إن شنشنة الرجل في الفضائل إنه إذا قدم لسرد تاريخ من يهواه من الأمويين ومن انضوى إليهم من رواد النهم جاء بأشياء كثيرة وسرد التافه الموضوع في صورة الصحاح من غير تعرض لإسنادها أو تعقيب لمضامينها ، ولا يمل من تسطيرها وإن سودت أضابير من القراطيس ، لكنه إذا وصلت النوبة إلى ذكر فضل أحد من أهل البيت عليهم السلام أو شيعتهم وبطانتهم من عظماء الأمة وصلحائها كأبي ذر تضييق عليه الأرض برحبها ، وتلكأ وتلعثم كأن في لسانه عقلة وفي شفتيه عقدة ، أو إنه كان في أذنه وقرأ عن سماعها فلم تنه إليه ، وإن اضطرته الحالة إلى ذكر شئ منها جاء به في صورة مصغرة كما تجده هاهنا حيث جعل ما هو من أشهر فضائل أبي ذر ضعيفاً ، وهو يعلم أن طريق هذا الاسناد ليس منحصراً بما ذكره هو من طريق ابن عمرو الذي أخرجه ابن سعد والترمذي وابن ماجة والحاكم ، وإنما جاء من طريق علي أمير المؤمنين وأبي ذر وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأبي هريرة ، وحسن الترمذي غير واحد من طرقه في صحيحه 2 : 221 .
وإسناد أحمد من طريق أبي الدرداء في مسنده 5 : 197 صحيح رجاله كلهم ثقات .
وإسناد الحاكم من طريق أبي ذر صححه هو وأقره الذهبي كما في « المستدرك » 3 : 342 .
وإسناد الحاكم من طريق علي ( عليه السلام ) وأبي ذر أيضاً صححه هو وأقره الذهبي كما في « المستدرك » 4 : 480 .
وأما إسناد ما أخرجه ابن كثير من طريق ابن عمرو فقال الذهبي فيما نقله عنه المناوي في شرح الجامع الصغير : سنده جيد ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجال أحمد وثقوا وفي بعضهم خلاف ، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير ، فأين الضعف المزعوم ؟ ولا يهمنا التعرض لبقية ما رمى القول فيه على عواهنه فإنها مأخوذة من الطبري مع عدم الاجادة في الأخذ ، لعله أراد إصلاح ما في روايته من التهافت فزاد عوارا على عواره ، وروايته هي من جملة أساطير أوقفناك على وضعها ص 327 .
والممعن في كتب المحدثين يعلم أن هذه الجنايات التي أوعزنا إلى بعضها لم تعد كتب الحديث فتجدها تثبت ما من حقه الحذف ، وتحذف ما يجب أن يذكر ، ونكل عرفان ذلك إلى سعة باعك أيها القارئ الكريم ! ؟
( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) « سور ق 22 »
وافى سيدنا أبو ذر كغيره من قرناءه المقتصين أثر الكتاب والسنة يبغي صالح قومه ونجاح أمته ، يبغي بهم أن لا يتخلفوا عنهما قيد ذرة ، يريد أن ينفي عن الناس البخل الذميم ، وأن تكون لضعفاء الأمة لماظة من منائح الأغنياء ، وأن لا يمنعوا حقوقهم التي افترضها الله لهم ، وكان نكيره الشديد متوجها إلى مغتصبي أموال الفقراء ، والى أهل الأثرة الذين كانت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة منضدة في دورهم ، وكانت سبائك التبر تقسم بكسرها بالفؤوس ، من دون أن تخرج منها الحقوق المفروضة من أخماس وزكوات ، ومن غير إغاثة للملهوفين الذين كان قوتهم السغب ، وريهم الظمأ وراحتهم النكد ، وعند القوم أموال لهم متكدسة لا تنتفع بها العفاة ، ولا يستفيد من نماءها المجتمع ، ولا يصرف شئ منها في الصالح العام ، وقد شاء الله سبحانه للذهب والفضة أن تتداول بهما الأيدي ، ويتقلبا في وجوه الحرف والمهن والصنايع ، فتنتجع العامة بهما فأربابهما بالأرباح، والضعفاء بالأجور ، والبلاد بالعمران ، والأراضي بالإحياء والمعالم والمعارف بالدعاية والنشر ، والملأ العلمي بالجوامع والكليات والكتب والصحف ، والمضطرون بحقوقهما الإلهية واستحكامات تقتضيها الظروف ، حتى تكون الأمة سعيدة بما يتسنى لها من تلكم الجهات من السعي وراء مناجحها ، ولذلك حرم المولى سبحانه اتخاذ الأواني من الذهب والفضة لئلا يبقيا جامدين يعدوهما أعظم الفوائد وأكثرها المرقومة فيهما المترقبة منهما من الوجوه التي ذكرناها .
