الفهرس العام

احتجاجه ( عليه السلام ) على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها.


احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة.
احتجاج أم سلمة ( رض ) (3) زوجة رسول الله على عائشة في الإنكار عليها بخروجها على علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد دخوله البصرة بأيام على من قال من أصحابه إنه ما قسم الفيئ فينا بالسوية ولا عدل في الرعية وغير ذلك من المسائل التي سئل عنها في خطبة خطبها .



  علي ( عليه السلام ) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه

---------------------------
<=
والدال بعد الألف غير المعجمة ـ وقيل جندب بن السكن وقيل بريد بن جنادة.
عن عبد الله بن الصامت قال : قال لي أبو ذر : ( يا بن أخي صليت قبل الإسلام بأربع سنين ) قلت له من كنت تعبد ؟ قال : (إله السماء) قلت فأين كانت قبلتك قال :
(حيث وجهني الله عز وجل).
وهو رابع من أسلم من الرجال فأول من أسلم علي بن أبي طالب، ثم أخوه جعفر الطيار، ثم زيد بن حارثة ، وكان أبو ذر رحمه الله رابعهم .
وأمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالرجوع إلى أهله وقال له : ( انطلق إلى بلادك حتى يظهر أمرنا) فرجع إليها حتى ظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهاجر إلى المدينة وآخى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية، وهي مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة بثمانية أشهر، ثم شهد مشاهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وفيه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر يعيش وحده ، ويموت وحده ، ويحشره وحده، ويدخل الجنة وحده .
وقال: ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده وورعه .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أولى عليه فلم يخرج شيئا .
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : دخل أبو ذر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعه جبرئيل فقال جبرئيل : من هذا يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال : أبو ذر ، قال أبو ذر أما إنه في السماء أعرف منه في الأرض، سل عن كلمات يقولهن إذا أصبح. قال : فقال يا أبا ذر كلمات تقولهن إذا أصبحت فما هن ؟ قال يا رسول الله ( اللهم إني أسألك الإيمان بك والتصديق بنبيك ، والعافية من جميع البلايا، والشكر على العافية، والغنى عن شرار الناس ) وبعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يرتد أبو ذر ، وامتنع عن البيعة لأبي بكر ، وأنكر عليه قيامه مقام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغصبه للخلافة ، وهو أحد الأركان الأربعة وهم : سلمان والمقداد، وحذيفة، وأبو ذر ، وممن حضر تشييع فاطمة ، ولزم عليا عليه السلام وجاهر بذكر مناقب أهل البيت، ومثالب أعدائهم ، وصبر على المشقة والعناء.
وما كانت تأخذه في الله لومة لائم ، وكان يقول : أوصاني خليلي بست:
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 227 _

  بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح

---------------------------
<=
حب المساكين ، وأن أنظر إلى من هو فوقي ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم .
وقال له فتى من قريش مرة : أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا ؟ فقال : أرقيب أنت على ؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمامة هيهنا ، ثم ظننت إني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل أن تحتزوا لأنفذتها .
وبينا هو واقف مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما إذ قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي) قال أبو ذر: في الله ؟ قال : (في الله) فقال أبو ذر : مرحبا بأمر الله.
ولما قام ثالث القوم نافجا حضنيه ـ كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، كان من الطبيعي أن يشتد نكير أبي ذر على الدولة الأموية ، والسلالة الخبيثة، والشجرة الملعونة.
فأرسل إليه عثمان ( 200 ) دينار بيد موليين له وقال لهما انطلقا إلى أبي ذر وقولا له : إن عثمان يقرئك السلام ويقول لك : هذه ( 200 ) دينار فاستعن بها على ما نابك .
فقال أبو ذر : هل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني ؟ قالا : لا ، فردها عليه .
ودخل يوما على عثمان ، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب : ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ، ويعطي في السبل ويفعل ويفعل ، قال كعب : إني لأرجو له خيرا ، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: ( يا بن اليهودية أنت تعلمنا معالم ديننا ، وما يدريك ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه ) .
ولما اشتد إنكاره على عثمان نفاه إلى الشام ، فواصل النكير على عثمان ومعاوية ، وكان يقول : والله إني لأرى حقا يطمى ، وباطلا يحيى ، وصادقا مكذبا، وإثرة بغير تقى ، وصالحا مستأثرا عليه.
فكتب معاوية بذلك إلى عثمان فكتب إليه أن احمل أبا ذر على باب صعبة ، وقتب ثم ابعث من ينجش به نجشا عنيفا حتى يدخل به على.
ثم نفاه عثمان إلى الربذة وشيعه عند خروجه إلى الربذة أمير المؤمنين، والحسن،
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 228 _

  القوم، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه عليه السلام وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت ـ وكان قاريا للقرآن ـ فقال له عمر : إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ، ثم قال : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم ؟ قال عمر: فما الحيلة ؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر:
  ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه ، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك.
  فلما استخلف عمر سأل عليا ( عليه السلام ) أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم ، فقال : يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ، فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا ما جئتنا به أن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي ، قال عمر:
  فهل لإظهاره وقت معلوم ، فقال ( عليه السلام ) : نعم إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويجمل الناس عليه ، فتجري السنة به صلوات الله عليه (1).
  وقال سليم بن قيس : بينا أنا وحبش بن معمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ

