كانت علويّة وصارت عثمانيّة حتّى يصل إلى صفحة 340 ، وفيها يذكر حوادث سنة ( 353 و 356 هـ ) وأن ( جوهراً ) أعلن حيّ على خير العمل وفضل الإمام عليّاً وأولاده على غيره وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ، ممّا سيأتي في ما ننقله عن حوادث مصر في تلك السنة .
هذا نموذج بسيط عن مسار الاتجاهين الفكري ، وقد أكدنا اكثر من مرّة على أنّ لكلّ واحد من النهجين قادة وجماهير .
ولما حكم نهج الاجتهاد والرأي ـ في الحكومات الأموية والعباسية أو السلجوقية والأيوبية ـ حكّم آراء الخلفاء وفقههم في الشريعة .
أما النهج الشيعي فقد دعا إلى الأخذ بسنة رسول الله عن عليّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا النهج الحاكم في زمن الشيخين وعثمان وطيلة الحكم الاموي والعباسي .
ولا ننسى أن شعارية ( حيّ على خير العمل ) وغيرها قد تجسدت في العصر العباسي الأول والثاني ، أي بنشوء الدول الشيعية كالدولة الإدريسية في المغرب والحمدانية في حلب ، والبويهية في بغداد ، والزيدية في طبرستان ، والفاطمية في مصر و ...
وقد اتّخذ كلّ اتجاه أُصولا في عمله ، فأحدهم يمنع من تدوين الحديث والآخر يصرّ عليه وإن وضعت الصمصامة على عنقه .
والأوّل يذهب إلى عدم تنصيص النبيّ على أحد بل تَركَ الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر يعتقد بلزوم الوصاية والخلافة وقد عيّن النبيُّ بالفعل علياً اماماً وخليفة من بعده .
والسنيّ يقول باجتهاد النبيّ ، والشيعي لا يرتضي ذلك .. وهلمّ جرّاً .
اذاً يمكن تلمس النهج السني في تصرف الدولتين الاموية والعباسية ، ثمّ
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 364 ـ
بعدهم السلجوقيّة والنوريّة والصلاحيّة والعثمانيّة ، وهذه الدول كانت تسعى لتطبيق ما شُرّع على عهد الخلفاء وما دوّن لهم في عهد عمر بن عبدالعزيز ـ لقول الزهري : ( كنّا نكره تدوين الحديث حتّى أكرهنا السلطان على ذلك ، فكتبناه وخفنا أن لا نكتبها للناس ) ـ وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هي الدين الحق ، غافلين عن دور الحكّام في تأصيل أصول تلك الأحكام الشرعية ، كتدوين الحديث ، وحصر المذاهب بالأربعة وسوى ذلك .
وفي المقابل نرى النهج العلوي بأمرائه وجماهيره وعلمائه وفقهائه يسعون ـ عند وصولهم إلى الحكم ـ لتطبيق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام عليّ ، فيصرّون على الإتيان بالحيعلة الثالثة مثلاً ويأبَون بِدعيتها ، وهكذا الأمر غيرها من المسائل المختلف فيها .
وهذا التخالف بين الجناحين يومئ إلى أنّ الخلاف بين الحكومات العلويّة الشيعيّة والحكومات السنيّة على مرّ التاريخ كان يدور في محاور عقائديّة فكرية استراتيجيّة ، مضافاً لما بينهما من خلاف حول الخلافة ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين يستدل على صحّة عمله بأقوال وأفعال من يعتقد به من الصحابة أو أهل البيت .
وعليه فلا يجوز أن نتغافل عن جذور الحيعلة الثالثة وأشباهها في كتب الفقه والحديث والتاريخ ، بل بذكرنا خلافيات الفريقين يمكن الوقوف على جواب سؤالنا السابق ، وأن هذه الأمور هي تشريعات ذات أبعاد سياسية عقائدية .
ولا يمكننا أن ننكر أنّ الشيعة قد كانوا يَمَسّون الصحابة في بعض الأحيان ، لما وقفوا عليه في التاريخ من غصب حقّ الإمام عليّ ، ومنع الزهراء من فدك والهجوم على بيتها ، ولعن الإمام عليَّ على المنابر في زمن معاوية ومَن بعده ،
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 365 ـ
وضياع أحكام كثيرة من دين الله و ...
وهذا يوضح أنّ لكلّ واحد من النهجين أصوله وشعائره ومقدساته .
