لا مناماً ) : روى البزّار في مسنده : حدّثنا محمّد بن عثمان بن مخلّد الواسطيّ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا زياد بن المنذر ، عن محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال :
( لمّا أراد الله أن يُعَلِّم رسوله الأذانَ أتاه جبرئيل بدابّة يقال لها البُراق ، فذهب يركبها فاستصعبت ، فقال لها [ جبرئيل ] : اسكُني ، فوالله ما رَكِبَك عبدٌ أكرم على الله من محمّد .
قال : فركبها حتّى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى ، فبينما هو كذلك إذ خرج مَلَكٌ مِن الحجاب ، فقال رسول الله : يا جبرئيل! مَن هذا ؟
قال : والذي بعثك بالحقِّ ، إنّي لأَقرب الخَلْق مكاناً ، وإنَّ هذا المَلَك ما رأيته منذ خُلِقتُ قبل ساعتي هذه .
فقال المَلَك : الله أكبر ، الله أكبر .
قال : فقيل له مِن وراء الحجاب : صَدَقَ عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر .
ثمّ قال المَلَك : أشهد أن لا إله إلاَّ الله .
قال : فقيل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا لا إله إلاَّ أنا .
ثمّ قال المَلَك : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .
فقيل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلتُ محمّداً .
ثمّ قال المَلَك : حيَّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح [ وفي مجمع الزوائد زيادة : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ] ، ثمَّ قال الملك : الله أكبر ، الله أكبر .
فقيل له مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر .
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 38 ـ
ثمّ قال : لا إله إلاَّ الله .
قال : فقيل مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا لا إله إلاَّ أنا .
قال : ثمّ أخذ المَلَك بيد محمّد فقدَّمه فأمَّ أهل السماء ، فيهم آدم ونوح .. انتهى .
[ وفي مجمع الزوائد زيادة : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ : فيومئذٍ أكمل الله لمحمّد الشرف على أهل السماوات والأرض ]
(1) .
وروى الطبرانيّ في الأوسط عن ابن عمر : ( أنَّ النبيّ لمّا أُسرِيَ به إلى السماء أُوحي إليه بالأذان ، فنزل به فعلَّمه جبرئيلَ )
(2) .
وروى ابن مردويه عن عائشة مرفوعاً : لمّا أسري بي أذّن جبرئيل فظنّت الملائكة أنّه [ أي جبرئيل ] يصلّي بهم ، فقدّمني فصلّيت
(3) .
الخامس :
إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئيل ثمّ بلال :
جاء في مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة للبوصيري : عن كثير ابن مرة الحضرميّ ، أنَّ رسول الله قال : أوّل مَن أذَّن في السماء جبرئيل عليه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبيَّ بما سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبيَّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقك عمر يا بلال ، أذِّن كما سمعت ، قال : ثمَّ أمره رسول الله أن يضع إصبعَيه في أُذنَيه استعانةً بهما على الصوت ، رواه الحارث بن أُسامة مرسلاً بسند ضعيف لضعف سعيد
 |
(1) نصب الراية 1 : 260 ، مجمع الزوائد 1 : 328 كتاب الصلاة باب بدء الأذان .
(2) الأوسط للطبرانيّ 10 : 114 ح 9243 ، مجمع الزوائد 1 : 329 كتاب الصلاة باب بدء الأذان وفيه : ( رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه طلحة بن زيد ونسب إلى الوضع ) .
(3) السيرة الحلبية 2 : 296 وفيه : قال الذهبي : حديث منكر بل موضوع .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 39 ـ
ابن سنان
(1) .
السادس :
إنّ الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش :
جاء في كشف الغُمَّة للشعراني : ... وكان كعب الأحبار يقول : قال رسول الله : لمَّا نزل آدم بأرض الهند استوحش فنزل جبرئيل فنادى بالأذان ، فزالت عنه الوحشة .
فقال جبرئيل : الله أكبر اللهُ أكبر ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ـ مرّتين ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ـ مرّتين .