---------------------------
<=
والحسين ( عليهم السلام ) ومات رحمه الله في الربذة سنة ( 32 ) وصلى عليه ابن مسعود .
خلاصة العلامة ص 36 ، رجال ، الكشي ص 27 تهذيب التهذيب ج 12 ص 90 حلية الأولياء ج 1 ص 156 ، صفة الصفوة ج 1 ص 238 وج 1 م رجال المامقاني ، رجال الشيخ الطوسي ص 13 ـ 36 .
(1) ذكر المجلسي في بحار الأنوار ج 8 ص 462 بعد نقل هذه الرواية عن الاحتجاج ما يلي:
أقول روى الصدوق ( ره ) مختصرا من هذا الاحتجاج عن أبيه وابن الوليد معا عن سعد عن ابن يزيد عن حماد بن عيسى عن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 229 _

  بحلقة الباب ثم نادى بأعلا صوته في الموسم: ( أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة ، أنا أبو ذر أيها الناس إني قد سمعت نبيكم يقول: ) إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجى ومن تركها غرق ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل ( أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول : ( إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وأهل بيتي إلى آخر الحديث ) فلما قدم إلى المدينة بعث إليه عثمان وقال له : ( ما حملك على ما قمت به في الموسم ) قال : عهد عهده إلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمرني به فقال من يشهد بذلك ، فقام علي والمقداد فشهدا ، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم فقال عثمان: ( إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شئ ) .
  وروي : أن يوما من الأيام قال عثمان بن عفان لعلي بن أبي طالب عليه السلام:
  ( إن تربصت بي فقد تربصت بمن هو خير مني ومنك ) قال علي عليه السلام: ومن هو خير مني ، قال : أبو بكر وعمر ، فقال علي ( عليه السلام ) : كذبت أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلكم وعبدته بعدكم .
  قال سليم بن قيس : حدثني سلمان والمقداد ، وحدثنيه بعد ذلك أبو ذر ، ثم سمعته من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قالوا : إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال رسول الله لما سمع به لعلي بن أبي طالب : فاخر العرب وأنت أكرمهم ابن عما ، وأكرمهم صهرا ، وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم ولدا ، وأكرمهم أخا ، وأكرمهم عما ، وأعظمهم حلما ، وأكثرهم علما ، وأقدمهم سلما ، وأعظمهم غنا بنفسك ومالك ، وأقرأهم بكتاب الله، وأعلمهم بسنتي ، وأشجعهم لقاء ، وأجودهم كفا ، وأزهدهم في الدنيا، وأشدهم اجتهادا ، وأحسنهم خلقا، وأصدقهم لسانا ، وأحبهم إلى الله وإلي، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش لك ، ثم تجاهدهم في سبيل الله إذا وجدت أعوانا، فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله ، ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك ، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد منه .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 230 _

  قال سليم بن قيس : جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشدا ، فقال له سلمان : ( عليك بكتاب الله فالزمه ، وعلي ابن أبي طالب فإنه مع القرآن لا يفارقه ، فأنا أشهد أنا سمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( إن عليا يدور مع الحق حيث دار ، وإن عليا هو الصديق والفاروق يفرق بين الحق والباطل ) قال : فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق قال : نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإمرة المؤمنين.
  لقد أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمرهما معنا فسلمنا جميعا على علي بأمرة المؤمنين.
  وروى القاسم بن معاوية (1) قال: قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوبا لا إله إلا الله، محمد رسول الله أبو بكر الصديق ، فقال: ( سبحان الله غير وأكل شئ حتى هذا ) قلت : نعم ، قال : ( إن الله عز وجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ، ولما خلق الله عز وجل الماء كتب في مجراه:
  لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ، ولما خلق الله عز وجل الكرسي كتب على قوائمه : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل اللوح كتب فيه : لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل السماوات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل

---------------------------
(1) لم أعثر في كتب الرجال على صاحب هذا الاسم ولعله القاسم بن بريد بن معاوية العجلي عده الشيخ الطوسي في أصحاب الصادق والكاظم ( عليهما السلام ) وفي خلاصة العلامة: القاسم بن بريد ـ بالباء المنقطة تحتها نقطة مضمومة ـ ابن معاوية العجلي ثقة روى عن أبي عبد الله ( عليهم السلام ).

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 231 _

  الجبال كتب في رؤسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله عز وجل الشمس كتب عليها : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولما خلق الله عز وجل القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله، محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين عليه السلام وعن عبد الله بن الصامت (1) قال: رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة مقبلا بوجهه للناس وهو يقول:
  أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي أنا جندب ابن السكن بن عبد الله أنا أبو ذر الغفاري أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : وذكر الحديث بطوله إلى قوله ، ألا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها ، لو قدمتم من قدمه الله وأخرتم من أخره الله، وجعلتم الولاية حيث جعلها الله، لما عال ولي الله، ولما ضاع فرض من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله، إلا كان علم ذلك عند أهل بيت نبيكم ، فذوقوا وبال ما كسبتم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
  وروى عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : إن العلم الذي هبط به آدم من الجنة وما فضلت به النبيون ( عليهم السلام ) في عترة نبيكم ، فأين يتاه بكم ؟
  قال سليم بن قيس : سأل رجل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال ـ وأنا أسمع ـ أخبرني بأفضل منقبة لك ، قال : ما أنزل الله في كتابه؟ قال: وما أنزل لله فيك

---------------------------
(1) عبد الله بن الصامت، ابن أخي أبي ذر عنونه ابن داود في الباب الأول كذلك ، ونسب إلى الشيخ ( ره ) في رجاله عده من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مضيفا إلى ما في العنوان قوله : ممن أقام بالبصرة وكان شيعيا انتهى ، ولكني لم أقف على ذلك في رجال الشيخ ( ره ) ، وعندي نسخ عديدة مصححة ، ليس من ذلك في شئ منها أثر وإنما الموجود فيها : عبادة بن صامت آخر ما نسبه في رجال الشيخ ( ره ) فهو سهو من قلمه الشريف ، رجال المامقاني ج 2 ص 189

