، وأنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده ، فهل علي فيه شئ إن أنا نلت منها ؟
  الجواب : إن كان لهذه الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه ، واقبل بره، وإلا فلا .
  وعن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة ، ويقول بالرجعة ، إلا أن له أهلا موافقة له في جميع أموره ، وقد عاهدها : ألا يتزوج عليها ، ولا يتمتع ، ولا يتسرى وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة ، ووفى بقوله ، فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع ولا تتحرك نفسه أيضا لذلك ، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم ، ويجب المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلا إليها ، وصيانة لها ولنفسه ، لا لتحريم المتعة بل يدين الله بها ، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا ؟
  الجواب : يستحب له أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة .
  وفي كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان ( عليه السلام ) من جواب مسائله التي سأله عنها ، في سنة سبع وثلاثمائة .
  سأل عن المحرم : يجوز أن يشد الميزر من خلفه على عقبه بالطول ، ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته ، ويشد طرفيه إلى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك ، فإن الميزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 307 _

  يكشف ما هناك ، وهذا ستر ؟
  فأجاب ( عليه السلام ) : جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثا بمقراظ ولا إبرة يخرجه به عن حد الميزر ، وغزره غزرا ولم يعقده ، ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين ، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله.
  وسأل : هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة ؟
  فأجاب : لا يجوز شد الميزر بشئ سواه من تكة ولا غيرها .
  وسأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملة إبراهيم ودين محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن بعض أصحابنا ذكر : أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع ، لأنا لم نجده في شئ من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم بن محمد عن جده عن الحسن بن راشد : أن الصادق ( عليه السلام ) قال للحسن :
  كيف تتوجه ؟
  فقال : أقول لبيك وسعديك .
  فقال له الصادق ( عليه السلام ) : ليس عن هذا أسألك ، كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما ؟
  قال الحسن: أقول .
  فقال الصادق ( عليه السلام ) : إذا قلت ذلك فقل : على ملة إبراهيم ، ودين محمد ، ومنهاج علي بن أبي طالب ، والايتمام بآل محمد ، حنيفا مسلما وما أنا من المشركين .
  فأجاب ( عليه السلام ) : التوجه كله ليس بفريضة ، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وهدي أمير المؤمنين ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم اجعلني من المسلمين ، أعوذ بالله السميع العليم ، من الشيطان الرجيم

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 308 _

  بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ الحمد ، قال الفقيه الذي لا يشك في علمه : أن الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين لأنها له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة ، فمن كان كذلك فهو من المهتدين ، ومن شك فلا دين له ، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى .
  وسأله : عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه ، يجوز أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي : ( أن الله عز وجل أجل من أن يرد يدي عبده صفرا بل يملأها من رحمته ) أم لا يجوز ؟ فإن بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة .
  فأجاب ( عليه السلام ) : رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جايز في الفرائض والذي عليه العمل فيه ، إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء ، أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ، ويكبر ويركع ، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض ، والعمل به فيها أفضل .
  وسأل : عن سجدة الشكر بعد الفريضة ، فإن بعض أصحابنا ذكر أنها ( بدعة ) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة ؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة ؟
  فأجاب ( عليه السلام ) : سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها ، ولم يقل أن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله.
  فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن تكون بعد الفرض فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز .
  وسأل : أن لبعض إخواننا من نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب ، للسلطان فيها حصة وأكرته ربما زرعوا حدودها وتوذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته ، وليس لها قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة ، وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال أن هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 309 _

  للسلطان ، فإن جاز شراؤها من السلطان ، وكان ذلك صلاحا له وعمارة لضيعته ، وأنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة ، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان ، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالى ؟
  فأجاب : الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاء منه وسأل : عن رجل استحل امرأة خارجة من حجابها ، وكان يحترز من أن يقع ولد فجاءت بابن ، فتحرج الرجل ألا يقبله فقبله وهو شاك فيه ، وجعل يجري النفقة على أمه وعليه حتى ماتت الأم، وهو ذا يجري عليه غير أنه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه ، فإن كان ممن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كساير ولده فعل ذلك وإن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقه فعل ؟
  فأجاب ( عليه السلام ) الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه ، والجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله.
  وسأله الدعاء له فخرج الجواب :
  جاد الله عليه بما هو جل وتعالى أهله ، إيجابنا لحقه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله وقربه منا ، وقد رضينا بما علمناه من جميل نيته ، ووقفنا عليه من مخاطبته ، المقر له من الله التي يرضى الله عز وجل ورسوله وأولياؤه( عليهم السلام ) والرحمة بما بدأنا ، نسأل الله بمسألته ما أمله من كل خير عاجل وآجل ، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه ، إنه ولي قدير .
  وكتب إليه صلوات الله عليه أيضا في سنة ثمان وثلاثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل أخرى كتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم
  أطال الله بقاك وأدام عزك وكرامتك وسعادتك وسلامتك ، وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك ، وجميل مواهبه لديك ، وفضله عليك ، وجزيل قسمه لك ، وجعلني من السوء كله فداك ، وقدمني قبلك .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 310 _