قال آدم : مَن محمّد ؟
قال : آخِر ولدك مِن الأنبياء
(2) .
قال عليّ بن برهان الدين الحلبي في سيرته : أقول : ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أنّ جبرئيل نادى بالأذان لآدم حين أُهبط من الجنَّة
(3) .
ثمّ قال الحلبي :
 |
(1) إتحاف السادة المهرة 1 ـ 2 : 317 كتاب الأذان باب بدء الأذان وصفته ح 983 ، السيرة الحلبية 2 : 302 وفيه : ( وروي بسندٍ واهٍ أن أوّل من أذن بالصلاة جبرئيل في سماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال رضي الله عنهما فسبق عمر بلالاً فاخبر النبي ثمّ ... ) .
(2) كشف الغمّة 1 : 96 كتاب الصلاة باب الأذان وفضله . وانظر : قريباً منه في حلية الأولياء 5 : 107 ترجمة عمرو بن قيس الملائي عن أبي هريرة .
(3) السيرة الحلبية 2 : 297 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 40 ـ
وبهذا يعلم ما في الخصائص الصغرى ( خُصّ صلى الله عليه وآله وسلم بذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى ) والله أعلم
(1) .
هذا ما قاله أهل السنّة والجماعة في بَدء الأذان ، ولكنْ .. ما هي رؤية أهل البيت عليهم السلام في قضيّة بدء تشريع الأذان ؟ هذا ما سنتعرّف عليه في الصفحات التالية .
 |
(1) السيرة الحلبية 2 : 302 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 41 ـ
أهل البيت وبدء الأذان
اتّفقت نصوص أهل بيت النبوّة ـ المرويّ منها عن طريق الإماميّة الاثني عشريّة أو الإسماعيليّة أو الزيديّة ـ على أنّ بدء الأذان قد كان في الإسراء ، وإليك بعض نصوصهم في هذا السياق .
الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ( ت 40 هـ ) :
جاء في صحيفة الرضا عليه السلام ، عن آبائه ، قال : ( قال عليّ بن أبي طالب : لمّا بُدِي رسول الله بتعليم الأذان ، أتى جبرئيل بالبُراق فاستعصت عليه ، فقال لها جبرئيل : اسكُني برقة! فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فسكنت ، قال رسول الله : فركبتها حتّى انتهيت إلى الحجاب الذي يلي الرحمن عَزَّ [ ربُّنا ] وجَلَّ ، فخرج مَلَكٌ مِن وراء الحجاب ، فقال : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : قلت : يا جبرئيل! مَن هذا المَلَك ؟
قال [جبرئيل] : والذي أكرمك بالنبوّة ما رأيتُ هذا الملَك قبل ساعتي هذه .
فقال المَلَك : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ؛ فنودي مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : فقال المَلَك : أشهد أن لا إله إلاَّ اللهَ ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ؛ فنُودِي مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، [ أنا الله ] ، لا إله إلاَّ أنا .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : فقال المَلَك : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فنودي من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلتُ محمّداً رسولاً .
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 42 ـ
قال صلى الله عليه وآله وسلم : فقال المَلَك : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ فنودي من وراء الحجاب : صدق عبدي ، ودعا إلى عبادتي .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : فقال المَلَك : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فنودي من وراء الحجاب : صدق عبدي ، ودعا إلى عبادتي ، فقال الملك : قد أفلحَ مَن واظب عليها .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : فيومئذٍ أكمل الله عزّ وجلّ لي الشرف على الأوّلين والآخرين )
(1) .
الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام ( ت 50 هـ ) :
عن سفيان بن الليل ، قال : لمّا كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان قَدِمتُ عليه المدينةَ وهو جالس في أصحابه ، فذكر الحديث بطوله ، فقال : فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبدالله بن زيد .
فقال له الحسن بن عليّ : ( إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّنَ جبرئيل في السماء مَثْنى مَثْنى وعلَّمه رسولَ الله ، وأقام مرّة مرّة فعلَّمه رسولَ الله ) ، فأذَّن به الحسن حتّى ولّى
(2) .
الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام ( ت 61 هـ ) :
جاء في الجعفريّات : أخبرنا محمّد ، حدّثني موسى ، قال : حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليّ بن الحسين ، عن
 |
(1) صحيفة الرضا صلى الله عليه وآله وسلم 65 ـ 66 ح 115 ، وعنه في بحار الأنوار 81 : 151 ، وقد مرّ عليك قبل قليل في صفحة 37 ما أخرجه البزّار ( انظر : نصب الراية 1 : 260 ) .
(2) نصب الراية 1 : 261 ، عن المستدرك للحاكم 3 : 171 كتاب معرفة الصحابة ، باختلاف يسير .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 43 ـ
الحسين بن عليّ عليهم السلام أنَّه سئل عن الأذان وما يقول الناس ، قال : ( الوحيُ ينزل على نبيّكم ، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد ؟ بل سمعتُ أبي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام يقول : أَهـبَطَ اللهُ عزَّ وجلَّ مَلَكاً حين عُرِج برسول الله فأذَّن مَثْنى مَثْنى ، وأقام مَثْنى مَثْنى ، ثمّ قال له جبرئـيل : يا محمّد! هكذا أذان الصلاة )
(1) .
وفي دعائم الإسلام ـ وهو من كتب الإسماعيليّة ـ : روينا عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام أنّه سئل عن قول الناس في الأذان ، إنَّ السبب كان فيه رؤيا رآها عبدالله بن زيد فأخبر بها النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمر بالأذان !
فقال الحسين عليه السلام : ( الوحيُ يتنزَّل على نبيّكم ، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد ؟ والأذان وجه دينكم ! ) ، وغضب عليه السلام ثمّ قال : ( بل سمعتُ أبي عليّ بن أبي طالب يقول : أهبَطَ اللهُ عزّ وجلّ مَلَكاً حين عرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ وذكر حديث الإسراء بطوله ، اختصرناه نحن ها هنا ـ قال فيه : ( وبعث ملكاً لم يُرَ في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده ، فأذَّن مَثْنى وأقام مَثْنى ) ، وذكر كيفيّة الأذان ( وقال جبرئيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : يا محمّد! هكذا أذِّن للصلاة )
(2) .
محمّد بن علي بن أبي طالب ( ابن الحنفيّة ت 73 ـ 93 هـ ) :
عن أبي العلاء ، قال : قلت لمحمّد بن الحنفيّة : إنّا لَنتحدّث : أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه .
قال : ففزع لذلك محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً ، وقال : عَمَدتُم إلى ما هو
 |
(1) الجعفريّات : 42 ، مستدرك الوسائل 4 : 17 .
(2) دعائم الإسلام 1 : 142 ذكر الأذان والإقامة .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 44 ـ
الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام !
قال : فقلتُ ( له ) : هذا الحديث قد استفاض في الناس!
قال : ( هذا والله هو الباطل ) ، ثمّ قال : ( وإنّما أخبرني أبي : أنَّ جبرئيل عليه السلام أذَّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام ، ثمّ أعاد جبرئيل الأذان لمّا عرج بالنبيّ إلى السماء ... )
(1) .
وفي معاني الأخبار : عن عليّ بن عبدالله الورّاق ، وعليّ بن محمّد بن الحسن القزويني ، قالا : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا العبّاس بن سعيد الأزرق ، قال : حدّثنا أبو نصر ، عن عيسى بن مهران ، عن يحيى بن الحسن بن الفرات ، عن حمّاد بن يعلى ، عن عليّ بن الحزور ، عن الأصبغ بن نُباتة ، عن محمّد بن الحنفيّة أنَّه ذُكِرَ عنده الأذان فقال :
( لمّا أُسري بالنبيِّ إلى السماء ، وتناهز إلى السماء السادسة ، نزل مَلَكٌ من السماء السابعة لم ينزل قبل ذلك اليوم قطّ ، فقال : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ؛ فقال الله جَلَّ جلاله : أنا كذلك .