كان نكير سيدنا أبي ذر موجها إلى أمثال من ذكرناهم كمعاوية الذي كان يرفع أبو ذر عقيرته على بابه كل يوم ويتلو قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .
وكان يرى الأموال تجبى إليه فيقول : جاءت القطار تحمل النار .
وكمروان الذي كان إحدى منايح عثمان له خمس افريقية وهو خمسمائة ألف دينار .
وكعبد الرحمن بن عوف وقد خلف ذهبا قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه ، وترك أربع نسوة فأصاب كل امرأة ثمانون ألفا ، فتكون ثروته من هذا الذهب المكنوز فحسب ما مر في صفحة 284 .
وكزيد بن ثابت المخلف من الذهب والفضة غير الأموال المكردسة والضياع العامرة ما كان يكسر عند تقسيمه بالفؤوس .
وكطلحة التارك بعده مائة بهاراً في كل بهار ثلاث قناطر ذهب ، والبهار جلد ثور وهذه هي التي قال عثمان فيها : ويلي على ابن الحضرمية ( يعني طلحة ) أعطيته كذا وكذا بهار ذهباً وهو يروم دمي يحرض على نفسي
أو طلحة التارك مائة جمل ذهبا كما مر عن ابن الجوزي ، وأمثال هؤلاء البخلاء على المجتمع الديني ، وهو يرى إن خليفة الوقت يأتيه أبو موسى بكيلة ذهب وفضة فيقسمها بين نسائه وبناته من دون أي اكتراث لمخالفة السنة الشريفة ، وهو يعلم الكمية المدخرة من النقود التي نهبت يوم الدار ، زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من المذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عند حسن المآب
.
فما ظنك بالرجل الديني الواقف على كل هذه الكنوز من كثب ؟ وهو يعلم بواسع ما وعاه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من المغيبات ، ومما يشاهده من نفسيات القوم ، إن تلكم الأموال المكتنزة سوف يصرف أكثرها في الدعوة إلى الباطل ، وفي تجهيز العساكر من ناكثي بيعة الإمام الطاهر والخارجين عليه والمزحزحين حليلة المصطفى عن خدرها عن عقر داره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي أجور الوضاعين للأحاديث في فضائل بني أمية والوقيعة في رجالات أهل البيت عليهم السلام، وفي محر في الكلم عن مواضعه ، وفي منائح لاعني مولانا أمير المؤمنين وقاتلي الصلحاء الأبرياء من موالي العترة الطاهرة ، ويصرف شئ كثير منها في الخمور والفجور ، إلى غير ذلك من وجوه الشر .
ما ظنك بالرجل ؟ وفي أذنه نداء الصادع الكريم : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا ، ويرى بين عينيه آل أبي العاص بلغوا ثلاثين وجاءوا يلعبون بالملك تلاعب الصبيان بالأكر ، وقد اتخذوا مال الله دولا. .
