الفهرس العام

احتجاج لأبي بن كعب على القوم مثل ما احتج به سلمان رضي الله عنه.


احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له .


  ألا يا أيها الناس: اسمعوا عني حديثي ، ثم أعقلوه عني ، ألا وإني أوتيت علما كثيرا ، فلو حدثتكم بكل ما أعلم من فضايل أمير المؤمنين عليه السلام، لقالت طائفة منكم : هو مجنون ، وقالت طائفة أخرى: اللهم اغفر لقاتل سلمان ، ألا إن لكم منايا ، تتبعها بلايا ، ألا وإن عند علي ( عليه السلام ) ، علم المنايا، والبلايا ، وميراث الوصايا وفصل الخطاب، وأصل الأنساب، على منهاج هارون بن عمران من موسى ( عليهما السلام ) إذ يقول له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنت وصيي في أهل بيتي ، وخليفتي في أمتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، ولكنكم أخذتم سنة بني إسرائيل ، فأخطأتم الحق فأنتم تعلمون ولا تعلمون ، أما والله لتركبن طبقا عن طبق ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة أما والذي نفس سلمان بيده : لو وليتموها عليا لأكلتم من

---------------------------
<=
وتنافس المهاجرون والأنصار كل يقول: ( سلمان منا ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( بل سلمان منا أهل البيت ) .
وروى عن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند على ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حدثنا عن سلمان ) .
قال ( عليه السلام ) : من لكم بمثل لقمان الحكيم، ذلك امرؤ منا أهل البيت أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف.
ولي المدائن في عهد عمر بن الخطاب، وكان يسف الخوص وهو أمير عليها ويبيعه ويأكل منه ، ويقول: لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي .
وتوفي في المدائن سنة 36 ، وقيل 37 ، وقيل بل 33.
ولما حضرته الوفاة بكى فقيل ما يبكيك ؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب ) فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا إلا اكافا ؟؟؟ ووطاء ومتاعا ، قوم نحوا من عشرين درهما.
راجع صفة الصفوة ج 1 ص 210 تهذيب التهذيب ج 4 ص 137 أسد الغابة ج 2 ص 328 تنقيح المقال ج 2 ص 45 وكتاب نفس الرحمان في أخبار سلمان والمجلد الرابع من ابن أبي الحديد وكتاب مع علماء النجف الأشرف.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 152 _

  فوقكم ، ومن تحت أقدامكم ، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم ، ولما عال (1) ولي الله، ولا طاش لكم سهم من فرائص الله (2) ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلايا ، واقنطوا من الرخاء ، وقد نابذتكم على سواء ، فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء.
  عليكم بآل محمد ( عليهم السلام ) ، فإنهم القادة إلى الجنة، والدعاة إليها يوم القيامة.
  عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين، مرارا جمة (3) مع نبينا ، كل ذلك يأمرنا به ، ويؤكده علينا فما بال القوم ؟ عرفوا فضله فحسدوه ، وقد حسد هابيل قابيل فقتله ، وكفارا قد ارتدت أمة موسى بن عمران، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل، فأين يذهب بكم أيها الناس ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان؟! أجهلتم أم تجاهلتم ؟ أم حسدتم أم تحاسدتم ؟ والله لترتدن كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف ، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة ، ألا وإني أظهرت أمري، وسلمت لنبيي ، واتبعت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليا أمير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين، وقائد الغر المحجلين، وإمام الصديقين، والشهداء والصالحين.

---------------------------
(1) عال: افتقر.
(2) طاش إليهم: مال عن الهدف.
(3) جمة: كثيرة

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 153 _

  عن محمد ويحيى (2 ـ 3) ابني عبد الله بن الحسن عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال ، لما خطب أبو بكر قام إليه (1) أبي بن كعب وكان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان وقال:

---------------------------
(1) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار.
عده الشيخ رحمه الله في رجاله بهذا العنوان من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال يكنى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، شهد بدرا والعقبة وبايع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ومثله بحذف اسم آبائه إلى كنيته ما في الخلاصة في قسم المعتمدين وكذا في رجال ابن داود ، وعن المجالس ما يظهر منه جلالته وإخلاصه لأهل البيت...
وقال العلامة الطباطبائي: إنه من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر تقدمه وجلوسه في مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال له ، يا أبا بكر لا تجحد حقا جعله الله لغيرك ، ولا تكن أول من عصى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في وصيته ، وأول من صدف عن أمره، ورد الحق إلى أهله تسلم ، ولا تتمادى في غيك تستندم ، وبادر بالإنابة يخف وزنك ، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك نفسك فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه ، وتصير إلى ربك فيسألك عما جئت وما ربك بظلام للعبيد ، وعن تقريب بن حجر متصلا بنسبه المذكور ما لفظه : الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، يكنى أبا الطفيل، أيضا من فضلاء الصحابة ، مات في زمن عمر فقال عمر: مات اليوم سيد المسلمين، شهد العقبة مع السبعين، ج 1 ص 44 من رجال المامقاني.
(2 ـ 3) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ذو النفس الزكية، ويكنى أبا عبد الله، وقيل أبا القاسم.
ولد سنة (100) وقتل سنة (145).
بايعه المنصور مع جماعة من بني هاشم ، فلما بويع لبني العباس اختفى محمد وإبراهيم
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 154 _

  يا معشر المهاجرين الذين اتبعوا مرضات الله، وأثنى الله عليهم في القرآن

---------------------------
<=
مدة خلافة العباس، فلما ملك المنصور وعلم أنهما على عزم الخروج عليه جد في طلبهما وقبض على أبيهما كما مر ذلك في هامش ص 131.
وأتيا أباهما وهو في السجن فقالا له يقتل رجلان من آل محمد خير من أن يقتل ثمانية ، فقال لهما : إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ولما عزم محمد على الخروج، وأعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد ، وذهب محمد إلى المدينة، وإبراهيم إلى البصرة، فاتفق أن إبراهيم مرض ، فخرج أخوه بالمدينة وهو مريض بالبصرة ، ولما خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنه قتل وهو على المنبر فقال
سأبكيك بالبيض الصفاح iiوبالقنا      فإن بها ما يدرك الطالب iiالوترا
ولـست  كمن يبكي أخاه iiبعبرة      يعصرها  من ماء مقلته iiعصرا
ولـكن أروي النفس مني iiبغارة      تـلهب في قطري كتابتها iiجمرا
وإنـا أنـاس لا تفيض iiدموعنا      على هالك منا وإن قصم الظهرا