  إن قبلنا مشايخ وعجايز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ، ويصلون بشعبان وشهر رمضان .
  وروى لهم بعض أصحابنا : أن صومه معصية ؟
  فأجاب ( عليه السلام ): قال الفقيه : يصوم منه أياما إلى خمسة عشر يوما ، إلا أن يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة ، للحديث : ( إن نعم شهر القضاء رجب ).
  وسأل : عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل ، فيتخوف إن نزل الغوص فيه ، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له أن يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته ، هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة ؟ فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا ؟
  فأجاب : لا بأس به عند الضرورة والشدة .
  وسأل : عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة ، فإن بعض أصحابنا قال : إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة ؟
  فأجاب : إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع .
  وسأل : عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر ، فلما إن صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين ، كيف يصنع ؟
  فأجاب : إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمة لصلاة الظهر ، وصلى العصر بعد ذلك .
  وسأل : عن أهل الجنة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا ؟
  فأجاب : إن الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس ، ولا شقاء بالطفولية ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، كما قال سبحانه ، فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 311 _

  وسأل : عن رجل تزوج امرأة بشئ معلوم إلى وقت معلوم ، وبقي له عليها وقت ، فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة أيام ، أيجوز أن يتزوجها رجل معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى ؟
  فأجاب : يستقبل حيضة غير تلك الحيضة ، لأن أقل تلك العدة حيضة وطهرة تامة .
  وسأل : عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج هل يجوز شهادتهم ، فقد روي لنا : أنهم لا يأمون الأصحاء .
  فأجاب : إن كان ما بهم حادثا جازت شهادتم ، وإن كان ولادة لم يجز .
  وسأل : هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته ؟
  فأجاب : إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز ، وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير عياله فقد روي : أنه جائز .
  وسأل : هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدتها بعد ذلك ؟
  فأجاب : قد نهي عن ذلك .
  وسأل : عن رجل ادعى على رجل ألف درهم وأقام به البينة العادلة ، وادعى عليه أيضا خمسمائة درهم في صك آخر ، وله بذلك بينة عادلة ، وادعى عليه أيضا ثلاثمائة درهم في صك آخر ، ومائتي درهم في صك آخر ، وله بذلك كله بينة عادلة ، ويزعم المدعى عليه أن هذه الصكاك كلها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم ، والمدعي منكر أن يكون كما زعم ، فهل يجب الألف الدرهم مرة واحدة أو يجب عليه كلما يقيم البينة به ؟ وليس في الصكاك استثناء إنما هي صكاك على وجهها .
  فأجاب : يؤخذ من المدعى عليه ألف درهم مرة وهي التي لا شبهة فيها ، ويرد اليمين في الألف الباقي على المدعي فإن نكل فلا حق له .
  وسأل عن طين القبر : يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟
  فأجاب : يوضع مع الميت في قبره ، ويخلط بخيوطه إن شاء الله.
  وسأل فقال : روي لنا عن الصادق ( عليه السلام ) : أنه كتب على أزار ابنه إسماعيل