ويجب أن يتّضح لنا أنّ هذا الموقف من الاعتقاد الشيعي أو ذاك الموقف من الاعتقاد السنّي إنّما يبتني على ما يحمله كلّ طرف من المتبنّيات الفكرية الأيدلوجية والأصول التي اعتمد عليها ، والتي تدلّ على شرعيّته عنده وأنّه لم يكن وليد ساعته !
إنّ كلامنا هذا يرمي إلى بيان البُنَى التحتية للفريقين ، دون الخوض في أصل شرعية حكم الفاطميين أو عدم شرعية حكم العباسيين أو العكس وإلى البحث عن مدى صحّة ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ، أو أن حكم البسملة هو الجهر أم الإخفات ، وهل يجوز المسح على الخفين أم لا ؟ إذ أن شرعية هذه الأحكام وعدمها سبقت هذه المرحلة ، وإن ديمومية هذا الخلاف من قبل الفريقين ينبئ عن وجود أصل مختلف فيه بينهما ، لا كما يصورونه من عدم وجود أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو عن حكومات غير المتعبّدين .
الأندلس ( ما بعد سنة 300 هـ )
ذكر ابن حزم الاندلسي في ( نَقْط العروس في تواريخ الخلفاء ) تحت عنوان : مَن خَطَب لبني العبّاس أو لبني عليّ بالأندلس ، فقال :
عمر بن حفصون خطب في أعماله بريَّةَ
(1) لإبراهيم بن قاسم بن إدريس بن عبدالله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب صاحب البصرة ، ثمّ خطب
 |
(1) بناحية اكشونيت .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 366 ـ
لعبيد الله صاحب افريقية ، وأذّن في جميع أعماله ( بحيّ على خير العمل )
(1) .
حلب / مصر ( سنة 347 هـ )
قال المقريزي في ( المواعظ والاعتبار ) : ( ... وأوّل مَن قال في الأذان بالليل : ( محمّد وعليّ خير البشر )
(2) الحسين المعروف بأمير ابن شكنبة ، ويقال اشكنبة ، وهو اسم اعجميّ معناه : الكرش ، وهو : عليّ بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمّد بن أسعد الجوباني النسّابة .
ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه ( حيَّ على خير العمل ، ومحمّد وعليّ خير البشر ) إلى أيّام نور الدين محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ بن الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذّنوا الأذان المشروع
(3) ، ومن امتنع كُبّوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك .
وأمّا مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم [ يعني الشيعة الفاطميين ]
 |
(1) رسائل ابن حزم الاندلسي 2 : 84 الرسالة الثانية ( نَقط العروس في تواريخ الخلفاء ) تحقيق احسان عباس بيروت 1987 .
(2) هذا اشتباه من الكاتب ، ذلك ان الزيدية كانت تقول بهذا قبل هذا التاريخ حسبما وضحناه .
(3) يعني به الذي ليس فيه ( حيّ على خير العمل ، المفسر بمحمد وعلي خير البشر ) !
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 367 ـ
إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوّب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستيّن وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فأبطل الأذان بـ ( حيّ على خير العمل ) وصار يؤذّن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكّة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ، فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفيّة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم
(1) ...
ومما يجب الإشارة إليه أنّ دولة سيف الدولة الحمدانيّ المتوفّى سنة 356هـ اتّسعت وشملت حلب وانطاكيه وقنّسرين ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرين ، وسرمين ، وكفر طاب ، وافامية ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولى بعده أخوه ناصر الدولة وكانت دولة شيعية اثني عشرية تعلن عن معتقداتها وآرائها بدون عسفٍ وقَسْرٍ .
روى ابن ظافر في أحداث سنة أربع وخمسين وثلاثمائة أن سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة ، فزّوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتَي ناصر الدولة ، وزوج أبا تغلب بابنته ( ستّ الناس ) وضرب دنانير كبيرة ، في كلّ دينار منها ثلاثون ديناراً وعشرون وعشرة عليها مكتوب : ( لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فاطمة الزهراء
، الحسن ، الحسين ، جبريل عليهم السلام ) .
وعلى الجانب الآخر ( أمير المؤمنين المطيع لله ، الأميران الفاضلان : ناصر الدولة ، سيف الدولة ، الأميران أبو تغلب وأبو المكارم )
(2) .
 |
(1) خطط المقريزي 2 : 271 ـ 272 .