ولما بلغ المنصور خروج محمد بن عبد الله خلا ببعض أصحابه فقال له ، ويحك!
قد ظهر محمد فماذا ترى ؟ فقال : وأين ظهر ؟ قال ، بالمدينة ، فقال : غلبت عليه ورب الكعبة، وقال: وكيف ؟! قال لأنه خرج بحيث لا مال ولا رجال ، فعالجه بالحرب فأرسل إليه عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش كثيف ، فحاربهم محمد خارج المدينة وتفرق أصحابه عنه حتى بقي وحده فلما أحس بالخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسجر، ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترق ثم خرج فقاتل حتى قتل بأحجار الزيت ومن هنا لقب بذي النفس الزكية لأنه صدق عليه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : ( تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية ) ، راجع عمدة الطالب ص 89، ومقاتل الطالبيين ص 232 .
ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
( صاحب الديلم ) الشهيد، ويكنى أبا الحسن، وأمه قريبة بنت عبد الله.
كان مقدما في أهل بيته ، بعيدا مما يعاب على مثله.
وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) وروى عن أبيه وعن أخيه محمد راجع رجال ابن داود ص 139 مقاتل الطالبيين ص 337.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 155 _

  ويا معشر الأنصار الذين تبوؤا الدار والإيمان ، وأثنى الله عليهم في القرآن، تناسيتم أم نسيتم ، أم بدلتم ، أم غيرتم ، أم خذلتم ، أم عجزتم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قام فينا مقاما أقام في عليا فقال: ( من كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليا ومن كنت نبيه فهذا أميره ) ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنه لا نبي بعدي ) ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( أوصيكم بأهل بيتي خيرا فقدموهم ولا تقدموهم ، وأمروهم ولا تأمروا عليهم ) ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ( أهل بيتي منار الهدى ، والدالون على الله ) ؟ أو لستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعلي عليه السلام: ( أنت الهادي لمن ضل ) ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ( علي المحيي لسنتي ( ومعلم أمتي، والقائم بحجتي وخير من أخلف من بعدي ، وسيد أهل بيتي ، وأحب الناس إلي طاعته كطاعتي على أمتي ) ؟ ألستم تعلمون أنه لم يول على علي أحدا منكم وولاه في كل غيبته عليكم ؟ ألستم تعلمون أنه كان منزلهما في أسفارهما واحدا وارتحالهما واحد ؟
  ألستم تعلمون أنه قال: ( إذا غبت فخلفت عليكم عليا فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي ) ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة ( عليها السلام ) فقال لنا : إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخا من أهلك فأجعله نبيا ، واجعل أهله لك ولدا ، أطهرهم من الآفات، وأخلصهم من الريب فاتخذ موسى هارون أخا، وولده أئمة لبني إسرائيل من بعده ، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى ، وأن الله تعالى أوحي إلي أن أتخذ عليا أخا، كما أن موسى اتخذ هارون أخا، واتخذ ولده ولدا ، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون ، إلا أني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك ( فهم الأئمة الهادية، أفما تبصرون أفما تفهمون أفما تسمعون ؟! ضربت عليكم الشبهات ، فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد ، حتى خشي أن يهلك ، فلقي رجلا هاديا في الطريق ، فسأله عن الماء ، فقال له : أمامك عينان: إحديهما مالحة ، والأخرى

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 156 _

  عذبة، فإن أصبت المالحة ضللت ، وإن أصبت العذبة هديت ورويت ، فهذا مثلكم أيتها الأمة المهملة كما زعمتم ، وأيم الله ما أهملتم، لقد نصب لكم علم ، يحل لكم الحلال ، ويحرم عليكم الحرام ، ولو أطعتموه ما اختلفتم، ولا تدابرتم ، ولا تقاتلتم ولا برئ بعضكم من بعض ، فوالله إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإنكم على عترته لمختلفون ، وإن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه ، فقد أبعدتم ، وتخارستم وزعمتم أن الخلاف رحمة ، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم ، يقول الله تعالى جده (1): ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جائتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (2) ) ثم أخبرنا باختلافكم ، فقال سبحانه: ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم (3) ( أي: للرحمة وهم آل محمد، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: يا علي أنت وشيعتك على الفطرة، والناس منها براء ، فهلا قبلتم من نبيكم كيف وهو خبركم بانتكاصتكم (4) عن وصيه علي بن أبي طالب وأمينه ، ووزيره ، وأخيه ، ووليه ، دونكم أجمعين ، وأطهركم قلبا ، وأقدمكم سلما وأعظمكم وعيا ، من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعطاه تراثه ، وأوصاه بعداته ، فاستخلفه على أمته ، ووضع عنده سره ، فهو وليه دونكم أجمعين، وأحق به منكم أكتعين (5) سيد الوصيين ، ووصي خاتم المرسلين، أفضل المتقين، وأطوع الأمة لرب العالمين سلمتم عليه بإمرة المؤمنين ، في حياة سيد النبيين ، وخاتم المرسلين ، فقد أعذر من أنذر، وأدى النصيحة من وعظ وبصر من عمى، فقد سمعتم كما سمعنا ، ورأيتم كما رأينا ، وشهدتم كما شهدنا .
  فقام إليه عبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل فقالوا يا أبي أصابك خبل ؟ أم بك جنة ؟ فقال : بل الخبل فيكم ، والله كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه ولا أرى شخصه ، فقال فيما