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 312 _

  يشهد : أن لا إله إلا الله، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره ؟
  فأجاب : يجوز ذلك .
  وسأل : هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر ، وهل فيه فضل ؟
  فأجاب : يسبح الرجل به فما من شئ من السبح أفضل منه ، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح .
  وسأل : عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل ؟
  فأجاب : يجوز ذلك وفيه الفضل .
  وسأل : عن الرجل يزور قبور الأئمة ( عليه السلام )، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم( عليهم السلام ) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا ؟
  فأجاب : أما السجود على القبر ، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة والذي عليه العمل : أن يضع خده الأيمن على القبر .
  وأما الصلاة فإنها خلفه ، ويجعل القبر أمامه ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأن الإمام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يتقدم ولا يساوى .
  وسأل فقال : يجوز للرجل إذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة ؟
  فأجاب : يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط .
  وسأل : هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبح ، أو لا يجوز ؟
  فأجاب : يجوز ذلك والحمد لله رب العالمين .
  وسأل فقال : روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقباهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه ، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع ، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه ؟

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 313 _

  فأجاب : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وإن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله.
  وسأل : هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك والتوتيا لريح العرق أم لا يجوز ؟
  فأجاب : يجوز ذلك وبالله التوفيق .
  وسأل : عن الضرير إذا شهد في حال صحته على شهادة ، ثم كف بصره ولا يرى خطه فيعرفه ، هل يجوز شهادته أم لا ؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة ، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز ؟
  فأجاب : إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت ، جازت شهادته .
  وسأل : عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف ، ثم يموت هذا الوكيل أو يتغير أمره ويتولى غيره ، هل يجوز أن يشهد الشاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك ؟
  فأجاب : لا يجوز ذلك ، لأن الشهادة لم تقم للوكيل وإنما قامت للمالك ، وقد قال الله: ( وأقيموا الشهادة لله ) (1).
  وسأل : عن الركعتين الأخراوين قد كثرت فيها الروايات فبعض يروي :
  أن قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يروي : أن التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيهما لنستعمله ؟
  فأجاب : قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح والذي نسخ التسبيح قول العالم ( عليه السلام ) : كل صلاة لا قراءة فيها فهو خداج إلا للعليل ، أو يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه .
  وسأل فقال : يتخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة ، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدق دقا ناعما ، ويعصر ماؤه ويصفى ويطبخ على النصف ويترك يوما وليلة ثم ينصب على النار ، ويلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل

---------------------------
(1) الطلاق ـ 2 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 314 _

  ويغلي رغوته ، ويستحق من النوشادر والشب اليماني من كل واحد نصف مثقال ويداف بذلك الماء ، ويلقي فيه درهم زعفران المسحوق ، ويغلى ويؤخذ رغوته حتى يصير مثل العسل ثخينا ، ثم ينزل عن النار ويبرد ويشرب منه ، فهل يجوز شربه أم لا ؟
  فأجاب : إذا كان كثيره يسكر أو يغير ، فقليله وكثيره حرام ، وإن كان لا يسكر فهو حلال .
  وسأل : عن الرجل يعرض له الحاجة مما لا يدري أن يفعلها أم لا ، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما : ( نعم إفعل ) وفي الآخر : ( لا تفعل ) فيستخير الله مرارا ، ثم يرى فيهما ، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج ، فهل يجوز ذلك أم لا ؟
  والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك ؟
  فأجاب : الذي سنة العالم ( عليه السلام ) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة .
  وسأل : عن صلاة جعفر بن أبي طالب (ره) في أي أوقاتها أفضل أن تصلي فيه ، وهل فيها قنوت ؟ وإن كان ففي أي ركعة منها ؟
  فأجاب : أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ، ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز، والقنوت فيها مرتان : في الثانية قبل الركوع ، وفي الرابعة بعد الركوع .
  وسأل : عن الرجل ينوي إخراج شئ من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجا ، أيصرف ذلك عمن نواه له أو إلى قرابته ؟
  فأجاب : يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه ، فإن ذهب إلى قول العالم ( عليه السلام ):
  ( لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج ) فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كله .
  وسأل : فقال : اختلفت أصحابنا في مهر المرأة .
  فقال بعضهم : إذا دخل بها سقط المهر ولا شئ لها .
  وقال بعضهم : هو لازم في الدنيا والآخرة ، فكيف ذلك ؟ وما الذي يجب فيه ؟
  فأجاب : إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 315 _