فهل تراه يخفق على ذلك كله ، كأنه لا يبصر ولا يسمع ولا يعلم ؟ أو أنه يدوخ العالم بعقيرته ؟ ويلفت الأنظار إلى جهات الحكمة ووجوه الفساد ، عساه يكسح شيئاً من الشر الحاضر ، ويسد عادية المعرة المقبلة وإن أسس هذا الدين الحنيف الدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
.
لقد ناء أبو ذر بهذه المهمة الدينية وهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، وما كان يلهج إلا بقوله تعالى : الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، ولم يشذ في تأويل الآية عما يقتضيه ظاهرها لأن مطمح نظره كان هؤلاء الذين ذكرناهم ممن جمعوا من غير حله ، وادخروا على غير حقه ، ولم يؤدوا المفترض مما استباحوه من المال واكتنزوه ، ولذلك لم يوجه نكيره إلى ناس آخرين من زملائه ومعاصريه من أهل اليسار كقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي كان يهب غير الحقوق الواجبة عليه آلافا مؤلفة وقد عرفت شطرا من يساره في الجزء الثاني 8885 .
وكأبي سعيد الخدري الذي كان يقول : ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا
.
وكعبد الله بن جعفر الطيار الذي دوخ الأجواء ذكر ثروته وعطاياه وقد فصلها ابن عساكر في تاريخه 7 : 344325 وغيره ، وعبد الله بن مسعود الذي خلف تسعين ألفا كما في صفة الصفوة ، وحكيم بن حزام الذي كانت بيده دار الندوة فباعها من معاوية بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير : بعت مكرمة قريش ، فقال حكيم : ذهبت المكارم إلا التقوى يا ابن أخي إني اشتريت بها داراً في الجنة أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله .
وحج حكيم ومعه مائة بدنة قد أهداها وجللها الحبرة ، وقف مائة وصيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقة الفضة قد نقش في رؤسها : عتقاء الله عز وجل عن حكيم وأعتقهم ، وأهدى ألف شاة
، إلى أناس آخرين لدة هؤلاء من أهل اليسار ، فلم تسمع أذن الدنيا إن أبا ذر وجه إلى أحد من هؤلاء الأثرياء لوماً لأنه كان يعلم بأنهم اقتنوها من طرقها المشروعة وأدوا ما عليهم منها وزادوا ، وراعوا حقوق المروءة حق رعايتها ، وما كان يبغي بالناس إلا هذه .
لماذا يرى أبو ذر بناء معاوية الخضراء في دمشق فيقول : يا معاوية ! إن كانت هذه الدار من مال الله ؟ فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك ؟ فهذا الإسراف ، فسكت معاوية ويقول أبو ذر : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه ، والله إني لأرى حقاً يطفأ ، وباطلاً يحيى ، وصادقاً يكذب ، وأثرةً بغير تقى ، وصالحاً مستأثر عليه
.
ويرى بناء المقداد داره بالمدينة بالجرف وقد جعلها مجصصة الظاهر والباطن كما في مروج الذهب 1 : 434 فلا ينكره عليه ولا ينهاه عنه ولا ينبس ببنت شفة ، وليس ذلك إلا لما كان يراه من الفرق الواضح بين المالين والبنائين وصاحبيهما .
وأما وجوب إنفاق المال الزائد على القوت كله الذي عزاه إلى سيدنا أبي ذر المختلقون فمن أفائكم المفتريات ، لم يدعه أبو ذر ولا دعا إليه وكيف يكون ذلك ؟ وأبو ذر يعي من شريعة الحق وجوب الزكاة ؟ وهل يمكن ذلك إلا بعد اليسار والوفر الزائد على المؤن ؟ والله سبحانه يقول : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم ، وفي تنكير الصدقة و ( من ) التبعيض دلالة على أن المأخوذ بعض المال لأكله ، على إن النصب الزكوية المضروبة في النقدين والأنعام والغلات كلها نصوص على إن الباقي من المال مباح لأربابه ، ولأبي ذر نفسه في آداب الزكاة أحاديث أخرجها البخاري ومسلم وغيرها من رجال الصحاح وأحمد والبيهقي وغيرهم .