---------------------------
(1) جده: عظمته.
(2) آل عمران 105.
(3) هود 118.
(4) أي برجوعكم القهقري.
(5) أكتعين: كلكم.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 157 _

  يخاطبه : ما أنصحه لك ولأمتك! وأعلمه بسنتك! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أفترى أمتي تنقاد له من بعدي ؟ قال : يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها ، ويخالف عليهم من أمتك فجارها ، وكذلك أوصياء النبيين من قبلك ، يا محمد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، وكان أعلم بني إسرائيل وأخوفهم لله ، وأطوعهم له ، فأمره الله عز وجل أن يتخذه وصيا كما اتخذت عليا وصيا ، وكما أمرت بذلك ، فحسده بنو إسرائيل، سبط موسى خاصة ، فلعنوه ، وشتموه ، وعنفوه ، ووضعوا له ، فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل كذبوا وصيك ، وجحدوا إمرته، وابتزوا خلافته وغالطوه في علمه ، فقلت : يا رسول الله من هذا ؟ فقال رسول لله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( هذا ملك من ملائكة ربي عز وجل ، ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب صلوات الله ( عليه السلام ) ، وإني أوصيك يا أبي بوصية ، إن حفظتها لم تزل بخير يا أبي عليك بعلي ، فإنه الهادي المهدي، الناصح لأمتي ، المحيي لسنتي ، وهو إمامكم بعدي ، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه، يا أبي ومن غير أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي ، عاصيا أمري، جاحدا لنبوتي ، لا أشفع له عند ربي ، ولا أسقيه من حوضي ) فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا : ( اقعد رحمك الله يا أبي، فقد أديت ما سمعت الذي معك ووفيت بعهدك ) .

احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أبي بكر لما كان يعتذر إليه من بيعة الناس له ويظهر الانبساط له .

  عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام، قال : لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي ، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر ، وأحب لقائه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه .
  أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة، فقال: يا أبا الحسن والله ما كان هذا

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 158 _

  الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة ولا قوة لي بمال ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيري فما لك تضمر علي ما لم استحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إلي بعين الشنآن ؟
  قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فما حملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا أثقت بنفسك في القيام به ؟!
  قال : فقال أبو بكر : حديث سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إن الله لا يجمع أمتي على ضلال ) ولما رأيت إجماعهم اتبعت قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من ضلال ، فأعطيتهم قود الإجابة ، ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت .
  فقال علي ( عليه السلام ) : أما ما ذكرت من قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( إن الله لا يجمع أمتي على ضلال ) فكنت من الأمة أم لم أكن ؟ قال : بلى ، قال: وكذلك العصابة الممتنعة عنك: من سلمان ، وعمار ، وأبي ذر ، والمقداد ، وابن عبادة ، ومن معه من الأنصار ، قال : كل من الأمة قال علي ( عليه السلام ) : فكيف تحتج بحديث النبي وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك؟! وليس للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير ، قال : ما علمت بتخلفهم إلا بعد إبرام الأمر، وخفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستهم إلي إن أجبتهم أهون مؤنة على الدين وإبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا ، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم.
  فقال علي ( عليه السلام ) : أجل ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه ؟
  فقال أبو بكر : بالنصيحة ، والوفاء ، ودفع المداهنة ، وحسن السيرة، وإظهار العدل ، والعلم بالكتاب والسنة ، وفصل الخطاب ، مع الزهد في الدنيا ، وقلة الرغبة فيها ، وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد ، ثم سكت .
  فقال علي ( عليه السلام ) : والسابقة ، والقرابة .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 159 _

  فقال أبو بكر : والسابقة والقرابة.
  فقال علي عليه السلام: أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو في فقال أبو بكر : بل فيك يا أبا الحسن.
  قال : فأنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل ذكران المسلمين (1) أم أنت ؟ قال : بل أنت.
  قال ( عليه السلام ) : فأنشدك بالله ، أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم للأمة بسورة براءة (2) أم أنت ؟ قال : بل أنت.

---------------------------
(1) في ( ذخائر العقبى ) : عن زيد بن أرقم قال:( كان أول من أسلم علي بن أبي طالب ) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( على أول من أسلم بعد خديجة ).
وذكر الحجة الأميني في ج 3 من كتاب الغدير ص 219 مائة حديث من طرق مختلفة ، رواها أئمة الحديث وحفاظه ، في أن عليا أول من أسلم.
وروى محب الدين الطبري في ( ذخائر العقبى ) عن عمر بن الخطاب قال: ( كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة ، إذ ضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منكب علي بن أبي طالب فقال: ( يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأنت أول المسلمين إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ) وبعد أن نقل عدة روايات في الموضوع أعقبها بقوله: وقد وردت أحاديث في أن أبا بكر أول من أسلم وهي محمولة على أنه أول من أظهر إسلامه ، وعلي ( عليه السلام ) أول من بدر إلى الإسلام ، ذخائر العقبى ص 58
(2) عن أبي سعيد وأبي هريرة قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبا بكر على الحج فلما بلغ ضجنان ، سمع بغام ناقة علي ، فعرفه فأتاه ، فقال: ما شأنك ؟ فقال:
خيرا ، إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعثني ببرائة .
فلما رجعا ، انطلق أبو بكر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال: يا رسول الله ما لي ؟ قال:
خيرا أنت صاحبي في الغار، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني يعني عليا: أخرجه أبو حاتم.
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 160 _

  قال: فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنفسي يوم الغار (1) أم أنت ؟
  قال: بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الغدير (2) أم أنت؟ قال: بل أنت