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 232 _

  قال ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه (1) ) أنا الشاهد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقوله: ( ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (2) ) إياي عنى بمن عنده علم الكتاب فلم يدع شيئا أنزله الله فيه إلا ذكره، مثل قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وقوله: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (3) ) وغير ذلك ، قال قلت : فاخبرني بأفضل منقبة

---------------------------
(1) هود: 17 الحمويني في فرائد السمطين أخرج بسنده عن ابن عباس وبسنده عن زاده وهما عن علي كرم الله وجهه قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان على بينة من ربه وأنا التالي الشاهد منه ، ـ أيضا ابن المغازلي أخرج بسنده عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليا كرم الله وجهه يقول في خطبته ـ ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد علمت متى أنزلت ، فيمن أنزلت ، وما من قريش رجل إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عز وجل تسوقه إلى جنة أو نار قال رجل: يا أمير المؤمنين فما نزلت فيك ؟ قال : أما تقرأ ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه الآية فرسول الله على بينة من ربه وأنا التالي الشاهد منه ينابيع المودة ص 99
(2) الرعد: 43.
عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال:
سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن هذه الآية: ( الذي عنده علم من الكتاب ) قال:
( ذاك وزير أخي سليمان بن داود ( عليه السلام ) ، وسألته عن قول الله عز وجل: ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب.
ينابيع المودة ص 103
(3) النساء: 59.
في ص 114 من ينابيع المودة قال:
في المناقب في تفسير مجاهد: إن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين خلفه
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 233 _

  لك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال نصبه إياي يوم غدير خم فقال لي بالولاية بأمر الله عز وجل ، وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وسافرت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليس له خادم غيري ، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ، ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل يخط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ، فأخذتني الحمى ليلة فأسهرتني فسهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لسهري ، فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له ، ثم يأتيني يسألني وينظر إلي فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح فلما صلى بأصحابه الغداة قال : ( اللهم اشف عليا وعافه فإنه ، أسهرني الليلة مما به ) ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ـ بمسمع من أصحابه ـ: ( أبشر يا علي ) قلت: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك ، قال : ( إني لم أسأل الله الليلة شيئا إلا أعطانيه ، ولم أسأله لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله ، وإني دعوت الله عز وجل أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ، وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل وسألته أن يجمع عليك أمتي بعدي فأبى علي ) فقال رجلان أحدهما لصاحبه:
  ( أرأيت ما سأل ؟ فوالله لصاع من تمر خير مما سأل: ولو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه ، أو ينزل عليه كنزا ينفقه وأصحابه فإن بهم حاجة كان خيرا مما سأل ، وما دعا عليا قط إلى خير إلا استجاب له .
  فقال: إن الله ذا الجلال والإكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده، وأرسل رسولا منهم ، وأنزل عليه كتابه ، وشرع له دينه

---------------------------
<=
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمدينة فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال موسى : أخلفني في قومي وأصلح .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 234 _

  وفرض فرائضه ، فكانت الجملة قول الله عز وجل ذكره حيث أمر فقال : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا ، فانقلبتم على أعقابكم، وارتددتم ونقضتم الأمر، ونكثتم العهد، ولم تضروا الله شيئا ، وقد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله وإلى رسوله وإلى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم ، فأقررتم ثم جحدتم ، وقد قال الله لكم : ( أوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون (1) ) إن أهل الكتاب والحكمة والأيمان آل إبراهيم عليه السلام بينه الله لهم فحسدوا ، فأنزل الله جل ذكره: ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (2) ) ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (3) ) فنحن آل إبراهيم فقد حسدنا آبائنا ، وأول من حسد آدم الذي خلقه الله عز وجل بيده ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه الأسماء كلها ، واصطفاه على العالمين، فحسده الشيطان فكان من الغاوين، ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين، ونوح حسده قومه فقالوا : ( ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون (4) ( ولله الخيرة يختار من يشاء ويختص برحمته من يشاء ويؤتي الحكمة والعلم من يشاء ثم حسدوا نبينا محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ألا ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، ونحن المحسودون كما حسد آبائنا، قال الله عز وجل: ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي (5) ) وقال: ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (6) ) فنحن أولى الناس بإبراهيم ، ونحن ورثناه ونحن أولوا الأرحام الذين ورثنا الكعبة، ونحن آل إبراهيم، أفترغبون عن ملة

---------------------------
(1) البقرة: 40
(2) النساء: 54
(3) النساء: 55
(4) المؤمنون: 33 ـ 34
(5) آل عمران 68
(6) الأحزاب: 6  

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 235 _

  إبراهيم ؟ وقد قال الله تعالى: ( ومن تبعني فإنه مني (1) ) يا قوم أدعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى كتابه ، وإلى ولي أمره، وإلى وصيه ووارثه من بعده ، فاستجيبوا لنا ، واتبعوا آل إبراهيم ، واقتدوا بنا ، فإن ذلك لنا آل إبراهيم فرضا واجبا والأفئدة من الناس تهوي إلينا ، وذلك دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (2) ) فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل علينا ، ولا تتفرقوا فتضلوا ، والله شهيد عليكم ، قد أنذرتكم، ودعوتكم ، وأرشدتكم ، ثم أنتم وما تختارون .

احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة.