فلو كان يجب إنفاق بعد إخراج الزكاة فما معنى التحديد بالنصب والإخراج منها ؟ وهذا معنى واضح لا يخفى على كل مسلم فضلا عن مثل أبي ذر الذي هو وعاء العلم والمحيط بالسنة الشريفة .
ولو كانت على المكلف بقية من الواجب بعد الزكاة لم يؤدها فما معنى الفلاح ؟ الذي وصف الله تعالى به المؤمنين بقوله : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) « سورة المؤمنون 1 ـ 4 » .
وليت شعري إن كان من المفترض إنفاق كل ما للانسان من المال بعد المؤن فبماذا يحترف أو يمتهن ؟ وليس عنده فاضل على المؤن ، أبما ادخره لقوته ؟ أم بما رجع عنه بخفي حنين ؟ ومماذا يخرج الزكاة ؟ فيسد بها خلة الضعفاء ويقتات هو في مستقبله الذي هو أوان فاقته ، أمن المحتمل إن أبا ذر كان يوجب ترك كل هذه ؟ ويريد أن تكون الدنيا مشحونة بالعفاة المتكففين ؟ فلا يرى المتسول إلا شحاذاً مثله ، ولا يجد العافي منتجعا لكشف كربته وتسديد إعوازه إن دامت الحالة على ما يتقول به على أبي ذر سنة أو دون سنة .
تالله لا يبغي أبو ذر بالمجتمع الديني هذه الضعة وهو لا يحب لهم إلا الخير كله ، ولا يريد هذا أي مصلح أو صالح في نفسه فضلاً عن أبي ذر المعدود في علماء الصحابة ومصلحيهم وصلحائهم .
نعم : غضب أبو ذر لله كما قاله مولانا أمير المؤمنين
(1) وغضب للمسلمين حيث رأى فيئهم مدخراً عنهم تتمتع به سماسرة النهمة والجشع ، يرى فيئهم في غيرهم متقسما ، وأيديهم من فيئهم صفرات فكان كل ما انتابه من جراء هذا الأخذ والرد بعين الله وفي سبيله كما عهد إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي قال : في الله ؟ قال : في الله، قال : مرحباً بأمر الله ، راجع ص 316 من هذا الجزء .
---------------------------
(1) راجع ص 300 من هذا الجزء .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 49 _
ثم إن ما شجر من الخلاف بين أبي ذر ومعاوية في قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، فخصه معاوية بأهل الكتاب وعممه أبو ذر عليهم وعلى المسلمين كما أخرجه البخاري ومر بلفظه ص 295 وهذه الرواية هي المستند الوحيد لجملة من الأفاكين على أبي ذر ظاهر في أنه لا خلاف بينهما في المقدار المنفق من المال وإنما هو في توجيه الخطاب ، فارتأى معاوية إن المخاطب به أهل الكتاب ، وعلم أبو ذر من مستقي الوحي ولحن الآية الكريمة إنها تعم كل مكلف .
إذن فيجب إما أن يعزى هذا الشذوذ إليهما جميعاً ، أو تبرئان عنه جميعاً ، فإفراد أبي ذر بالقذف من ولائد الضغائن والإحن ، وأياماً كان فالمراد إنفاق البعض لا الكل ، وإن كان النظر القاصر قد يجنح إلى الأخير لأول وهلة .
وليست هذه الآية بدعاً من آيات أخرى تماثلها في السياق كقوله تعالى : ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ) ، الآية « البقرة 261 » .
وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) ، « البقرة 274 » .
وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) ، « البقرة 262 » .
وقوله تعالى : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) ، الآية « البقرة 265 » .