  والآخرة ، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها ، وإن لم يكن عليه كتاب ، فإذا دخل بها سقط باقي الصداق .
  وسأل فقال : روي لنا عن صاحب العسكر ( عليه السلام ) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع : يجوز ، وروي عنه أيضا : أنه لا يجوز ، فأي الخبرين يعمل به ؟
  فأجاب : إنما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأما الأوبار وحدها فكل حلال .
  وقد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق ( عليه السلام ) : لا يصلى في الثعلب ولا في الأرنب ، ولا في الثوب الذي يليه ، فقال : إنما عنى الجلود دون غيرها .
  وسأل فقال : يتخذ بأصفهان ثياب عتابية على عمل الوشا من قز أو إبريسم هل يجوز الصلاة فيها أم لا ؟
  فأجاب : لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان .
  وسأل : عن المسح على الرجلين وبأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا ؟
  فأجاب ( عليه السلام ) : يمسح عليهما معا فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمين .
  وسأل : عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن يصلي أم لا ؟
  فأجاب ( عليه السلام ) : يجوز ذلك .
  وسأل : عن تسبيح فاطمة ( عليها السلام ) : من سهى فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف ؟ وإذا سبح تمام سبعة وستين هل يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف ؟ وما الذي يجب في ذلك ؟
  فأجاب : إذا سها في التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها ، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا وستين تسبيحة عاد إلى ستة وستين وبنى عليها ، فإذا جاوز التحميد مائة فلا شئ عليه .
  وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال : خرج التوقيع من الناحية

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 316 _

  المقدسة حرسها الله ـ بعد المسائل ـ :
  بسم الله الرحمن الرحيم
  لا لأمره تعقلون ، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون .
  السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
  إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى :
  ( سلام على آل يس ) (1) .
  السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته .
  السلام عليك يا باب الله وديان دينه .
  السلام عليك يا خليفة الله وناصر خلقه .
  السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته .
  السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه .
  السلام عليك يا بقية الله في أرضه .
  السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده .
  السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه .
  السلام عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوث والرحمة الواسعة وعدا غير مكذوب .
  السلام عليك حين تقعد ( السلام عليك ) حين تقوم .
  السلام عليك حين تقرأ وتبين .
  السلام عليك حين تصلي وتقنت .
  السلام عليك حين تركع وتسجد .
  السلام عليك حين تكبر وتهلل .
  السلام عليك حين تحمد وتستغفر .
  السلام عليك حين تمسي وتصبح .

---------------------------
(1) الصافات ـ 30 .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 317 _

  السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى .
  السلام عليك أيها الإمام المأمون .
  السلام عليك أيها المقدم المأمول .
  السلام عليك بجوامع السلام .
  أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله لا حبيب إلا هو وأهله ، وأشهد أن أمير المؤمنين حجته ، والحسن حجته ، والحسين حجته ، وعلي بن الحسين حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وجعفر ابن محمد حجته ، وموسى بن جعفر حجته ، وعلي بن موسى حجته ، ومحمد بن علي حجته ، وعلي بن محمد حجته ، والحسن بن علي حجته ، وأشهد أنك حجة الله.
  أنتم الأول والآخر ، وأن رجعتكم حق لا شك فيها يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، وأن الموت حق ، وأن ناكرا ونكيرا حق ، وأشهد أن النشر والبعث حق ، وأن الصراط والمرصاد حق ، والميزان والحساب حق ، والجنة والنار حق ، والوعد والوعيد بهما حق .
  يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم .
  فاشهد على ما أشهدتك عليه ، وأنا ولي لك برئ من عدوك ، فالحق ما رضيتموه ، والباطل ما سخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيم عنه ، فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له ، وبرسوله ، وبأمير المؤمنين ، وبأئمة المؤمنين وبكم يا مولاي ، أولكم وآخركم ، ونصرتي معدة لكم ، فمودتي خالصة لكم آمين آمين .
  الدعاء عقيب هذا القول :
  بسم الله الرحمن الرحيم
  اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك ، وكلمة نورك ، وأن تملأ قلبي نور اليقين ، وصدري نور الإيمان ، وفكري نور الثبات ، وعزمي نور العلم ، وقوتي نور العمل ، ولساني نور الصدق ، وديني نور البصائر من عندك ، وبصري نور الضياء