  روي عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: كنت قاعدا عند علي عليه السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما ، وقال: قد اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ، ثم التفت إلي فقال: والله ما يريدان العمرة، وإنما يريدان الغدرة قلت له فلا تأذن لهما فردهما ، ثم قال لهما : والله ما تريدان العمرة وما تريدان إلا نكثا لبيعتكما ، وفرقة لأمتكما ، فحلفا له فأذن لهما ، ثم التفت إلي فقال: والله ما يريدان العمرة قلت : فلم أذنت لهما ؟ قال ، حلفا لي بالله ، قال:
  فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها.
  وروي أنه ( عليه السلام ) قال عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عايشة للتأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:
  أما بعد فإن الله عز وجل بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للناس كافة ، وجعله رحمة للعالمين

---------------------------
(1) إبراهيم: 36
(2) إبراهيم: 37

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 236 _

  فصدع بما أمر به (1) وبلغ رسالات ربه، فلم به الصدع (2) ورتق به الفتق (3) وأمن به السبل (4) وحقن به الدماء (5) وألف بين ذوي الأحن (6) والعداوة والوغر في الصدور، والضغائن الراسخة في القلوب ، ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة ، ولا بلغ شيئا كان في التقصير عنه عند الفقد وكان من بعده ما كان من التنازع في الأمرة ، وتولى أبو بكر ، وبعده عمر ، ثم عثمان ، فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم: ( بايعنا ) فقلت: ( لا أفعل ) فقلتم: ( بلى ) فقلت: ( لا ) وقبضت يدي فبسطتموها ، ونازعتكم فجذبتموها ، وتداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها ، حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة ، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة ، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وأن لا يبغيا للأمة الغوائل ، فعاهداني ، ثم لم يفيا لي ، ونكثا بيعتي ، ونقضا عهدي، فعجبا من انقيادهما لأبي بكر وعمر ، وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين، ولو شئت أن أقول لقلت:
  ( اللهم اغضب عليهما بما صنعا وظفرني بهما ) .
  وقال: ( عليه السلام ) في أثناء كلام آخر.
  وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة، ولا من ذرية الرسول ، حين رأيا أن قد رد علينا حقنا ، بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا ، ولا شهرا كاملا ، حتى وثبا علي ، دأب الماضين قبلهما ، ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني ، ثم دعا عليهما.

---------------------------
(1) صدع بالأمر: أبانه وأظهره
(2) الصدع: الكسر.
(3) الرتق: ضد الفتق وهو: الالتيام.
(4) السبل: الطرق.
(5) حقنت دمه: خلاف هدرته ، كأنك جمعته في صاحبه.
(6) الأحن: الضغائن.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 237 _

  وعن سليم بن قيس الهلالي قال: لما التقى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أهل البصرة يوم الجمل، نادى الزبير يا أبا عبد الله أخرج إلي: فخرج الزبير ومعه طلحة ، فقال لهما والله إنكما لتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر: أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد خاب من افترى.
  قالا كيف نكون ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة ؟!
  فقال ( عليه السلام ) : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم ، فقال له الزبير: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي : أنه سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( عشرة من قريش في الجنة ) ؟ قال علي ( عليه السلام ) : سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته ، فقال الزبير أفترا كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال له علي ( عليه السلام ): ( لست أخبرك بشئ حتى تسميهم ) قال الزبير: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل ، فقال له علي ( عليه السلام ) : ( عددت تسعة فمن العاشر ؟ ) قال له : أنت قال علي عليه السلام: قد أقررت أني من أهل الجنة ، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإنا به من الجاحدين الكافرين، قال له ، أفتراه كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال عليه السلام: ما أراه كذب ، ولكنه والله اليقين ، فقال علي ( عليه السلام ) : والله إن بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم ، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة، سمعت ذلك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإلا أظفرك الله بي وسفك دمي على يديك ، وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دمائكم على يدي وعجل أرواحكم إلى النار ، فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي .
  وروي نصر بن مزاحم (1) أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين وقع القتال وقتل طلحة ، تقدم على بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الشهباء بين الصفين ، فدعا الزبير فدنى إليه حتى

---------------------------
(1) نصر بن مزاحم المنقري العطار ، أبو الفضل كوفي مستقيم الطريقة صالح الأمر ، غير أنه يروي عن الضعفاء ، كتبه حسان كما في خلاصة العلامة

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 238 _

  اختلف أعناق دابتيهما ، فقال : يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول إنك ستقاتل عليا وأنت له ظالم ؟ قال: نعم ، قال: فلم جئت ؟ قال : جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول:
تـرك الأمور التي تخشى عواقبها      لـله أجـمل في الدنيا وفي iiالدين
أتـى  عـلي بـأمر كنت iiأعرفه      قـد  كان عمر أبيك الخير iiمذحين
فـقلت  حسبك من عذل أبا iiحسن      بعض  الذي قلت هذا اليوم يكفيني
فـاخترت  عارا على نار iiمؤججة      أنـى يـقوم لـها خلق من iiالطين
نـبئت  طلحة وسط النقع iiمنجدلا      مأوى الضيوف ومأوى كل مسكين
قـد كنت أنصر أحيانا iiوينصرني      فـي النائبات ويرمي من iiيراميني
حـتى  ابتلينا بأمر ضاق iiمصدره      فـأصبح  الـيوم ما يعنيه iiيعنيني

  قال: وأقبل الزبير على عائشة، فقال : يا أمه ما لي في هذا بصيرة ، وإني منصرف ، فقالت عائشة: يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب ؟ فقال ، إنها والله طوال حداد ، تحملها فتية أنجاد (1)، ثم خرج راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم ، أخبر الأحنف بانصرافه فقال : ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله ، فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه ـ وقد كان لحق بالزبير رجل من كليب ومعه غلامه ـ فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير ، فحرك الرجلان رواحلهما ، وخلفا الزبير وحده ، فقال لهما الزبير: ما لكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة ، فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير: إليك عني فقال ابن جرموز: يا أبا عبد الله إني جئتك لأسألك عن أمور الناس ، قال :
  تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف ، قال ابن جرموز: أخبرني عن أشياء أسألك عنها ، قال : هات قال : أخبرني عن خذلك عثمان ، وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته ، وعن إخراجك عائشة ، وعن صلاتك خلف ابنك ، وعن هذا