---------------------------
<=
وفي رواية عنده من حديث جابر: إن أبا بكر قال له : أمير أم رسول ؟ فقال: بل رسول ، أرسلني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ببرائة أقرؤها على الناس في مواقف الحج .
وفي رواية من حديث أحمد عن علي أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما راجعه أبو بكر قال له: ( جبريل جائني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ) عن ذخائر العقبى ص 96 وذكر الشيخ الأميني في ج 6 من الغدير ص 338 (73) مصدرا قدم لها بقوله: ( هذه الإثارة أخرجها كثير من أئمة الحديث وحفاظه بعدة طرق صحيحة يتأتى التواتر بأقل منها ، عند جمع من القوم، وإليك أمة ممن أخرجها، ... الخ
(1) وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بمكة لقضاء ديونه ورد الودايع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار ـ وقد أحاط المشركون بالدار ـ أن ينام على فراشه ، وقال له: ( اتشح ببردى الحضرمي الأخضر، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى ، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل ( عليهم السلام ) : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فبات على فراشه ، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس علي وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة ؟! فأنزل الله عز وجل إلى رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (ومن الناس من يشر نفسه ابتغاء مرضات الله) أسد الغابة ج 4 ص 95
(2) مر في ص 66 من هذا الكتاب حديث الغدير كما أشير في الهامش إلى ما ذكره الحجة الأميني في الجزء الأول من (كتاب الغدير) من عدد رواته من الصحابة والتابعين ومن أئمة الحديث وحفاظه والأساتذة وما استعرضه من أسماء من ألفوا فيه من الفريقين
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 161 _

  قال فأنشدك بالله ألي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم (1)

---------------------------
<=
كتبا مستقلة فبلغ عددهم (26) مؤلفا .
وبالمناسبة أحببنا ذكر ما نقلة صاحب ينابيع المودة في ص 26 منه إذ قال: حكى العلامة علي بن موسى ، وعلي بن محمد أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين، أستاذ أبي حامد الغزالي يتعجب ويقول: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوبا عليه المجلد الثامنة والعشرون من طرق قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كنت مولاه فعلي مولاه ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ، انتهى.
وفي واقعة الغدير هذه يقول حسان بن ثابت ـ بعد أن استأذن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأذن له :
يـناديهم يـوم الـغدير iiنـبيهم      بـخم واسـمع بـالنبي مـناديا
وقـد جاء جبرئيل عن أمر iiربه      بـأنك مـعصوم فـلا تك iiوانيا
وبـلغهم  مـا أنـزل الله iiربهم      إلـيك  ولا تخش هناك iiالأعاديا
فـقام بـه إذ ذاك رافـع iiكـفه      بـكف على معلن الصوت iiعاليا
فـقال: فـمن مـولاكم iiووليكم؟      فـقالوا  ولم يبدوا هناك iiالتعاميا
إلـهك  مـولانا وأنـت iiولـينا      ولـن تجدن فينالك اليوم iiعاصيا
فـقال  لـه: قـم يا علي iiفإنني      رضيتك  من بعدي إماما iiوهاديا
(فـمن  كـنت مولاه فهذا وليه)      فـكونوا له أنصار صدق iiمواليا
هـناك دعـا: اللهم وال iiولـيه      وكـن لـلذي عادى عليا iiمعاديا
فيا رب أنصر ناصريه لنصرهم      إمـام هدى كالبدر يجلو iiالدياجيا

ويقول ـ مشيرا إليها ـ قيس بن سعد بن عبادة:
وعـلي إمـامنا iiوإمـام      لـسوانا  أتى به iiالتنزيل
يوم  قال النبي: من كنت      مـولاه فهذا خطب جليل
إنما قاله النبي على الأمة      حـتم مـا فيه قال iiوقيل

(1) عن أنس بن مالك : أن سائلا أتى المسجد وهو يقول : (من يقرض الملي الوفي) وعلي عليه السلام راكع ، يقول بيده خلفه للسائل أي اخلع الخاتم من يدي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا عمر وجبت ، قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما وجبت
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 162 _

  أم لك ؟ قال : بل لك .
  قال فأنشدك بالله ألي الوزارة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمثل من هارون من موسى (1) أم لك ؟ قال : بل لك .

---------------------------
<=
قال وجبت له الجنة والله وما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرئيل بقوله عز وجل: ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ).
ذكر الأميني في ج 3 من الغدير ص (156 ـ 162) 66 طريقا ممن رواه من الحفاظ والثقاة من الرواة.
ولحسان بن ثابت:
أبـا حسن تفديك نفسي ومهجتي      وكـل بطئ في الهدى iiومسارع
أيذهب  مدحي والمحبين iiضايعا      وما المدح في ذات الأله iiبضائع
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع      فدتك  نفوس القوم يا خير iiراكع
بـخاتمك الـميمون يا خير iiسيد      ويـا  خير شار ثم يا خير iiبايع
فـأنزل  فـيك الله خـير ولاية      وبـينها فـي محكمات iiالشرايع

(1) إن قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى قد تكرر منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مناسبات شتى ، ففي حديث تبوك عندما مع علي ( عليه السلام ) يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟! قال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، الصواعق المحرقة ص 119.
وحين آخى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين أصحابه ، فقال على " ع " آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال : والذي بعثني بالحق نبيا ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ينابيع المودة ص 56.
وعن عبد الله بن عباس: سمعت عمر وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام فقال عمر : أما علي فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول فيه ثلاث خصال ، لوددت أن تكون لي واحدة منهن ، وكانت أحب إلى مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه: إذ ضرب ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على منكب علي رضي الله عنه فقال له
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 163 _

  قال فأنشدك بالله أبي برز رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وباهلي وولدي في مباهلة المشركين أم بك وبأهلك وولدك (1) ؟ قال : بل بكم .
  قال فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل

---------------------------
<=
يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا ، وأول المسلمين إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى .
شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 258 وعن سعد بن أبي وقاص: إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعلي : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) أخرجه البخاري ومسلم ، ذخائر العقبى ص 63 .
وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( اللهم إني أقول كما قال أخي موسى واجعل لي وزيرا من أهلي أخي عليا اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا ) أخرجه أحمد في المناقب ذخائر العقبى ص 63 إلى غير ذلك من المواطن المتعددة.
(1) وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : قدم على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) العاقب والسيد ، فدعاهما إلى الإسلام ، فقالا أسلمنا يا محمد فقال كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام قالا فهات ؟! قال حب الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على الغد فغدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له ، فقال :
والذي بعثني بالحق لو فعلا ، لا مطر الوادي عليهما نارا ، قال جابر فيهم نزلت : ( تعالوا ندع أبنائنا ) الآية ، قال جابر : ( أنفسنا وأنفسكم ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي و ( أبنائنا ) الحسن والحسين ، و ( نسائنا ) فاطمة ورواه أيضا الحاكم من وجه آخر عن جابر وصححه ، وأخرج مسلم ، والترمذي ، وابن منذر ، والحاكم ، والبيهقي ، عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه الآية ( قل تعالوا ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : ( اللهم هؤلاء أهلي ) .
عن الفتح القدير للشوكاني في تفسير قوله تعالى : (تعالوا ندع)

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 164 _

  بيتك (1)؟ قال: بل لك ولأهل بيتك .
  قال فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهلي وولدي يوم الكساء ) اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار (2) ( أم أنت ؟ قال : بل أنت وأهلك وولدك قال فأنشدك بالله أنا صاحب آية ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره

---------------------------
(1) أخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في خمسة: النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي وفاطمة ، والحسن ، والحسين .
وأخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ : أنزلت هذه الآية في خمسة: في وفي علي والحسن والحسين وفاطمة ، وأخرجه الطبراني أيضا.
عن الصواعق المحرقة ( لابن حجر ) : ص 141 وفي ينابيع المودة ص ( 107 ) : حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن سليمان الإصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطا عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : نزلت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) في بيت أم سلمه ، فدعى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فجللهم بكساء ، ثم قال : ( اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) قالت أم سلمة ، ( وأنا معهم يا نبي الله ؟ ) قال : ( أنت على مكانك وأنت إلى خير ) .
وفي ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص 22: عن أنس بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: ( الصلاة يا أهل بيتي ـ إنما يريد الله ـ الآية ) ، أخرجه أحمد وعن أبي الحمراء قال صحبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تسعة أشهر فكأن إذا أصبح أتى على باب على وفاطمة وهو يقول: ( يرحمكم الله ـ إنما يريد الله ـ الآية ) ، أخرجه عبد بن حميد .
(2) عن أم سلمة قالت: بينما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيته يوما إذ قالت الخادم:
( إن عليا وفاطمة بالسدة ) قالت: فقال لي : ( قومي فتنحي عن أهل بيتي ، قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا ، فدخل على وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران ، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره وقبلهما واعتنق بإحدى يديه عليا وفاطمة بالأخرى ، وقبل فاطمة وقبل عليا ، فأغدق عليهم خميصة سوداء ، ثم قال : ( اللهم
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 165 _

  مستطيرا (1) أم أنت؟ قال: بل أنت.

---------------------------
<=
إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي ) قالت: قلت وأنا يا رسول الله عليك ، قال وأنت ، أخرجه أحمد، وخرج الدولابي معناه مختصرا .
عن ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص 21 ـ 22
(1) ينابيع المودة ص 93 قال :
أيضا الحمويني أخرجه عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) قال: مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما فعادهما جدهما ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعادهما بعض الصحابة، فقالوا: ( يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ) فقال علي رضي الله عنه: إن برأ ولداي مما بهما ، صمت لله ثلاثة أيام شكرا لله ، وقالت فاطمة رضي الله عنها مثل ذلك ، وقالت جارية يقال لها فضة مثل ذلك ، وقال الصبيان نحن نصوم ثلاثة أيام فألبسهما الله العافية:، وليس عندهم قليل ولا كثير ، فانطلق علي رضي الله عنه إلى رجل من اليهود يقال له: (شمعون بن حابا) فقال له : ( هل تؤتيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بثلاثة أصواع من شعير ) قال: نعم فأعطاه ، ثم قامت فاطمة رضي الله عنها إلى صاع فطحنته واختبزت منة خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص وصلى علي رضي الله عنه مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المغرب، ثم أتى فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنا مسكين أطعموني شيئا فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، وفي الليلة الثانية أتاهم يتيم فقال : أطعموني فأعطوه الطعام، وفي الليلة الثانية أتاهم أسير فقال: أطعموني فأعطوه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين رضي الله عنهم، وأقبل نحوهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما أبصرهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انطلق إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها ـ فلما رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( واغوثاه أهل بيت محمد يموتون جوعا ) فهبط جبرئيل عليه السلام فأقرأه : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) إلى آخر السورة وهذا الخبر مذكور
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 166 _

  قال فأنشدك بالله أنت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت أم أنا (1)؟ قال : بل أنت .
  قال فأنشدك بالله أنت الفتى نودي من السماء ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى

---------------------------
<=
في تفسير البيضاوي، وروح البيان، والمسامرة.
أقول: وذكر الحجة الأميني في ج 3 من الغدير ص 107 ـ 111 من رواة هذا الحديث
(34) طريقا فراجع .
(1) جاء في ينابيع المودة ص 137 ـ 138.
وفي كتاب الإرشاد أن أم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وغيرهم من جماعة الصحابة (رض) قالوا : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان في المنزل فلما تغشاه الوحي توسد فخذ على فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، وصلى علي صلاة العصر بالايماء ، فلما أفاق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ( اللهم اردد الشمس لعلي فردت عليه الشمس حتى صارت في السماء وقت العصر، فصلى علي العصر، ثم غربت.
فأنشأ حسان بن ثابت:
يـا قـوم من مثل على iiوقد      ردت عليه الشمس من غائب
أخـو  رسـول الله iiوصهره      والأخ لا يـعدل بـالصاحب