(2) أعيان الشيعة 8 : 269 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 368 ـ
وواضح ممّا تقدم أنّ الشيعة كانوا يعلنون عن معتقداتهم بكل رصانة وهدوء وبالدليل والمنطق حين تستقر بهم الأمور ، بخلاف مَن أمروا بإلقاء مَن يؤذّن بالحيعلة الثالثة وبفضل محمّد وآل محمّد من على رأس المنارة !!
وجاء في الكامل لابن الأثير وتاريخ الإسلام للذهبي في حوادث سنة 351 هـ : وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد : لَعَنَ الله معاوية ، ولَعَنَ من غَصَبَ فاطمةَ حقَّها من فَدَك ، ومَن منع الحَسَن أن يُدفن مع جدّه ، ومن نفى أبا ذَرٍّ .
ثمّ إنَّ ذلك مُحي في الليل ، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته ، فأشار عليه الوزير المهلّبي أن يُكتَب مكان ما مُحي : ( لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وصرّحوا بلعنة معاوية فقط
(1) .
وفي ثامن عشر ذي الحجّة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ( 352 هـ ) عُمل عيد غدير خُمّ وضُربت الدبادب ، وأصبح الناس إلى مقابر قريش للصلاة هناك ، وإلى مشهد الشيعة
(2) .
القاهرة ( سنة 356 هـ )
جاء في كتاب ( المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار ) للمقريزي : ( ... وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة أُخذ رجل يعرف بابن أبي الليث يُنسَب إلى التشيع فضُرب مائتي سوط ودَرّة .
ثمّ ضرب في شوّال خمسمائة سوط ودَرّة ، وجُعل في عنقه غِلّ وحُبِس ، وكان يُتفقَّد في كلّ يوم لئلا يُخفّف عنه ، ويُبصَق في وجهه ، فمات في محبسه ،
 |
(1) تاريخ الإسلام : 8 حوادث 351 ـ 380هـ ، الكامل في التاريخ 7 : 4 ، المنتظم 14 : 140 .
(2) تاريخ الإسلام : 12 حوادث 351 ـ 380هـ .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 369 ـ
فحُمل ليلاً ودفن .
فمضت جماعة إلى قبره ينبشوه وبلغوا إلى القبر ، فمنعهم جماعة من الاخشيديّة والكافوريّة فأبَوا وقالوا : هذا قبرُ رافضي ، فثارت فئة ، وضرب جماعة ونهبوا كثيراً حتّى تفرّق الناس .
وفي سنة ستّ وخمسين كتب في صفر على المساجد ذكر الصحابة والتفضيل ، فأمر الأستاذ كافور الإخشيدي بإزالته ، فحدّثه جماعة في إعادة ذكر الصحابة على المساجد فقال : ما أُحدِث ُفي أيّامي ما لم يكن ، وما كان في أيّام غيري فلا أزيله ، ثمّ أمر من طاف وأزاله من المساجد كلها .
ولما دخل جوهر القائد بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة ، وأذّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها ( حيّ على خير العمل ) وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ...
وفي ربيع الأوّل سنة اثنين وستّين عَزّر سليمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصيارفة ، فشغبوا وصاحوا : معاوية خال عليّ بن أبي طالب ، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة لكن خشي على الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة في الصلاة ، وكانوا لا يفعلون ذلك ، وزِيدَ في صلاة الجمعة القنوت في الركعة الثانية ، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الارحام ، وأن لايرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ ، ولا ابن أخ ولا ابن عم ، ولا يرث مع الولد الذكر أو الأنثى إلاّ الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأمِّ إلاّ من يرث مع الولد أو الأنثى إلاّ الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأم إلاّ من يرث مع الولد .
وخاطب أبو الطاهر محمّد بن أحمد ـ قاضي مصر ـ القائدَ جوهراً في بنت
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 370 ـ
وأخ ، وأنه حكم قديماً للبنت بالنصف وللأخ بالباقي ، فقال : لا أفعل ، فلمّا ألحّ عليه قال : يا قاضي ، هذا عداوة لفاطمة عليها السلام !! فأمسك أبو الطاهر فلم يراجعه بعد ذلك ...
(1)
القاهرة ( سنة 358 هـ )
قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : أقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق ، وسار جوهر إلى جامع ابن طولون ، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ ( حيّ على خير العمل ) وهو أوّل ما أذّن ، ثمّ أذّن بعده بالجامع العتيق ، وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم
(2) .
وقال بعده : وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة : اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطَي الرسول ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، اللّهمّ صلّ على الأئمّة الطاهرين آباء أمير المؤمنين
(3) .