---------------------------
(1) أنجاد: أشداء شجعان .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 239 _

  الحرب التي جنيتها، وعن لحوقك بأهلك ، فقال : أما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطية، وأخر فيه التوبة، وأما بيعتي عليا، فلم أجد منها بدا ، إذ بايعه المهاجرون والأنصار ، وأما نقضي بيعته ، فإنما بايعته بيدي دون قلبي ، وأما إخراجي أم المؤمنين، فأردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره ، وأما صلاتي خلف ابني فإن خالته قدمته فتنحى ابن جرموز عنه ، وقال : قتلني الله إن لم أقتلك .
  وروي أنه جيئ إلى أمير المؤمنين برأس الزبير وسيفه ، فتناول سيفه وقال:
  طالما والله جلى به الكرب عن وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكن الحين، ومصارع السوء وروي أنه ( عليه السلام ) لما مر على طلحة من بين القتلى قال اقعدوه فأقعد فقال: إنه كانت لك سابقة من رسول الله، لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار.
  وروي أنه مر عليه فقال: هذا ناكث بيعتي ، والمنشئ للفتنة في الأمة والمجلب علي الداعي إلى قتلي وقتل عترتي ، أجلسوا طلحة: فأجلس ، فقال أمير المؤمنين: يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال: أضجعوا طلحة! وسار فقال له بعض من كان معه :
  يا أمير المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله ؟ فقال أما والله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم بدر ، وهكذا فعل عليه السلام بكعب بن شور القاضي، لما مر به قتيلا ، وقال: هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف ، يزعم أنه ناصر أمه (1) يدعو الناس إلى ما فيه ، وهو لا يعلم ما فيه ، ثم استفتح وخاب كل جبار عنيد أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله.
  وروي أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به .
  وروي أيضا أن مروان بن الحكم يوم الجمل كان يرمي بسهامه في العسكرين معا ، ويقول: من أصبت منهما فهو فتح ، لقلة دينه ، وتهمته للجميع ، وقيل: إن اسم الجمل الذي ركبته يوم الجمل عائشة ( عسكر ) من ولد إبليس اللعين ورؤي منه ذلك اليوم كل عجيب ، لأنه كلما أبتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى

---------------------------
(1) أي ناصر عائشة.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 240 _

  حتى نادى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : اقتلوا الجمل فإنه شيطان ، وتولى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر رحمة الله عليهما عقره بعد طول دمائه.
  وروى الواقدي (1) إن عمار بن ياسر رحمة الله عليه ، لما دخل على عائشة فقال كيف رأيت ضرب نبيك على الحق ؟ فقالت : استبصرت من أجل أنك غلبت فقال عمار: أنا أشد استبصارا من ذلك ، والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعيفات هجر لعلمنا أنا على الحق ، وأنكم على الباطل ، فقالت عائشة: هكذا يخيل إليك يا عمار ، أذهبت دينك لابن أبي طالب.
  وروي عن الباقر ( عليه السلام ) أنه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول: ( يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي ) لما قام فشهد ؟
  فقال: فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا : أنهم سمعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي ) قال : فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي ( عليه السلام ) : لقد أنبأني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنبأ فقال : إن الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين .

---------------------------
(1) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني كان إماما عالما له التصانيف ، والمغازي وفتوح الأمصار ، وله كتاب الردة وغير ذلك ، تولى القضاء بشرقي بغداد وولاه المأمون القضاء بعسكر المهدي ، وهي المحلة المعروفة بالرصافة بالجانب الشرقي من بغداد عمرها المنصور لولده المهدي فنسب إليه، ـ قال ابن النديم: إن الواقدي كان يتشيع ، حسن المذهب، يلزم التقية وهو الذي روى: أن عليا ( عليهم السلام ) كان من معجزات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كالعصا لموسى ( عليهم السلام ) وإحياء الموتى لعيسى بن مريم ، ـ ولد سنة ( 130 ) وتوفي سنة ( 207 ) وصلى عليه محمد بن سماعة ، ودفن بمقابر خيزران عن الكنى والألقاب للقمي ج 3 ص 230 ـ 233

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 241 _

  وروي عن ابن عباس (1) قال لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين أبت عائشة الرجوع دعها في البصرة ولا ترحلها فقال علي ( عليه السلام ) : أنها لا تألوا شرا ، ولكني أردها إلى بيتها.
  وروى محمد بن إسحاق (2) أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين، وكتبت إلى معاوية وأهل الشام، مع الأسود بن البختري، تحرضهم عليه ( عليه السلام ) .
  وروي أن عمرو بن العاص قال لعائشة : لوددت أنك قتلت يوم الجمل فقالت ولم لا أبا لك ؟ قال : كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة، ونجعلك أكثر للتشنيع على علي ( عليه السلام ) .

احتجاج أم سلمة ( رض ) (3) زوجة رسول الله على عائشة في الإنكار عليها بخروجها على علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ).