على أن هذه الآيات أصرح من هاتيك في العموم لمكان الجمع المضاف فيها ، لكن المعلوم بالضرورة من دين الاسلام إنه نزلها إلى البعض ، ولعل النكتة في الاتيان بالجمع المضاف فيها : إن الموصوفين بها بلغوا من نزاهة النفس وكرم الطباع وعلو الهمة حداً لا يبالون معه لو توقفت الحالة على إنفاق كل أموالهم ، أو إنهم حين يسمحون بإنفاق البعض في سبيل الله تعالى يجعله سبحانه في مكان إنفاق الكل بفضل منه ويثيبهم على ذلك .
وبهذا يعلم السر في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) « الأنفال 36 » .
وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ ) ، الآية « النساء 38 » .
فليست هذه الآيات في منتأى عن قوله تعالى : ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) ، « آل عمران 92 » .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 50 _
وقوله تعالى : ( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) ، « إبراهيم 31 » .
وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ، « البقرة 3 » .
وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ، « الأنفال 3 » .
وقوله تعالى : ( وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ، « الحج 35 » .
وقوله تعالى : ( وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ، « السجدة 16 » .
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) ، « البقرة 254 » .
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) ، « البقرة 267 » .
وقوله تعالى : ( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) ، « المنافقون 10 » .
على إن غير واحد من تلكم الآيات تومي إلى الانفاق المندوب كما نص عليه علماء التفسير وحفاظ الحديث ، ومع ذلك لم يدعها سبحانه على ما يتوهم منها من جمعها المضاف حتى جعل لها حدا بقوله عز وجل : ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) ، « الاسراء 29 » .
وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) ، « الفرقان 67 » .
أترى أن أبا ذر ( سلام الله عليه ) عزب عنه كل هذه الآيات الكريمة والأصول المسلمة ، أو كان له رأي خاص في تأويلها تجاه الحقائق الراهنة ؟ حتى جاء بعد لأي من عمر الدنيا رعرعة تجشأهم الدهر فقائهم وقفوا على تلكم الكنوز المخبأة ، ولو كان لأبي ذر أدنى شذوذ عن الطريقة المثلى في حكم إلهي ، شذوذاً يخل بنظام المجتمع ويقلق السلام والوئام ، وتكثر حوله القلاقل ، وفيه إنارة العواطف و الاخلال بالأمن أو التزحزح عن مبادئ الاسلام ؟ لكان مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أول من يردعه ويحبسه عن قصده السيئ وأبو ذر أطوع له من الظل لديه ؟ لكنه ( عليه السلام ) بدلاً عن ذلك يقول : غضبت لله فارج من غضبت له ، ويقول : والله ما أردت تشييع أبي ذر إلا لله ، ويقول لعثمان : إتق الله فإنك سيرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 51 _
وأمير المؤمنين من تعرفه بتنمره في ذات الله لا تأخذه في الله لومة لائم ، وهو مع الحق والحق معه في كل ما يقول ويفعل .
وهل ترى ؟ أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع أنه كان يعلم أن أبا ذر سوف ينوء في أخرياته بدعوة باطلة كهذه طفق ينوه به ، ويعرفه بني الملأ بصفات فاضلة تكبر مقامه ، وتعظم مكانته عند الجامعة ، وتمكنه من القلوب الصالحة ويول عمر له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا رسول الله ! فتعرف ذلك له ؟ فيقول ( صلى الله عليه وآله ) : نعم فاعرفوه له ؟ فيكون ( صلى الله عليه وآله ) مؤيداً له على عيثه ، ومؤسساً لباطله ، ومعرفا لضلاله ؟ حاشا رسول العظمة من مثل ذلك .
( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، ( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ) ، ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ) ، ( مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ) ، ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 52 _
أبو ذر والاشتراكية :
لقد عرفت كل ما في كنانة الأولين من نبال مرشوقة إلى العبد الصالح شبيه عيسى في أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) فهلم ها هنا إلى رجرجة الآخرين من مقلدة الدور الأخير الخابطين خبط عشواء ، الذين رموا أبا ذر وأجله بالاشتراكية تارة وبالشيوعية أخرى .