فقال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، فقال الله عزّ وجلّ : أنا كذلك ، لا إله إلاَّ أنا .
فقال : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، فقال الله جلَّ جلاله : عبدي وأميني على خلقي ، اصطفيته على عبادي برسالاتي .
ثمّ قال : حيّ على الصلاة ، فقال الله جلَّ جلاله : فرضتها على عبادي وجعلتها لي دِيناً .
ثمّ قال : حيّ على الفلاح ، فقال الله جلَّ جلاله : أفلح مَن مشى إليها وواظب
 |
(1) السيرة الحلبيّة 2 : 300 ـ 301 ، أمالي أحمد بن عيسى بن زيد 1 : 90 ، وعنه في الاعتصام بحبل الله 1 : 277 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 45 ـ
عليها ابتغاء وجهي .
ثمّ قال : حيّ على خير العمل ، فقال اللهُ جلَّ جلاله : هي أفضل الأعمال وأزكاها عندي .
ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فتقدَّم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فأمَّ أهلَ السماء ، فَمِن يومئذٍ تمَّ شرف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم )
(1) .
وقد جاء ما يماثل هذا في طرق الزيدية ، وأخرجه الحافظ العلوي في ( الأذان بحيّ على خير العمل ) ، فقال :
حدّثنا أبو القاسم الحفص بن محمّد بن أبي عابد قراءةً ، حدّثنا زيد بن محمّد بن جعفر العامري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان ، حدّثنا أبي ، حدّثنا نصر بن مزاحم المنقري ، حدّثنا أيّوب بن سليمان الفزاري ، عن عليّ بن جردل ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلى محمّد بن الحنفية فقال له : بلغنا أن الأذان إنّما هو رؤيا رآها رجل من الأنصار فقصّها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمر بلالاً فأذّن تلك الرؤيا !
فقال له محمّد بن الحنفية : إنّما يقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إن أمر الأذان أعظم من ذلك .. إنّه لمّا أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتُهي به إلى السماء السادسة جمع اللهُ له ما شاء من الرسل والملائكة ، فنزل مَلَك لم ينزل قبل ذلك اليوم ، عرفت الملائكة أنّه لم ينزل إلاّ لأمر عظيم ، فكان أوّل ما تكلّم به حين نزل ، قال : الله أكبر ، الله أكبر ، فقال الله عزّ وجلّ : أنا كذلك ، أنا الأكبر لا شيء أكبر مّني ، ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، فقال الله : أنا كذلك لا إله إِلاّ أنا ، ثمّ قال : أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقال الله : نعم ، هو رسولي بعثته برسالتي وأئتمنته على وحيي ، ثمّ قال : حيّ على الصلاة ، فقال الله : أنا افترضتها على عبادي وجعلتها لي رضا ، ثمّ
 |
(1) معاني الأخبار ، للصدوق : 42 ح 4 ، وعنه في بحار الأنوار 81 : 141 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 46 ـ
قال : حيّ على الفلاح ، فقال الله : قد أفلح من مشى إليها وواظب عليها ابتغاء وجهي .
ثمّ قال : حيّ على خير العمل ، فقال الله : هي أزكى الأعمال عندي وأحبها إليَّ .
ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان عنده من الرسل والملائكة ، وكان المَلَك يؤذّن مَثْنى مَثْنى ، وآخِر أذانه وإقامته : لا إله إلاّ الله ، وهو الذي ذكر الله في كتابه : ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، قال محمّد بن الحنفية : فتَمّ له يومئذٍ شرفُه على الخلق ، ثمّ نزل فأمر أن يؤذَّن بذلك الأذان
(1) .
الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام ( ت 94هـ ) :
عن زيد بن عليّ ، عن آبائه ، عن عليّ : ( أنَّ رسول الله عُلِّمَ الأذان ليلة المسرى ، وبه فُرِضَت عليه )
(2) .
وقال الإمام الهادي بالله ـ من أئمّة الزيديّة ـ في كتابه الأحكام : ( قال يحيى ابن الحسين رضي الله عنه : والأذان فأصلُه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عُلِّمَه ليلةَ المسرى ، أرسل اللهُ إليه مَلَكاً فعلَّمه إيّاه .