---------------------------
(1) عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان محبا لعلي ( عليهم السلام ) وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين ( عليهم السلام ) أشهر من أن يخفى ، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه ، وهو أجل من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عليها رضي الله تعالى عنه ، خلاصة العلامة ص 102
(2) محمد بن إسحاق أخو يزيد شعر ـ بالشين المعجمة والعين المهملة والراء ـ روى الكشي عن حمدويه عن الحسن بن موسى قال: حدثني يزيد بن إسحاق شعر:
أن محمدا أخاه كان يقول بحياة الكاظم ( عليهم السلام ) فدعا له الرضا ( عليه السلام ) حتى قال بالحق خلاصة العلامة ص 151
(3) أم المؤمنين أم سلمة : بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله عمر بن مخزوم القرشية المخزومية ، وأمها عاتكة بنت عبد المطلب زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واسمها هند ، وكان أبوها يعرف بزاد الركب، من المهاجرات إلى الحبشة ، وإلى المدينة .
وكانت مستودعة لبعض الوصايا وميراث النبوة وكان عندها البساط الذي سار به
=>

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 242 _

  روى الشعبي (1) عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي (2) قال كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير وطلحة والزبير فأرسلا عبد الله بن الزبير فقالا له : إن عثمان

---------------------------
<=
أمير المؤمنين إلى أصحاب الكهف ، ولما سار أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) إلى الكوفة أستودعها كتبه والوصية ، فلما رجع الحسن ( عليهم السلام ) دفعتها إليه ، ولما توجه الحسين ( عليهم السلام ) إلى العراق أستودعها كتبه والوصية وأوصاها أن تدفعها إلى علي بن الحسين ففعلت .
وفي الدر النظيم للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي قال بعد خطبة لفاطمة ( عليهم السلام ) وكلام أبي بكر فقالت أم سلمة رضي الله عنها، حيث سمعت ما جرى لفاطمة ( عليهم السلام ) المثل فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقال هذا القول ؟!
هي والله الحوراء بين الإنس ، والنفس للنفس ، ربيت في حجور الأتقياء ، وتناولتها أيدي الملائكة ، ونمت في حجور الطاهرات ، ونشأت خير نشأ ، وربيت خير مربى ، أتزعمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حرم عليها ميراثه ولم يعلمها ، وقد قال الله تعالى ( وانذر عشيرتك الأقربين ) أفأنذرها وخالفت متطلبه وهي خيرة النسوان، وأم سادة الشبان ، وعديلة ابنة عمران ، تمت بأبيها رسالات ربه ، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر ، ويوسدها يمينه ، ويلحفها بشماله ، رويدا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمرأى منكم! وعلى الله تردون واها لكم فسوف تعلمون! قال: فحرمت أم سلمة عطاها تلك السنة .
نعم وفي بيتها نزلت آية التطهير .
وهي آخر من مات من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ماتت في زمن يزيد سنة ( 63 ) راجع أسد الغابة ج 5 ص 588 سفينة البحار ج 1 ص 642 ـ 643.
(1) الشعبي ـ بفتح الأول وسكون الثاني ـ أبو عمر عامر بن شراحيل الكوفي، ينسب إلى شعب بطن من همدان ، يعد من كبار التابعين وجلتهم ، وكان فقيها شاعرا.
روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كذا عن السمعاني ، مات فجأة بالكوفة سنة 104 ويظهر من ابن خلكان أن الشعبي كان قاضيا على الكوفة.
الكنى والألقاب ج 2 ص 327 ـ 328
(2) صحابي مجهول .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 243 _

  قتل مظلوما، وإنا نخاف أمر أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يختل ، فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله أن يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا.
فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت: سبحان الله ما أمرت بالخروج ، وما تحضرني من أمهات المؤمنين إلا أم سلمة فإن خرجت ، خرجت معها .
  فرجع إليهما فبلغهما ذلك فقالا: ارجع إليها فلتأتها فهي أثقل عليها منا ، فرجع إليها فبلغها ، فأقبلت حتى دخلت على أم سلمة فقالت : أم سلمة مرحبا بعائشة ، والله ما كنت لي بزوارة فما بدا لك ؟ قالت : قدم طلحة والزبير فخبرا أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما ، فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت يا عائشة بالأمس أنت تشهدين عليه بالكفر ، وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما! فما تريدين ؟ قالت : تخرجين معنا فعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت : يا عائشة تخرجين وقد سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما سمعنا ؟!
  نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك إن صدقت أتذكرين يوما كان نوبتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول:
  والله لا يذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له: ( الحوأب ) امرأة من نسائي في فئة باغية ، فسقط الإناء من يدي ، فرفع رأسه إلي وقال: ما بالك يا أم سلمة ؟ فقلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول ما يؤمنني أن أكون هي أنا ؟! فضحكت أنت فالتفت إليك فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مما تضحكين يا حميراء الساقين ؟ إني أحسبك هيه .
  ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من مكان كذا وكذا وهو بيني وبين علي بن أبي طالب عليه السلام يحدثنا ، فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك قال: أما والله ما يومه منك بواحدة ، أما إنه لا يبغضه إلا منافق كذاب ؟ وأنشدك بالله أتذكرين مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر ، وقد كان علي

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 244 _

  ابن أبي طالب عليه السلام يتعاهد ثوب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونعله وخفه ويصلح ما وهي منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله وهي حضرمية فهو يخصفها خلف البيت ، فاستأذنا عليه فأذن لهما ، فقالا : يا رسول الله كيف أصبحت ؟ قال أصبحت أحمد الله، قالا : لا بد من الموت، قال : أجل لا بد من الموت ، قالا: يا رسول الله فهل استخلفت أحدا قال : ما خليفتي فيكم إلا خاصف النعل فخرجا فمرا على علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه ، ثم قالت أم سلمة يا عائشة أنا أخرج على علي بعد الذي سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟! فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت يا بن الزبير أبلغهما أني لست بخارجة من بعد الذي سمعت من أم سلمة ، فرجع فبلغهما قال: فما انتصف الليل حتى سمعت رغاء إبلهما ترتحل فارتحلت معهما .
  وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال دخلت أم سلمة بنت أبي أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قالت : يا هذه إنك سدة بين رسول الله وبين أمته، وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه (1) وضم ظفرك فلا تنشريه ، وشد عقيرتك فلا تصحريها (2) إن الله من وراء هذه الأمة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بل نهى عن الفرطة في البلاد (3) إن عمود الدين لن يثاب بالنساء إن مال (4) ولا يرأب بهن إن انصدع (5)، جمال النساء غض الأطراف، وضم الذيول والأعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل ، ومنزل إلى منزل ، ولغير الله مهواك ، وعلى رسول الله