وجاء في ( المنتظم ) في حوادث سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة : .. ودخل جوهر إلى مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين ، وخطب لبني عبيد في الجامعين بفسطاط مصر وسائر أعمالها يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شعبان هذه السنة ، وكان الخاطب في هذا اليوم عبدالسميع بن عمر العباسي .
 |
(1) المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والأثار للمقريزي 2 : 340 .
(2) وفيات الاعيان لابن خلكان 1 : 375 وانظر : أخبار بني عبيد 1 : 84 .
(3) وفيات الأعيان ، لابن خلكان 1 : 379 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 371 ـ
وقد أشار محقق الكتاب في الهامش إلى نصّ كتاب جوهر لأهل مصر نقتطف منه مقطع ( ... وردّ المواريث إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وأن يقدم من أم مساجدكم وتزيينها ، وإعطاء مؤذنيها وقومتها ومن يؤمّ بالناس أرزاقهم ، وأن يجري فرض الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره وقنوت لياليه والزكاة والحج والجهاد على ما أمر الله في كتابه وسنّة نبيّه ، وإجراء أهل الذمّة على ما كانوا عليه )
(1) .
وفي كتاب ( العبر في خبر من غبر ) : ... وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي ، فأخذوا ديار مصر ، وأقاموا الدعوة لبني عُبيد ، مع أنّ دولة معزّ الدولة [ البويهي ] هذه المدة رافضية ، والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير
(2) .
وفي ( مآثر الإنافة ) للقلقشندي قال : ... دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمي إلى مصر سنة 358 واستولى عليها وأذّن بـ ( حيّ على خير العمل ) وقطع الخطبة للعباسيين
(3) .
وفي ( تاريخ الخلفاء ) للسيوطي قال : ... لمّا مات كافور الاخشيدي صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعزّ [ الفاطمي ] يطلبون منه عسكراً ليسلّموا إليه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد في مائة ألف فارس فملكها ... وقطع خطبة بني العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض ، وأمر أن يقال في الخطبة : ( اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطي
 |
(1) المنتظم 14 : 197 .
(2) العبر في خبر من غبر 2 : 316 .
(3) مآثر الانافة للقلقشندي 1 : 307 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 372 ـ
الرسول ، وصلّ على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعزّ بالله )
(1) .
وفي ( سير أعلام النبلاء )
(2) و ( نهاية الأرب )
(3) والنصّ للأوّل : ... وضربت السكّة على الدينار بمصر وهي : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليٌّ خير الوصيين ، والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ ، واعلن بـ ( حيّ على خير العمل ) ، ونودي : ( من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال كلّه للبنت ) ، فهذا رأي هؤلاء .
قال الذهبي : ظهر في هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة العبيديّة ، وبالعراق والجزيرة والعجم ببني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ ( حيّ على خير العمل ) .
وفي ( البداية والنهاية ) لابن كثير ... دخل أبو الحسين جوهر القائد الرومي في جيش كثيف من جهة المعزّ الفاطمي إلى ديار مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر بقيت من شعبان ، فلمّا كان يوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمي على منابر الديار المصريّة وسائر أعمالها ، وأمر جوهر المؤذنين بالجوامع أن يؤذنوا بـ ( حيّ على خير العمل ) وان يجهر الأئمّة بالتسليمة الأولى
(4) .
 |
(1) تاريخ الخلفاء : 402 .
(2) سير أعلام النبلاء 15 : 160 وتاريخ الإسلام .
(3) نهاية الارب في فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوك العبيديون .
(4) البداية والنهاية 11 : 284 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 373 ـ
جامع بن طولون / مصر ( سنة 359 هـ )
قال النويري في ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) : ... وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في يوم الجمعة لثمان خَلَون من شهر ربيع الآخر ، صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون وأذن بـ ( حيّ على خير العمل ) ، وهو أوّل ما أذّن به بمصر ، ثمّ أذن بذلك بالجامع العتيق بمصر في الجمعة
(1) .
وقال ابن خلدون في تاريخه : ... دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّى فيه وأمر بزيادة ( حيّ على خير العمل ) في الأذان ، فكان أوّل أذان أُذِّن به في مصر
(2) .
وقال ابن الأثير في الكامل : ... وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة سار جوهر إلى جامع ابن طولون وأمر المؤذن فأذن بـ ( حيّ على خير العمل ) وهو أوّل ما أذن بمصر ، ثمّ أذن بعده في الجامع العتيق وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم
(3) .