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 318 _

  وسمعي نور وعي الحكمة ، ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله ( عليهم السلام ) ، حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك ، فلتسعني رحمتك يا ولي يا حميد.
  اللهم صل على حجتك في أرضك ، وخليفتك في بلادك ، والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك، والثائر بأمرك ، ولي المؤمنين ، وبوار الكافرين ، ومجلي الظلمة ومنير الحق ، والساطع بالحكمة والصدق ، وكلمتك التامة في أرضك ، المرتقب الخائف والولي الناصح ، سفينة النجاة ، وعلم الهدى ، ونور أبصار الورى ، وخير من تقمص وارتدى ، ومجلي العمى ، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا إنك على كل شئ قدير .
  اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم ، وأوجبت حقهم وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا .
  اللهم انصر وانتصر به أولياءك وأولياءه ، وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم :
  اللهم أعذه من كل باغ وطاغ ، ومن شر جميع خلقك ، واحفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، واحرسه ، وامنعه ، من أن يوصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل رسولك ، وأظهر به العدل وأيده بالنصر ، وانصر ناصريه واخذل خاذليه ، واقصم به جبابرة الكفرة ، واقتل به الكفار والمنافقين ، وجميع الملحدين ، حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها ، برها وبحرها ، واملأ به الأرض عدلا ، وأظهر به دين نبيك ، واجعلني اللهم من أنصاره وأعوانه ، وأتباعه وشيعته ، وأرني في آل محمد ما يأملون ، وفي عدوهم ما يحذرون إله الحق آمين ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا أرحم الراحمين .
  ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة ـ حرسها الله ورعاها ـ في أيام بقيت من صفر ، سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه ، (1) ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز ، نسخته :

---------------------------
(1) قال الشيخ أبو جعفر الطوسي في رجاله ص 514 : ( محمد بن محمد بن النعمان جليل ثقة ، وقال في الفهرست ص 186 : محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى :
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 319 _


---------------------------
<=
( أبا عبد الله) المعروف بابن المعلم من جملة متكلمي الإمامية ، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته ، وكان مقدما في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيها متقدما فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار ، وفهرست كتبه معروف ، ولد سنة (338) هـ ، وتوفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة (413) هـ ، وكان يوم وفاته يوما لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق ، ثم قال : سمعنا منه هذه الكتب كلها ، بعضها قراءة عليه ، وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع ) .
وقال النجاشي ص 311 من رجاله : ( شيخنا واستاذنا رضي الله عنه ، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة له كتب ـ ثم عدله (174) كتابا ورسالة ثم قال ـ : مات رحمه الله ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان سنة (413) وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة (336) وصلى عليه الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان وضاق على الناس مع كبره ودفن في داره سنين ، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وقيل : مولده سنة (338) .
وقال العلامة الحلي ـ رحمه الله ـ في القسم الأول من الخلاصة ص 147 : ( محمد ابن محمد بن النعمان يكنى ( أبا عبد الله) يلقب ( بالمفيد ) وله حكاية في سبب تسميته ( بالمفيد ) ذكرناها في كتابنا الكبير ، ويعرف بابن المعلم ، من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم ، وكل من تأخر عنه استفاد منه ، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية ، أوثق أهل زمانه وأعلمهم ، انتهت رياسة الإمامية إليه في وقته ، وكان حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار ، ... إلى أن قال : ثم نقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد الإمام أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) عند الرجلين إلى جانب قبر شيخه الصدوق أبي القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه ) .
وقال الشيخ عباس القمي ـ رحمه الله ـ في الجزء الثالث من الكنى والألقاب ص 164 : ( أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي شيخ
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 320 _


---------------------------
<=
المشايخ الجلة ، ورئيس رؤساء الملة ، فخر الشيعة ، ومحيي الشريعة ، ملهم الحق ودليله ، ومنار الدين وسبيله ، اجتمعت فيه خلال الفضل ، وانتهيت إليه رياسة الكل واتفق الجميع على علمه وفضله ، وفقهه وعدالته ، وثقته وجلالته .
كان رحمه الله كثير المحاسن ، جم المناقب ، حديد الخاطر ، حاضر الجواب ، واسع الرواية ، خبير بالأخبار والرجال والأشعار .
وكان أوثق أهل زمانه بالحديث ، وأعرفهم بالفقه والكلام ، وكل من تأخر عنه استفاد منه .
وقال علماء العامة في حقه : ـ هو شيخ مشايخ الإمامية رئيس الكلام والفقه والجدل وكان يناظر أهل كل عقيدة ، وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، وكان شيخا ، ربعة ، نحيفا ، أسمر عاش ستا وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف ، كانت جنازته مشهورة شيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة ، وأراح الله منه أهل السنة ، وكان كثير التقشف والتخشع ، والإكباب على العلم ، وكان يقال له على كل إمامي منة ، وقال الشريف أبو يعلى الجعفري ـ وكان تزوج بنت المفيد رحمه الله ـ : ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو ، وقال ابن النديم : في عهدنا انتهت رياسة متكلمي الشيعة إليه ، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته فرأيته بارعا .
توفي رحمه الله ليلة الثالث من شهر رمضان ببغداد سنة (413) وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة (336) وصلى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان ثم نقل كلام الشيخ الطوسي المتقدم ثم قال : ورثاه مهيار الديلمي بقصيدة منها قوله :
مــا بـعـد يـومك سـلوة لـمعلل      مـنـي ولا ظـفرت بـسمع iiمـعذل
سوى المصاب بك القلوب على الجوى      قـيد  الـجليد عـلى حـشأ iiالمتململ
وتـشابه  الـباكون فـيك فـلم يـبن      دمـع  الـمحق لـنا مـن iiالـمتعمل