---------------------------
(1) أي لا توسعيه وتنشريه .
(2) العقيرة: الصوت ، وصحر الحمار: نهق .
(3) الفرطة: بالضم الخروج والتقدم يقال: ( فلان ذو فرطة في البلاد ) أي أسفار كثيرة .
(4) ثاب: رجع بعد ذهابه.
(5) رأب الصدع: أصلحه.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 245 _

  تردين، وقد هتكت عنك سجافه ، ونكثت عهده ، وبالله أحلف أن لو سرت مسيرك ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي فاتقي الله، واجعليه حصنا ، وقاعة الستر منزلا ، حتى تلقيه ، إن أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه ، وأنصح ما تكونين لله ما لزمته ، وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه ، وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة (1) ، فقالت لها عائشة ما أعرفني بموعظتك ، وأقبلني نصحك ، ليس مسيري على ما تظنين ، ما أنا بالمغترة ، ولنعم المطلع تطلعت فيه ، فرقت بين فئتين متشاجرتين ، فإن أقعد ففي غير حرج ، وإن أخرج ففي ما لا غنى بي عنه من الازدياد في الأجرة، قال الصادق عليه السلام فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول:
لـو  كـان مـعتصما من زلة أحد      كـانت  لعائشة الرتبى على iiالناس
مـن زوجـة لـرسول الله iiفاضلة      وذكـر آي مـن الـقرآن iiمدراس
وحـكمة  لـم تـكن إلا لها iiجسها      في الصدر يذهب عنها كل وسواس
يـستنزع الله مـن قـوم عـقولهم      حتى  يمر الذي يقضي على الرأس
ويـرحـم  الله أم الـمؤمنين iiلـقد      تـبـدلت لـي إيـحاشا iiبـإيناس

  فقالت لها عائشة: شتمتني يا أخت ، فقالت أم سلمة: ولكن الفتنة إذا أقبلت غضت عيني البصير ، وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل .

---------------------------
(1) الرقشاء: من الحياة المنقطة بسواد وبياض ، وفي المثل ( نهشني نهش الرقشاء المطرق ) .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 246 _

احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد دخوله البصرة بأيام على من قال من أصحابه إنه ما قسم الفيئ فينا بالسوية ولا عدل في الرعية وغير ذلك من المسائل التي سئل عنها في خطبة خطبها
.
  روى يحيى بن (1) عبد الله بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب بالبصرة بعد دخوله بأيام فقام إليه رجل فقال :
  يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة، ومن أهل الفرقة، ومن أهل البدعة ومن أهل السنة ؟
  فقال : ويحك أما إذا سألتني فافهم عني ولا عليك أن تسئل عنها أحدا بعدي أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا ، وذلك الحق عن أمر الله تعالى وعن أمر رسوله، وأهل الفرقة المخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا ، وأما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا ، وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله ، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا ، وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج ، وعلى الله قبضها واستيصالها عن جدد الأرض.
  فقام إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيئ ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وولده فيئ لنا .
  فقام إليه رجل من بكر بن وائل ، يدعى عباد بن قيس ، وكان ذا عارضة ولسان شديد. فقال: يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية ، ولا عدلت بالرعية.
  فقال : ولم ويحك ؟!
  قال لأنك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية.
  فقال : أيها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن .
  فقال عباد : جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف ، قيل : ومن غلام ثقيف ؟

---------------------------
(1) راجع هامش ص 154.

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 247 _

  فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها فقيل أفيموت أو يقتل ؟ فقال: يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه ، يا أخا بكر أنت امرء ضعيف الرأي، أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة ، وولدوا على فطرة ، وإنما لكم ما حوى عسكركم، وما كان في دورهم فهو ميراث ، فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه ، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره ، يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أهل مكة ، فقسم ما حوى العسكر، ولم يتعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل ، يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها ، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بالحق ، فمهلا مهلا رحمكم الله فإن لم تصدقوني وأكثرتم علي ـ وذلك إنه تكلم في هذا غير واحد ـ فأيكم يأخذ عائشة بسهمه ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا ، وعلمت وجهلنا ، فنحن نستغفر الله تعالى ، ونادى الناس من كل جانب : أصبت يا أمير المؤمنين ، أصاب الله بك الرشاد ، والسداد ، فقام عباد فقال :
  أيها الناس إنكم والله لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيس شعرة ، وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون وقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به وإكراما منه لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه .
  ثم قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس، فإني حاملكم إنشاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة، وإن كان فيه مشقة شديدة ، ومرارة عديدة ، والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل ، ثم إني أخبركم أن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليل منهم ، فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 248 _

  وأما عائشة فأدركها رأي النساء، ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله يعفو عمن يشاء ، ويعذب من يشاء .
  عن الأصبغ بن نباتة (1) قال : كنت واقفا مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوم الجمل فجاء رجل حتى وقف بين يديه فقال يا أمير المؤمنين كبر القوم وكبرنا ، وهلل القوم وهللنا ، وصلى القوم وصلينا ، فعلى ما تقاتلهم ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام على ما أنزل الله جل ذكره في كتابه ، فقال : يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلمنيه ، فقال علي ( عليه السلام ) : ما أنزل الله في سورة البقرة ، فقال يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه ، فقال علي ( عليه السلام )