فأمّا ما يقول به الجهّال مِن أنّه رؤيا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فأمَرَه أن يُعَلِّمه بلالاً ، فهذا من القول محالٌ لا تقبله العقول ؛ لأنَّ الأذان من أُصولِ الدين ، وأُصولُ الدين لا يعلمها رسول الله على لسان بشر من العالمين )
(3) .
 |
(1) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي 18 ـ 19 ، وبتحقيق عزّان 58 .
(2) كنز العمّال 12 : 350/35354 ، عن ( ابن مردويه ) .
(3) الأحكام ، للإمام الهادي بالله الزيديّ 1 : 84 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 47 ـ
الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ( ت 114 هـ ) :
جاء في الكافي والتهذيب والاستبصار ـ والنصّ للأخيرينِ ـ بإسناد الشيخ الطوسي عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن عليّ بن السنديّ ، عن ابن أبي عُمير ، عن ابن أُذينة ، عن زُرارة والفُضيل بن يسار ، عن أبي جعفر [ الباقر ] عليه السلام ، قال :
( لمّا أُسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة ، فأذَّن جبرئيل وأقام ، فتقدَّم رسول الله ، وصفَّ الملائكة والنبيّون خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) .
قال : فقلنا له : كيف أذّن ؟
فقال : ( اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلاَّ الله ، لا إله إلاَّ الله ؛ والإقامة مثلها إلاَّ أنَّ فيها : ( قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ) بين : ( حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ) ، وبين : ( اللهُ أكبر اللهُ أكبر ) ، فأمر بها رسولُ الله بلالاً ، فلم يَزَل يؤذِّن بها حتّى قَبض اللهُ رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم )
(1) .
وفي الكافي : بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ وأبي منصور ، عن أبي الربيع ، قال : ( حَجَجنا مع أبي جعفر [ الباقر ] عليه السلام في السنة التي كان حجّ فيها هشام بن عبدالملك ، وكان معه نافع مولى عبدالله بن عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال : يا أمير المؤمنين ، مَن
 |
(1) الكافي 3 : 302/1 وفيه صدر الحديث ، التهذيب 2 : 60/210 ، الاستبصار 1 : 305 / باب عدد فصول الأذان ح 3 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 48 ـ
هذا الذي قد تَداكَّ عليه الناس ؟!
فقال : هذا نبيُّ أهل الكوفة ، هذا محمّد بن عليّ !
قال : أشهد لأَتينّه ولأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ .
قال : فاذهب إليه وسَله لعلكّ تُخجِلُه !
فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ثمّ أشرف على أبي جعفر ، فقال : يا محمّد ابن عليّ! إني قرأت التوراة ، والإنجيل ، والزّبور ، والفرقان وقد عرفتُ حلالها وحرامها وقد جئت أسألُك عن مسائل ...
[ومنها] : من الذي سأل محمّدٌ
(1) وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة ؟
قال : فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية ( سبحان الذي أسرى بعبدهِ ليلاً مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى الذي بارَكْنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا )
(2) ، فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمّداً حيث أسري به إلى بيت المقدس أن حشر الله الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ أمر جبرئيل فأذَّن شفعاً ، وأقام شفعاً ، وقال في أذانه : حيّ على خير العمل ، ثمّ تقدّم محمّدٌ وصلَّى بالقوم )
(3) .
وجاء في كتاب ( الأذان بحيّ على خير العمل ) للحافظ العلوي : أخبرنا عبدالله بن مخالد
(4) ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا محمّد بن عمرو
 |
(1) في قوله تعالى ( فاسال مَن أرسلنا من قبلك ) .
(2) الإسراء : 1 .
(3) الكافي 8 : 120 / 93 وعنه في بحار الأنوار 81 : 136 ، وسائل الشيعة 5 : 414 ، الاحتجاج 2 : 60 .