وتقدم في ابن قولويه أن قبره في البقعة الكاظمية ( عليه السلام ) وذكر جماعة من العلماء منهم الميرزا محمد مهدي الشهرستاني في إجازته للسيد ميرزا محمد مهدي ابن ميرزا محمد تقي
=>

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 321 _


---------------------------
<=
الطباطبائي التبريزي المتوفى سنة (241) أن الشيخ المفيد ـ ره ـ رثاه صاحب الأمر ( عج ) حيث وجد مكتوبا على قبره :
لا  صـوت الـناعي بـفقدك iiأنه      يـوم عـلى آل الـرسول iiعظيم
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى      فـالعدل والـتوحيد فـيك iiمـقيم
والـقائم  الـمهدي يـفرح iiكـلما      تـليت عـليك من الدروس iiعلوم

أقول وقصيدة الديلمي هذه التي ذكر منها الشيخ عباس القمي - رحمه الله - ثلاثة أبيات تبلغ (101) بيتا وهي موجودة في ديوانه المطبوع وفيها يقول:
يـا مـرسلا إن كـنت مبلغ ميت      تـحت  الصفائح قول حي iiمرسل
فـج  الـثرى الراوي فقل iiلمحمد      عـن ذي فـؤاد بـالفجيعة iiمشعل
مـن  لـلخصوم اللد بعدك iiغصة      في الصدر لا تهوى ولا هي تعتلي
مـن  لـلجدال إذا الشفاه iiتقلصت      وإذا  الـلسان بـريقه لـم iiيـبلل
مـن  بـعد فقدك رب كل iiغريبة      بـكر بـك افترعت وقولة iiفيصل
ولـغامض خـاف رفـعت iiقوامه      وفـتحت  منه في الجواب iiالمقفل
من للطروس يصوغ في iiصفحاتها      حـليا  يـقعقع كلما خرس iiالحلي
يـبقين  الـذكر الـمخلد iiرحـمة      لـك في فم الراوي وعين المجتلي
أيـن الـفؤاد الندب غير iiمضعف      أيـن الـلسان الصعب غير iiمفلل
تـفرى  بـه وتـحز كل iiضريبة      مـا  كـل حـزة مفصل iiللمنصل
كـم  قـد ضممت لدين آل iiمحمد      مـن  شـارد وهديت قلب iiمضلل
وعـقلت  مـن ود عـليهم iiناشط      لـو لـم تـرضه ملاطفا لم iiيعقل
لا  تـطبيك مـلالة عـن iiقـوله      تروى عن المفضول حق iiالأفضل
فـليجزينك عـنهم مـا لـم iiيزل      يـبلو  الـقلوب لـيجتبي وليبتلي
ولـتـنظرن إلـى عـلي رافـعا      ضبعيك  يوم البعث ينظر من iiعل

ورثاه الشريف المرتضى ـ رحمه الله ـ بقصيدة موجودة في ديوانه المطبوع يقول فيها:
إن شيخ الإسلام والدين والعلم      تـولـى فـأزعج iiالإسـلاما

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 322 _

  للأخ السديد ، والولي الرشيد ، الشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه ، من مستودع العهد المأخوذ على العباد .
  بسم الله الرحمن الرحيم
  أما بعد : سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك ـ أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق ـ : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة ، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك ، أعزهم الله بطاعته ، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته ، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره ، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.
  نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي

---------------------------
<=
والـذي كـان غرة في دجى iiالأيام      أودى فــأوحــش iiالأيــامـا
كم جلوت الشكوك تعرض في نص      وصــي وكـم نـصرت iiإمـاما
وخـصـوم لـد مـلأتهم iiبـالحق      فـي  حـومة الـخصام iiخـصاما
عـاينوا مـنك مصمما ثغرة iiالنحر      ومــا  أرسـلت يـداك iiسـهاما
وشـجاعا يـفري الـمرائر ما كل      شـجاع  يـفري الـطلا iiوإلـهاما
مـن  إذا مال جانب من بناء الدين      كـانـت لــه يــداه iiدعـامـا
وإذا  ازور جـائـر عـن iiهـداه      قــاده نـحـوه فـكـان زمـاما
مـن لـفضل أخـرجت منه خبيثا      ومـعان  فـضضت عـنها iiختاما
مـن  لـسوء مـيزت عنه iiجميلا      وحـلال خـلصت مـنه iiحـراما
مـن يـنير العقول من بعد ما iiكن      هــمـودا ويـنـتج iiالافـهـاما
مـن بـعير الـصديق رأيا إذا iiما      سـله فـي الـخطوب كان iiحساما
فامض  صفرا من العيوب فكم iiبان      رجـال  آثـروا عـيوبا وذا iiمـا

إلى أن يقول :
لن تراني وأنت في عدد الاموات      إلا  تــجـمـلا iiبــسـامـا

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 223 _

  أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا نحيط علما بأنبائكم ، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم ، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون .
  أنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء (1) أو اصطلمكم الأعداء (2) فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم (3) من فتنة قد أنافت عليكم (4) يهلك فيها من حم أجله (5) ويحمى عنها من أدرك أمله ، وهي أمارة لأزوف حركتنا (6) ومباثتكم بأمرنا ونهينا ، والله متم نوره ولو كره المشركون .
  اعتصموا بالتقية ! من شب نار الجاهلية ، يحششها (7) عصب أموية ، يهول بها فرقة مهدية ، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن ، وسلك في الطعن منها السبل المرضية ، إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه ، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه .
  ستظهر لكم من السماء آية جلية ، ومن الأرض مثلها بالسوية ، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق ، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار ، ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق .
  فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من بمحبتنا ، ويتجنب ما يدنيه من

---------------------------
(1) اللأواء : الشدة وضيق المعيشة
(2) اصطلمه : استأصله .
(3) إنتاشه من الهلكة : أنقذه .
(4) أناف على الشئ طال وارتفع عليه .
(5) حم أجله : قرب .
(6) الأزوف: الاقتراب .
(7) حش النار : أوقدها وهيجها .

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 224 _

  كراهتنا وسخطنا ، فإن أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة .
  والله يلهمكم الرشد ، ويلطف لكم في التوفيق برحمته .
  نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام :
  هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي ، والمخلص في ودنا الصفي ، والناصر لنا الوفي ، حرسك الله بعينه التي لا تنام ، فاحتفظ به ! ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا ! وأد ما فيه إلى من تسكن إليه ، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
  ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه ، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة ، سنة اثني عشر وأربعمائة ، نسخته:
  بسم الله الرحمن الرحيم
  سلام الله عليك أيها الناصر للحق ، الداعي إليه بكلمة الصدق ، فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، إلهنا وإله آبائنا الأولين، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الطاهرين.
  وبعد : فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه ، وحرسك به من كيد أعدائه ، وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ ، من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان ، ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ منا بما يتجدد لنا من حال ، فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال ، والله موفقك لذلك برحمته ، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين ، يبتهج لذمارها المؤمنون ، ويحزن لذلك المجرمون ، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم ، مستحل للدم المحرم ، يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان ، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي

الإحتجاج (الجزء الثاني) _ 325 _

  الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء ، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب ، وليثقوا بالكفاية منه ، وإن راعتهم بهم الخطوب ، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب.
  ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين ، أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه ، كان آمنا من الفتنة المبطلة ، ومحنها المظلمة المظلة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته ، فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته ، ولو أن أشياعا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا ، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم وكتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة .
  نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها :
  هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي ، بإملائنا وخط ثقتنا ، فاخفه عن كل أحد ، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله.
  الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
  حدث الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الرقي (1) بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره) أنه قال :

---------------------------
(1) لم أعثر له على ترجمة .