هل أحاط علما هؤلاء الأغرار بمبادئ الشيوعية التعيشة ، ومواد الاشتراك الذي هو بمقربة من رديفته المبغوضة ؟ وهل أتيح لهم عرفان مغازي أبي ذر المصلح العظيم فيما قال ودعا إليه ؟ حتى طفقوا يوفقوا بين المبدأين .
لا أحسب إنهم عرفوا شيئاً من تلكم المغازي وإنهم في ظني الغالب بهم شيوعية خونة يديفون السم في الدسم ، ويسرون حسوا في ارتغاء ، إتخذوا ما قالوه بل تقولوه أكبر دعاية إلى تلكم المبادئ الهدامة لأسس المدنية والحضارة ، المضادة لناموس الطبيعة ، فضلا عن حدود الاسلام ، بجعل مثل أبي ذر العظيم شيوعياً أو اشتراكياً ، وقد صافقه على ما هتف به ونقم على من ناوءه وآذاه من القوم جل الصحابة إن لم نقل كلهم ممن يعبأ به وبرأيه ، واستاءوا لما نكب به من جراء ذلك الهتاف وفي مقدمهم مولانا أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وإبناه الإمامان إن قاما وإن قعدا ، وعمار الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن عماراً مع الحق والحق معه يدور عمار مع الحق أينما دار
(1) إلى كثيرين وافقوا هؤلاء على النقمة والاستياء ، فلم يكن أبو ذر شاذا في رأيه ، ولا أنهي إلينا إنه خالفه أحد من الصحابة فدونك صحايف التاريخ وزبر الحديث .
نعم : خالفه الذين يريدون أن يخضموا مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وكانوا يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها ما يجب عليهم إنفاقه ، ويحرمون الأمة عن إعطياتهم وما ينمو منها ، ويريدون للضعفاء أن يرزحوا تحت نير الاضهاد ، ويرسفوا في قيود الفاقة والضعة ، خاضعين لهم مستعبدين ، وللقوم من أموالهم قصور مشيدة ونمارق مصفوفة ، وزرابي مبثوثة ، يأكلون فيها مال الله أكلا لما ، ويحبون احتكاره حباً جماً .
---------------------------
(1) سيوافيك في محله في الجزء التاسع بإذن الله تعالى .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 53 _
نعم : خالفه أولئك الذين عرفهم يزيد بن قيس الأرحبي يوم صفين بقوله من خطبة له : يحدث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت ، ويأخذ مال الله ، ويقول : لا إثم علي فيه ، كأنما أعطي تراثه من أبيه ، كيف ؟ إنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا قاتلوا ، عباد الله ! القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله ولا تأخذكم فيهم لومة لائم ، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم ، وهم من قد عرفتم وجربتم
(1) فأي إنسان يبلغه إن العظماء الذين نوهنا بذكرهم وهم أهل الفضائل والعلوم اعتنقوا مبدءا لا يروقه أن يقتص أثرهم ؟ وهو لا يعلم أن ذلك العزو المختلق تقولوه دعاية إلى ضلالهم وترويجا لباطلهم وسترا على عوارهم .
دع ذلك كله وهلم معي إلى النظر في مبادئ الشيوعية والفرق الاشتراكيين ، إن القوم على تعدد فرقهم إلى الاشتراكية « الديمقراطية » والاشتراكية « الوطنية النازية » والشيوعية ، والماركسية « اشتراكية رأس المال » وبالرغم من تباينهم الكثير في شتى النواحي لا يختلفون في مواد ثلاثة تجمع شملهم المبدد « بدد الله شملهم » .
1 ـ تقويض النظام الحالي ، وتشييد نظام جديد على أنقاضه يضمن توزيع الثروة توزيعا عادلا بين الأفراد .