وفي ( شذرات الذهب ) لابن العماد الحنبلي : ... في ثامن عشر من ربيع الآخر سنة 359 صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون بعسكر كثير ، وخطب عبدالسميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم .
ودعا للقائد جوهر ، وجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة ، وأذن بـ ( حيّ على خير العمل ) وهو أوّل ما أُذّن به بمصـر ... وقنت الخطـيب في صـلاة الجمعـة ، وفي جمـادى الأولى
 |
(1) نهاية الارب في فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوك العبيديون .
(2) تاريخ ابن خلدون 4 : 48 .
(3) الكامل في التاريخ 7 : 31 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 374 ـ
من السـنة المذكـورة أذنـوا في جامع مصـر العتـيق بـ ( حيّ على خـير العمل )
(1) .
وقال المقريزي في ( المواعظ والاعتبار ) : ... وكان الأذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر ، الله أكبر وباقيه كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمرو بالفسطاط ، وفي جامع العسكر ، وفي جامع أحمد ابن طولون وبقيّة المساجد إلى أن قَدِم القائد جوهر بجيوش المعزّ لدين الله وبنى القاهرة ، فلمّا كان في يوم الجمعة الثامن من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلّى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ، وخطب به عبدالسميع بن عمر العبّاسي بقلنسوة وسبنى ، وطيلسان دبسيّ ، وأذّن المؤذّنون ( حيّ على خير العمل ) وهو أوّل ما أذّن به بمصر .
وصلّى به عبدالسميع الجمعة ، فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وقنت في الركعة الثانية ، وانحطّ إلى السجود ، ونسي الركوع ، فصاح به عليّ بن الوليد قاضي عسكر جوهر : بطلت الصلاة ، أعد ظهراً أربع ركعات ، ثمّ أذّن بـ ( حيّ على خير العمل ) في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبدالله
(2) .
وأنكر جوهر على عبدالسميع أنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كلّ سورة ، ولا قرأها في الخطبة ، فأنكره جوهر ومنعه من ذلك .
ولأربع بقين من جمادى الأولى المذكور أذّن في الجامع العتيق بـ ( حيّ على خير العمل ) ، وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة ، فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين ، إلاّ أنّ الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة أمر بجمع
 |
(1) شذرات الذهب 3 : 100 .
(2) انظر : قريباً منه في أخبار بني عبيد 1 : 85 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 375 ـ
مؤذّني القصر ، وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ، وقرأ أبو عليّ العباسي سجلاًّ فيه الأمر بترك ( حيّ على خير العمل ) في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح : الصلاة خير من النوم ، وأن يكون ذلك من مؤذّني القصر عند قولهم : ( السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله )
(1) .
فامتثل ذلك ، ثمّ عاد المؤذّنون إلى قول ( حيّ على خير العمل ) في ربيع الآخر سنة أحد وأربعمائة ، ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذّني جامع القاهرة ومؤذّني القصر من قولهم بعد الأذان : ( السلام على أمير المؤمنين ) وأمرهم ان يقولوا بعد الأذان : الصلاة رحمك الله ... )
(2) .
وفي كتاب ( النجوم الزاهرة في أعلام مصر والقاهرة ) : ... ثمّ في شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة أذّنوا بمصر بـ ( حيّ على خير العمل ) واستمرّ ذلك ، ثمّ شرع جوهر في بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر ، وهو أوّل جامع بنته الرافضة بمصر
(3) .
وفي تاريخ الخلفاء : في ربيع الآخر سنة 359 أذّنوا بمصر بـ ( حيّ على خير العمل )
(4) .
 |
(1) مرّ عليك أنّ معاوية بن أبي سفيان هو أوّل من ابتدع هذه المقولة ورسّخ أركانها ( كما عن كتب الأوائل السيوطي : 26 ) ، وقد كان لهذا الأمر جذر متجذر في زمان عمر ، ذلك أنّه لمّا قدم عمر مكّة أتاه أبو محذورة وقد أذّن ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح ، قال : ويحك أمجنون أنت ؟! أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك حتّى تأتينا ، ( مصنف ابن أبي شيبة 1 : 307 ) .
(2) المواعظ والاعتبار للمقريزي 2 : 270 ـ 271 .
(3) النجوم الزاهرة 4 : 32 .
(4) تاريخ الخلفاء : 402 .
|