---------------------------
(1) الأصبغ بن نباتة ـ بضم النون ـ المجاشعي الحنظلي كان من خاصة أمير المؤمنين ومن ذخائره وقد بايعه على الموت.
وكان من ثقاته ( عليهم السلام ) روى أنه دعا يوما كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال، أدخل عشرة من ثقاتي! فقال : سمهم يا أمير المؤمنين فسماه في أولهم وكان رحمه الله من فرسان أهل العراق، وكان يوم صفين على شرطة الخميس، وقال لأمير المؤمنين ( عليهم السلام ): قدمني في البقية من الناس فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا ، قال عليه السلام: ( تقدم باسم الله والبركة ) وأخذ رايته وسيفه ، فمضى بالراية مرتجزا فرجع وقد خضب سيفه ورمحه دما ، وكان إذا لقى القوم لا يغمد سيفه وكان شيخا ناسكا عابدا ، قال: كنت أركع عند باب أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) وأنا أدعو الله عز وجل إذ خرج أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) فقال : ( يا أصبغ! ) قلت: ( لبيك ) قال : ( أي شئ كنت تصنع ؟ ) قلت : ( ركعت وأنا أدعو الله ) قال : ( أفلا أعلمك دعاءا سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قلت بلى ، قال : قل : ( الحمد لله على ما كان والحمد لله على كل حال ) ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الأيسر وقال: ( يا أصبغ لئن ثبتت قدمك ، وتمت ولايتك ، وانبسطت يدك ، فالله أرحم بك من نفسك روى عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عهده للأشتر ووصيته لمحمد بن الحنفية ، وعمر بعد أمير المؤمنين عليه السلام ومات مشكورا .
رجال الطوسي ص 34 ، رجال العلامة ص 24 ، سفينة البحار ج 2 ص 7 ، 8 ، 10

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 249 _

  هذه الآية: ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جائتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (1) ) فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا ، فقال الرجل: كفر القوم ورب الكعبة ، ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.
  عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام بعد الجمل ، فقال : يا أمير المؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا هالني من روح قد بانت وجثة قد زالت ، ونفس قد فأتت ، لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى ، فالله الله مما يجللني من هذا إن يك شرا فهذا نتلقى بالتوبة ، وإن يك خيرا ازددنا منه أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه ، أفتنة عرضت لك فأنت تنفع الناس بسيفك (2) أم شئ خصك به رسول الله ؟.
  فقال ( عليه السلام ) : إذن أخبرك ، إذن أنبئك ، إذن أحدثك ، إن ناسا من المشركين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأسلموا ، ثم قالوا لأبي بكر: استأذن لنا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى نأتي قومنا فنأخذ أموالنا ثم نرجع ، فدخل أبو بكر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاستأذن لهم ، فقال ، عمر : يا رسول الله أنرجع من الإسلام إلى الكفر ؟ فقال : وما علمك يا عمران ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم ، ثم إنهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبي فاستأذن لهم ، وعنده عمر فقال : مثل قوله فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال : والله ما أراكم تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرود، فقال له أبو بكر فداك أبي وأمي يا رسول الله أنا هو ؟ قال : لا ، قال عمر : فمن هو يا رسول الله ؟ فأومى إلي وأنا أخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال : ( هو خاصف النعل عندكما ، ابن

---------------------------
(1) البقرة: 253 .
(2) أي تأخذهم بطرف سيفك من بعيد .

الإحتجاج (الجزء الأول) _ 250 _

  عمي ، وأخي ، وصاحبي ، ومبرئ ذمتي ، والمؤدي عني ديني ، وعداتي ، والمبلغ عني رسالاتي ، ومعلم الناس من بعدي ، ومبينهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون ( فقال الرجل: اكتفي منك بهذا يا أمير المؤمنين ما بقيت ، فكان ذلك الرجل أشد أصحاب علي ( عليه السلام ) فيما بعد على من خالفه .
  عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما فرغ علي ( عليه السلام ) من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب (1) ثم صعد عليه فخطب ، فحمد الله وأثنى عليه فقال :
  يا أهل البصرة، يا أهل المؤتفكة (2) يا أهل الداء العضال (3)، أتباع البهيمة (4)، يا جند المرأة (5) رغا فأجبتم (6) وعقر فهربتم ، ماءكم زعاق (7) ودينكم نفاق ، وأخلاقكم دقاق ، ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال : يا حسن أسبغ الوضوء ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، يصلون الخمس ، ويسبغون الوضوء ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا ، فقال : والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وأنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد : ( يا حسن إلى أين أرجع فإن القاتل والمقتول في النار ) فرجعت ذعرا

---------------------------
(1) القتب ـ بالتحريك ـ رحل البعير .
(2) المؤتفكة: المنقلبة قال تعالى ـ في قرى قوم لوط التي انقلبت بأهلها ـ:
والمؤتفكة أهوى، وفي الحديث البصرة إحدى المؤتفكات.
(3) الداء العضال ـ بعين مضمومة ـ: المرض الصعب الشديد الذي يعجز عنه الطبيب.
(4) يريد: الجمل الذي ركبته عائشة.
(5) يريد: عائشة.
(6) رغا فأجبتم أي الجمل رغا والرغاء ـ كغراب ـ: صوت ذوات الخف وقد رغا البعير يرغو رغاءا إذا ضج ورغت الناقة صوتت فهي راغية .
(7) الزعاق ـ كغراب ـ : الماء المر الغليظ الذي لا يطاق شربه .