2 ـ إلغاء الملكية الخاصة « ثروات الانتاج » كراس المال ، والأرض ، والمصانع على أن تستولي الدولة على هذه الملكيات جميعها ، وتجعلها ملكية عامة تديرها للمصلحة العامة .
3 ـ يشتغل الأفراد لحساب الدولة بأجور تعطى لهم بالتساوي ، على أساس قيمة العمل الذي ينتجه كل منهم ، وتبعا لذلك لا يكون هناك دخل للأفراد سوى الأجور .
وتنفرد الشيوعية عن بقية الاشتراكيين بأمرين : أحدهما إلغاء الملكية الخاصة إلغاء نهائيا من غير فرق بين ( ثروات الانتاج وثروات الاستهلاك ) .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 6 : 10 ، كامل ابن الأثير 3 : 128 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 485 .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 54 _
وثانيهما : توزيعها المال بين الأفراد لكل على حسب حاجته ، ويستخدم من كل على حسب قدرته ، فيكلف العامل بالعمل على قدر استطاعته ، ويدر عليه المعاش بما يسد حاجته .
فعلينا هاهنا أن نعيد ذكر ما هتف به أبو ذر في شتى مواقفه ، وما رواه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في باب الأموال ، وما قال في حقه عظماء الصحابة في الاطراء له والدفاع عنه بعد هتافه بما هتف ، وما يؤثر فيه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الثناء الجميل وعهده إليه بما ينتابه من النكبات فنظر إليها نظرة مستشف للحقيقة فنرى هل ينطبق شئ منها على مواد ( الشيوعية والاشتراكية ) ؟ أو ينحسر عنه ذلك الإفك المفترى داحراً إلى حضيض البهت والافتراء ؟ .
إن من قول أبي ذر لعثمان : ويحك يا عثمان ! أما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورأيت أبا بكر وعمر ؟ هل رأيت هذا هديهم ؟ إنك لتبطش بي بطش الجبار .
ومن قوله له أيضاً : إتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام ، قال عثمان : مالك وذلك ؟ لا أم لك .
قال أبو ذر : والله ما وجدت لي عذراً إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
تجد أبا ذر هاهنا يلفت نظر عثمان إلى عهد الرسالة ثم إلى عهد الشيخين ويدعوه إلى اتباع تلكم السير ، ومن جلية الحال عند هاتيك الأدوار الثلاثة إطراد الملكية الخاصة ، ووجود أهل اليسار من الملاكين ، والتجار ، وحريتهم في ثروتي الانتاج والاستهلاك ، واختصاص كل مالية من نقود أو عقار أو ضياع أو مصانع أو أطعمة بأربابها ومن النواميس المسلمة عند نبي الاسلام صلى الله عليه وآله إنه لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه
(1) وفي الذكر الحكيم : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض ، فتجده يعزو الأموال إلى أربابها ويحرم أكلها بالباطل إلا أن تستباح بتجارة شرعية تستتبع رضا المالك الخاص ، وهناك آيات كريمة كثيرة تربو على خمسين آية لم يعدها عزو الأموال إلى مالكيها تقدم شطر منها في صفحة 340 .
فأبو ذر في هذا الموقف يدعو إلى ضد الدعوة الاشتراكية الملغية للملكية الخاصة ، ويرى مخالفة ذلك من المنكر الذي يجب النهي عنه ، فلم يردعه عما مضى فيه قول عثمان : مالك وذلك ؟ لا أم لك .
---------------------------
(1) مر الحديث ص 129 .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 55 _
ومن قوله لمعاوية لما بنى الخضراء ، إن كانت هذه الدار من مال الله ؟ فهي الخيانة وإن كانت من مالك ؟ فهذا الإسراف فأبو ذر هاهنا يجوز أن يكون المال مقسوما إلى مال الله وإلى ما يخص للانسان نفسه ، فيرتب على الأول الخيانة ، وعلى الثاني السرف ، ولم ينقم على معاوية نفس تصرفه في المال وإنما نقم عليه أحد الأمرين الخيانة أو الإسراف ، ولو كان ملغيا للملكية لكان الواجب عليه أن ينتقد منه أصل تصرفه في تلكم الأموال .