قال الحجة الأميني: في ج 3 من الغدير ص (127):
إن حديث رد الشمس أخرجه جمع من الحفاظ الأثبات، بأسانيد جمة، صحح جمع من مهرة الفن بعضها ، وحكم آخرون بحسن آخر، وشدد جمع منهم النكير على من غمز فيه وضعفه، وهم الأبناء الأربعة حملة الروح الأموية الخبيثة ألا وهم : ابن حزم ، ابن الجوزي، ابن تيمية ، ابن كثير ، وجاء آخرون من الأعلام وقد عظم عليهم الخطب بإنكار هذه المأثرة النبوية، والمكرمة العلوية الثابتة فأفردوها بالتأليف وجمعوا فيه طرقها وأسانيدها ، وعد منهم (9) ثم قال: ولا يسعنا ذكر تلكم المتون وتلكم الطرق والأسانيد إذ يحتاج إلى تأليف ضخم يخص به غير أنا نذكر نماذج ممن أخرجه من الحفاظ والأعلام بين من ذكره من غير غمز فيه ، وبين من تكلم حوله وصححه، وفيها مقنع وكفاية وعد من ذلك (19) سندا فراجع.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 167 _

  إلا علي ) (1) أم أنا؟ قال: بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برايته يوم خيبر ، ففتح الله له أم أنا (2)؟ قال: بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنت الذي نفست عن رسول الله وعن المسلمين بقتل عمرو بن

---------------------------
(1) وذلك في غزوة ( أحد ) ذكر الطبري في ج 3 ص 17 عن عبيد الله بن أبي رافع قال: لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية أبصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: ( احمل عليهم ) فحمل عليهم ففرق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي قال: ثم أبصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: إحمل عليهم ، فحمل عليهم ، ففرق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي ، فقال جبريل: يا رسول الله إن هذا للمواسات فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
إنه مني وأنا منه فقال جبريل: وأنا منكما: قال: فسمعوا صوتا:
لا سيف إلا ذو الفقار      ولا فـتى إلا iiعـلي

وأخرج ابن هشام في سيرته ج 3 ص 52 عن ابن أبي نجيح قال: نادى مناد من السماء
لا سيف إلا ذو الفقار      ولا فـتى إلا iiعـلي

قال حسان بن ثابت:
جـبريل  نادى معلنا      والنقع  ليس iiبمنجلي
والمسلمون قد iiأحدقوا      حول  النبي iiالمرسل
لا سيف إلا ذو الفقار      ولا فـتى إلا iiعـلي

(2) عن سهل بن سعد أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: لأعطين غدا الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطى ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كلهم يرجو أن يعطاها فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أين علي بن أبي طالب فقالوا يشتكي عينيه يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال:
فأرسلوا إليه ، فلما جاء بصق ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في عينيه ، ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع وأعطاه الراية فقال على: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ قال: انفذ على رسلك
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 168 _

  عبد ود أم أنا (1)؟ قال: بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنت الذي ائتمنك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على رسالته إلى الجن (2) فأجابت أم أنا ؟ قال: بل أنت.

---------------------------
<=
حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ، أخرجه البخاري ومسلم ، ذخائر العقبى
(1) وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد ، فلما كان يوم الخندق ، خرج معلما ليرى مكانه وقف هو وخيله قال من يبارز ، فبرز له علي بن أبي طالب فقال له: يا عمرو إنك قد كنت عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه ، قال له: أجل ، قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلي رسوله وإلى الإسلام قال: لا حاجة لي بذلك ، قال: فإني أدعوك إلى النزال فقال له: لم يا بن أخي ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك، قال له علي: ولكني والله أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك، فأقحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه .
قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في ذلك:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه      ونصرت رب محمد iiبصوابي
فـصدرت حين تركته iiمتجدلا      كـالجذع  بين دكادك iiوروابي
وعـففت عن أثوابه ولو iiأنني      كـنت الـمقطر بزنى iiأثوابي
لا  تـحسبن الله خـاذل iiدينه      ونـبيه يـا مـعشر الأحزاب

(2) ج 6 بحار الأنوار ص 315.
عيون المعجزات من كتاب الأنوار مسندا عن سلمان قال: كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذات يوم جالسا بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث ، إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم برز منها شخص كان فيها ، ثم قال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إني وافد قوم وقد استجرنا بك فأجرنا، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا فإن بعضهم قد
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 169 _

  قال فأنشدك بالله أنا الذي طهره الله من السفاح من لدن آدم إلى أبيه بقول رسول

---------------------------
<=
بغى علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله وكتابه ، وخذ على العهود والمواثيق المؤكدة أن أرده إليك في غداة غد سالما إلا أن تحدث علي حادثة من عند الله، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أنت ومن قومك ؟ قال : أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني نجاح ، وأنا وجماعة من أهلي كنا نسترق السمع فلما منعنا من ذلك آمنا ولما بعثك الله نبيا آمنا بك ، على ما علمته وقد صدقناك وقد خالفنا بعض القوم، وأقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف، وهم أكثر منا عددا وقوة ، وقد غلبوا على الماء والمرعى، وأضروا بنا وبدوا بنا ، فابعث معي من يحكم بيننا بالحق ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها، قال:
فكشف لنا عن صورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير ، وإذا رأسه طويل ، طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين، وله أسنان كأنها أسنان السباع، ثم أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذ عليه العهد والميثاق على أن يرد عليه في غد من يبعث به معه ، فلما فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر فقال : سر مع أخينا عطرفة وانظر إلى ما هم عليه ، واحكم بينهم بالحق ، فقال : يا رسول الله وأين هم ؟ قال : هم تحت الأرض، فقال أبو بكر وكيف أطيق النزول تحت الأرض ؟ وكيف أحكم بينهم ولا أحسن كلامهم ؟ ثم التفت إلى عمر بن الخطاب فقال له مثل قوله لأبي بكر ، فأجاب مثل جواب أبي بكر ، ثم أقبل على عثمان وقال له مثل قولهما فأجابه كجوابهما ، ثم استدعى عليا وقال له : يا علي سر مع أخينا عطرفة ، وتشرف على قومه ، وتنظر إلى ما هم عليه وتحكم بينهم بالحق فقام أمير المؤمنين مع عطرفة وقد تقلد سيفه ، قال سلمان : فتبعتهما إلى أن صارا إلى الوادي فلما توسطاه نظر إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال قد شكر الله تعالى سعيك يا أبا عبد الله فارجع ، فوقفت أنظر إليهما، فانشقت الأرض ودخلا فيها ورجعت ، وتداخلني من الحسرة ما الله أعلم به كل ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين وأصبح النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصلى بالناس الغداة وجاء وجلس على الصفا وما زال يحدث أصحابه، إلى أن وجبت صلاة العصر وأكثر القوم والكلام ، وأظهروا اليأس من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فصلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلاة العصر وجاء وجلس على الصفا، وأظهر الفكر في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكادت الشمس تغرب ، فتيقن القوم أنه قد هلك وإذا قد
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 170 _

  الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( خرجت أنا وأنت من نكاح لا من سفاح (1) من لدن آدم إلى

---------------------------
<=
انشق الصفا، وطلع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منه ، وسيفه يقطر دما ، ومعه عطرفة ، فقام إليه النبي وقبل بين عينيه وجبينه ، وقال له : ما الذي حبسك عني إلى هذا الوقت ؟ فقال ( عليه السلام ) : صرت إلى جن كثير قد بغوا على عطرفة وقومه من المنافقين ، فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا علي ، وذلك إني دعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى والإقرار بنبوته ورسالتك فأبوا ، فدعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا ، فسألتهم أن يصالحوا عطرفة وقومه فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه وكذلك الماء فأبوا ذلك كله ، فوضعت سيفي فيهم وقتلت منهم ثمانين ألفا ، فلما نظروا إلى ما حل بهم طلبوا الأمان والصلح ثم آمنوا وزال الخلاف بينهم ، وما زلت معهم إلى الساعة ، فقال عطرفة يا رسول الله جزاك الله وأمير المؤمنين عنا خيرا .
(1) ينابيع المودة ص 16 قال : ) وفي ( الشفاء وروي عن علي كرم الله وجهه عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قوله تعالى : لقد جائكم رسول من أنفسكم ـ قال: نسبا وصهرا وحسبا، ليس في آبائي من لدن آدم ( عليه السلام ) سفاح كلنا بنكاح ).
وفي كنز العمال ج 6 ص 100 الحديث 1494.
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في حديث له رواه البيهقي في الدلائل عن أنس: ( وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي ، فإنا خيركم نسبا وخيركم أنا ) والحديث 1495.
منه أيضا عن عائشة عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
(خرجت من نكاح غير سفاح ).
والحديث 1497 عن ابن عباس عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح).
والحديث 1498 في ص 101 منه عن علي ( عليه السلام ): ( خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ، لم يصبني من سفاح الجاهلية شئ ).
وفي ص 16 من ينابيع المودة:
( وفي جمع الفوائد رفعه : خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 171 _

  عبد المطلب ) أم أنت ؟ قال: بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنا الذي اختارني رسول الله وزوجني ابنته فاطمة ( عليها السلام ) ، وقال: ( الله زوجك إياها في السماء (1) ( أم أنت ؟ قال : بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه إذ يقول: ( هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما (2) ) أم أنت ؟ قال : بل أنت.

---------------------------
<=
أن ولدني أبي وأمي ، للاوسط ... ) ابن عباس رفعه: ما ولدني في سفاح الجاهلية شئ وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام، للكبير .
(1) ينابيع المودة ص 175 عن أنس قال : كنت عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فغشيه الوحي فلما أفاق قال : يا أنس أتدري بما جائني به جبرئيل من عند صاحب العرش عز وجل ، قلت : بأبي وأمي بما جائك جبرائيل ؟ قال : قال جبرائيل : إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة بعلي ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ونفرا من الأنصار، قال ، فانطلقت فدعوتهم فلما أن أخذوا مقاعدهم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
الحمد لله المحمود: بنعمته ، وذكر الخطبة المشتملة على التزويج وفي آخرها: فجمع الله شملهما ، وأطاب نسلهما ، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، وأمن الأمة ثم حضر على وكان غائبا ، فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال: يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة ( عليها السلام ) وإني قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة ، فقال على قد رضيتها يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم إن عليا خر لله ساجدا شكرا ، فلما رفع رأسه قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : بارك الله لكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدكما ، وأخرج منكما الكثير الطيب قال أنس: والله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب ، أخرجه أبو على الحسن بن شاذان فيما نقله عنه الحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين وقد أورده المحب الطبري في ذخائره وأخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي، انتهى.
(2) ابن ماجة عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله ( صلى اللعه عليه وآله وسلم ): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما .
( وفي الإصابة ) مالك بن الحويرث الليثي قال : قال رسول الله ( صلى اللعه عليه وآله وسلم ): الحسن
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 172 _

  قال فأنشدك بالله أخوك المزين بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة أم أخي (1) ؟ قال : بل أخوك.