(4) في تحقيق عزّان : مجالد البجلي ، وكذا في الاعتصام 1 : 306 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 49 ـ
ابن عثمان ، حدّثنا محمّد بن سنان ، حدّثنا عمّار بن مروان ، عن المنتخل
(1) ، عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن الأذان : كيف كان بدؤه ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أُسري به إلى السماء ، نزل إليه جبريل ، ومعه محملة من محامل الربّ عزّ وجلّ ، فحمل عليها رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء ، فأذّن جبريل ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لاإله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، [ أشهد أن محمّداً رسول الله ] ، حيّ على الصلاة ، [ حيّ على الصلاة ] ، حيّ على الفلاح ، [ حيّ على الفلاح ] ، حيّ على خير العمل ، [ حيّ على خير العمل ] ، وذكر الحديث
(2) .
وفي كتاب الاعتصام بحبل الله : .. وروى محمّد بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : من جهالة هذه الأمّة أن يزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّما علم الأذان من رؤيا رآها رجل ، وكذبوا والله .
لما أراد الله أن يعلّم نبيّه الأذان جآءه جبريل عليه السلام بالبُراق ، وذكر الحديث بطوله
(3) .
ثمّ قال بعد ذلك : ... وفي الشفا للأمير الحسن ، روى الباقر محمّد بن عليّ السجّاد بن الحسين السبط الشهيد بن عليّ الوصيّ ، والقاسم بن إبراهيم والهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين الحافظ ، والناصر للحقّ الحسن بن عليّ عليهم السلام أن الله عَلَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أُسرِيَ به ليلاً من المسجد الحرام إلى
 |
(1) في تحقيق عزّان : المنخل ، وفي الاعتصام 1 : 306 ( المنتحل ) .
(2) الأذان بحيّ على خير العمل ، للحافظ العلوي : 82 ، بتحقيق الفضيل ، وانظر : ص 21 و 28 من الكتاب نفسه وبتحقيق عزّان 60 ، والاعتصام بحبل الله 1 : 286 . والزيادات من الاعتصام 1 : 306 .
(3) الاعتصام بحبل الله 1 : 277 .
|
الأذان بين الإصالة والتحريف
ـ 50 ـ
المسجد الأقصى ؛ أمر الله مَلَكاً من ملائكته فعلّمه الأذان
(1) .
الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ( ت 148 هـ ) :
روى الكلينيّ بسنده عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمير ، عن حمّاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله [ الصادق ] عليه السلام ، قال : ( لمّا هبط جبرئيل بالأذان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان رأسه في حِجر عليّ عليه السلام ، فأذَّن جبرئيل وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله ، قال : يا عليّ ! سمعت ؟
قال : نعم .
قال : حفظت ؟
قال : نعم .
قال : ادعُ بلالاً فعلِّمْه .
فدعا عليّ بلالاً فعلَّمَه )
(2) .
وفي تفسير العيّاشيّ عن عبدالصمد بن بشير ، قال : ذُكِر عند أبي عبدالله بدء الأذان ، فقال : إنَّ رجلاً مِن الأنصار رأى في منامه الأذان ، فقصَّه على رسول الله فأمره الرسول أن يعلّمه بلالاً .
فقال أبو عبدالله : كذبوا ؛ إنَّ رسول الله كان نائماً في ظِلّ الكعبة ، فأتاه جبرئيل
 |
(1) الاعتصام بحبل الله 1 : 278 .
(2) الكافي 3 : 302/2 ، التهذيب 2 : 277/1099 مثله ، ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه 1 : 183/865 بإسناده عن منصور بن حازم ، ولا يخفى عليك بأن هذا النص لا يخالف ما ثبت عند أهل البيت وبعض أهل السنة والجماعة من كون تشريع الأذان كان في الاسراء والمعراج ، لأن التأذين في المعراج هو في مرحلة الثبوت ، أما التأذين في الأرض فهو في مرحلة الاثبات ، وسيتضح معنى كلامنا هذا اكثر في الباب الثالث من هذه الدراسة ( اشهد ان عليّاً ولي الله ، بين الشرعية والابتداع ) فانتظر .
|