وتراه يسمي مال المسلمين من الفئ والصدقات والغنائم مال الله ، وقد روى ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً لعثمان حيث قال له : أشهد إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إذا بلغ بنوا أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال الله دولاً وعباده خولاً ، ودينه دخلا وصدقه في حديثه مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
وهذه التسمية لم تكن قصراً على عهد أبي ذر ومعاوية وإنما كانت دارة قبله وبعده ، هذا عمر بن الخطاب وقوله لأبي هريرة لما قدم من البحرين : يا عدو الله وعدو كتابه ! أسرقت مال الله ؟ قال : لست بعدو الله ولا بعدو كتابه ، ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله
(1) .
وقال الأحنف بن قيس : كنا جلوسا بباب عمر فخرجت جارية فقلنا : هذه سرية عمر فقالت : إنها ليست بسرية عمر إنها لا تحل لعمر ، إنها من مال الله ، قال : فتذاكرنا بيننا ما يحل له من مال الله ، قال : فرقي ذلك إليه فأرسل إلينا فقال : ما كنتم تذاكرون ؟ فقلنا : خرجت علينا جارية فقلنا : هذه سرية عمر ، فقالت : إنها ليست بسرية عمر إنها لا تحل لعمر ، إنها من مال الله ؟ فتذاكرنا بيننا ما يحل لك من مال الله ، فقال : ألا أخبركم بما استحل من مال
الله ؟ حلتين حلة الشتاء والقيظ
(2) .
---------------------------
(1) الأموال لأبي عبيد ص 269 ، راجع ما أسلفناه في ج 6 ص 254 ط 1 و 271 ط 2 .
(2) الأموال لأبي عبيد ص 268 .
ابو ذر ( رضوان الله عليه )
_ 56 _
وقال عمر : لا يترخصن أحدكم في البرذعة أو الحبل أو القتب فإن ذلك للمسلمين ليس أحد منهم إلا وله فيه نصيب ، فإن كان لانسان واحد ؟ رآه عظيما ، وإن كان لجماعة المسلمين ؟ إرتخص فيه وقال : مال الله
(1) ، ومن قوله في حديث : البلاد بلاد الله ، وتحمى لنعم مال الله ، يحمل عليها في سبيل الله
(2) ، وفي حديث من قوله : المال مال الله ، والعباد عباد الله ، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبراً في شبر
(3) ، وكان عمر كلما مر بخالد قال : يا خالد ! أخرج مال الله من تحت إستك
(4) .
وهذا مولانا أمير المؤمنين يقول في خطبته الشقشقية
(5) : إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وفي خطبة له ( عليه السلام ) : لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف ؟ والمال مال الله ، ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف
(6) ، ومن كتاب له إلى عامله بآذربيجان : ليس لك أن تقتات في رعية ، ولا تخاطر إلا بوثيقة ، وفي يديك مال من مال الله عز وجل وأنت من خزانه
(7) ، ومن كتاب له إلى أهل مصر : ولكنني آسي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا ، والصالحين حرباً ، والفاسقين حزباً
(8) ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس : وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة
(9) .
---------------------------
(1) الأموال لأبي عبيد س 268 .
(2 ، 3) الأموال لأبي عبيد ص 299 .
(4) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص 257 ط 1 و 274 ط 2 .
(5) أسلفنا مصادرها في الجزء السابع ص 8782 .
(6) نهج البلاغة 1 : 242 .
(7) نهج البلاغة 2 : 6 ، العقد الفريد : 2 : 283 .
(8) نهج البلاغة 2 : 120 .
(9) نهج البلاغة 2 : 128 .