---------------------------
<=
والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما .
ينابيع المودة ص 166 وأخرج ابن عساكر عن علي، وعن ابن عمر ، ـ وابن ماجة والحاكم ، عن ابن عمر ، ـ والطبراني عن قرة ، وعن مالك بن الحويرث ، ـ والحاكم عن ابن مسعود ، ـ: أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ابناي هذان الحسن ، والحسين ، سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما .
الصواعق المحرقة ص 189
(1) هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، كنيته أبو عبد الله، ابن عم الرسول، وأخو علي بن أبي طالب لأبويه ، أسلم قديما بعد إسلام أخيه علي بن أبي طالب بقليل.
هاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة ـ في الهجرة الثانية ، مع زوجته أسماء بنت عميس ـ فأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه ، وأقام جعفر عنده : ثم هاجر منها إلى المدينة فقدم والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخيبر ، ـ فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما أدري بأيهما أنا أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر .
وكان أشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا وقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( اشبهت خلقي وخلقي ) .
مر أبو طالب ( عليه السلام ) فرأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليا ( عليه السلام ) يصليان ، وعلي عن يمينه فقال لجعفر : صل جناح ابن عمك وصل عن يساره .
استشهد بمؤتة من أرض الشام مقبلا غير مدبر مجاهدا للروم في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سنة ثمان في جمادى الأولى.
عن ابن عمر قال : وجد فيما أقبل من بدن جعفر ما بين منكبيه تسعين ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف .
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 173 _

  قال فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت (1) ؟ قال : بل أنت.
  قال فأنشدك بالله أنا الذي دعاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والطير عنده يريد أكله يقول : ( اللهم ايتني بأحب خلقك إلي وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير ) (2) فلم يأته غيري أم أنت ؟ قال : بل أنت.

---------------------------
<=
وعن أنس بن مالك : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نعى جعفرا وزيدا نعاهما قبل أن يجيء خبرهما نعاهما وعيناه تذرفان.
وكان أسن من على بعشرة سنين ، فاستوفى أربعين سنة وزاد عليها.
ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما أتاه نعي جعفر ( عليه السلام ) على امرأته أسماء بنت عميس ( عليه السلام ) فعزاها فيه ، ودخلت فاطمة ( عليه السلام ) وهي تبكي وتقول: واعماه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( على مثل جعفر فالتبك البواكي ) ودخله هم شديد حتى أتاه جبرئيل ، فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة.
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة.
وعن ابن عمر : أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال : السلام عليك يا بن ذي الجناحين.
راجع : الإصابة ج 1 ص 239 ـ 240، صفة الصفوة ج 1 ص 205 ـ 209 أسد الغابة ج 2 ص 286 ـ 289.
(1) ينابيع المودة ص 105: " وفي مسند أحمد بسنده عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي ( رض ) قال: لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين، جمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أهل بيته، فاجتمع ثلاثون نفرا فأكلوا وشربوا ثلاثا ، ثم قال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي يكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي، فقال علي: أنا يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
أيضا الثعلبي ذكر هذا الحديث في تفسير هذه الآية.
(2) عن أنس بن مالك: أهدي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طير فقال: ( اللهم ائتني برجل يحبه الله ويحبه رسوله ) ، قال أنس: فأتى علي فقرع الباب، فقلت: إن رسول
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 174 _

  قال فأنشدك بالله أنا الذي بشرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقتال الناكثين، والقاسطين والمارقين ، على تأويل القرآن (1) أم أنت ؟ قال : بل أنت.

---------------------------
<=
الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشغول ، وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار، ثم إن عليا فعل مثل ذلك ، أتى الثالثة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ادخله فقد عنيته .
وفي مسند أحمد بن حنبل بسنده عن سفينة مولى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: أهدت امرأة من الأنصار طيرين مشويين بين رغيفين فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( اللهم ايتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك ، فجاء علي فأكل معه من الطيرين حتى كفينا .
أسد الغابة ج 4 ص 30 وفي المستدرك ج 3 ص 130 ـ 131 عن أنس بن مالك أيضا قال: كنت أخدم رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقدم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرخ مشوي فقال: ( اللهم ايتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ) قال: فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي رضي الله عنه فقلت: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على حاجة ، ثم جاء فقلت: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على حاجة ثم جاء فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) افتح فدخل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما حبسك يا علي ؟
فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس، يزعم أنك على حاجة ، فقال: ما حملك على ما صنعت ، فقلت يا رسول الله سمعت دعائك فأحببت أن يكون رجلا من قومي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إن الرجل قد يحب قومه. ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(1) في ج 2 من الرياض النضرة ص 320: وعن ابن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أتى منزل أم سلمة فجاء على فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أم سلمة هذا قاتل القاسطين ، والناكثين ، والمارقين ، من بعدي .
وفي ج 6 من كنز العمال ص 155 الحديث 2585:
إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، قيل أبو بكر وعمر ؟
قال: لا ولكنه خاصف النعل ـ يعني عليا.
وفي مستدرك الحاكم ج 3 ص 122:
عن أبي سعيد قال: كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فانقطعت نعله فتخلف على يخصفها
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 175 _

  قال فأنشدك بالله أنا الذي دل عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعلم القضاء وفصل الخطاب بقوله: ( على أقضاكم ) أم أنت (1)؟ قال بل أنت .

---------------------------
<=
فمشى قليلا فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فاستشرف لهما القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، قال أبو بكر: أنا هو ؟ قال : لا قال عمر: أنا هو ؟
قال: لاؤ ، ولكن خاصف النعل ـ يعني عليا ـ فأتيناه فبشرناه ، فلم يرفع به رأسه ، كأنه قد كان سمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وفيه الص 139 ـ 140 عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري ( رض ) قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعلي بن أبي طالب تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات قال أبو أيوب: قلت يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام ؟ قال : مع علي بن أبي طالب .
(1) الإستيعاب ج 2 ص 461 وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ـ وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أصحابه: أقضاهم علي بن أبي طالب ـ وقال عمر بن الخطاب: على أقضانا وأبي أقرؤنا وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي وأيضا مرفوعا عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لهما أبو حسن ، وقال في المجنونة التي أمر برجمها ، وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها فقال له على: أن الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الحديث.
وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون الحديث ، فكان عمر يقول: لولا على لهلك عمر وأيضا ص 462 مرفوعا عن زر بن حبيش قال : جلس رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة فلما وضعا الغذاء بين أيديهما مر بهما رجل فسلم فقالا : أجلس للغداء فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم وقال : خذا هذا عوضا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما فنزعا وقال صاحب الخمسة الأرغفة لي خمسة دراهم ولك ثلاث فقال صاحب الثلاثة الأرغفة لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا
=>