المراد ، ولكن القلوب القاسية والضماير الفاسدة لم تترك للناس امانة فغيروا وبدلوا وزادوا ونقصوا (يريدون ليطفؤا نور الله بافواههم والله متم نوره) .
  (قال ابن كثير) في البداية والنهاية (ج 3 ص 42) قبل نقله الابيات ولعله يريد بيان السبب لما أنشده أبو طالب عليه السلام (روى) يونس بن بكير بن طلحة بن يحيى عن عبد الله بن موسى بنم طلحة ، أخبرني عقيل بن ابي طالب ، قال : جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : ان ابن اخيك هذا ، قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا ، فقال يا عقيل إنطلق فأتني بمحمد ، قال : فانطلقت إليه فاستخرجته من كنس ، أو قال خنس (هو بيت صغير) فجاء به في الظهيرة في شدة الحر فلما أتاهم قال (أبو طالب له) : ان بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم ، فانته عن أذاهم ، فحلق رسول الله صلى الله عليه وآله ببصره إلى السماء ، فقال : ترون هذه الشمس ؟
  قالوا : نعم ، قال : ( فما انا باقدر أن ادع ذلك منكم على أن تشتعلوا منه بشعلة ) فقال أبو طالب والله ما كذب ابن اخي قط فارجعوا ، ثم روى الحديث بلفظ آخر وقال إن قريشا حين قالت لابي طالب هذه المقالة (اي شكايتهم عنه) بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا ابن اخي إن قومك قد جاؤني وقالوا : كذا وكذا ، فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الامر ما لا أطيق أنا ولا انت ، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أن قد بدا لعمه فيه ، وأنه خاذله ومسلمه ، وضعف عن القيام معه ، فقال رسول الله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الامر حتى يظهره الله أو اهلك في طلبه ، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى فلما ولى قال له (أبو طالب) حين رأى ما بلغ الامر برسول الله

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 52 _

  صلى الله عليه وآله : يا ابن اخي فاقبل عليه فقال : امض على امرك فافعل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ ابدا ، قال ابن اسحاق : ثم قال أبو طالب في ذلك :

والله لـن يـصلوا اليك iiبجمعهم      حـتى  أوسـد في التراب iiدفينا
فامض لامرك ما عليك غضاضة      أبـشر وقـر بـذاك منك iiعيونا
ودعـوتني وعلمت أنك ناصحي      فـلقد صـدقت وكـنت ثم iiأمينا
وعـرضت  دينا قد عرفت iiبانه      مـن  خـير أديـان البرية iiدينا
لـو لا الـملامة أو حذاري iiسبة      لـوجدتني  سـمحا بـذاك مبينا
  (قال المؤلف) ومن علماء الشافعية الذين خرجوا الابيات زيني دحلان الشافعي في (اسنى المطالب (ص 18) الطبع الثاني وذكر سببا آخر لانشاد أبي طالب عليه السلام للابيات ، وهذا نصه : قال (واجتمع) مرة كفار قريش وجاؤا أبا طالب ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة وكان من احسن فتيان قريش وقالوا لابي طالب : خذ هذا بدل محمد ، يكون كالابن لك ، وأعطنا محمدا نقتله ، فقال ما أنصفتموني يا معشر قريش آخذ ابنكم أربيه وأعطيكم ابني تقتلونه ، ثم قال :
والله  لـن يـصلوا اليك بجمعهم      حـتى أوسـد فـي التراب دفينا
فاصدع بامرك ما عليك غضاضة      وابـشر  بـذاك وقر منك iiعيونا
ودعـوتني وعـلمت أنك صادق      ولـقد صـدقت وكـنت ثم iiأمينا
ولـقد  عـلمت بـان دين iiمحمد      مـن  خـير أديـان البرية iiدينا
  (قال المؤلف) جعل زيني دحلان سبب انشاد أبي طالب عليه السلام الابيات قضية طلب قريش من أبي طالب عليه السلام مبادلة عمارة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقتلوه ، وهذه القضية غير القضايا السابقة التي ذكرت سببا لانشاد ابي طالب الابيات ، ومن الممكن أن

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 53 _

  أبا طالب في جميع هذه القضايا أنشد هذه الابيات التي مفادها طمأنينة قلب الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله بان أبا طالب عليه السلام يحاميه حتى الموت ، وأمره بالقيام بما أمر به ، وأن لا يرتدع عما هو عليه من تبليغ ما أرسل به بما يراه من الايذاء من مشركي قريش وغيرهم . ومن علماء الشافعية الذين اخرجوا الابيات المتقدمة زيني دحلان ايضا في كتابه الآخر المعروف بالسيرة النبوية المطبوع بهامش السيرة الحلبية (ج 1 ص 97 وص 98) وخرحها في طلبة الطالب (ص 5) وفي بلوغ الارب (ج 1 ص 325) وفي السيرة الحلبية (ج 1 ص 312) ذكر بيتا واحدا وترك البقية ، وذكرها الالوسي في بلوغ الارب ، وابن ابي الحديد في شرحه لنهج البلاغة كما يلي :
والله  لـن يصلوا اليك iiبجمعهم      حـتى  أوسد في التراب iiرهينا
فـانفذ لامـرك ما عليك iiمخافة      وابـشر وقـر بذاك منه iiعيونا
ودعوتني وزعمت انك ناصحي      ولـقد  صدقت وكنت قبل امينا
وعـرضت دينا قد علمت iiبانه      مـن خـير أديـان البرية iiدينا
لـو  لا الملامة أو حذاري سبة      لـوجدتني  سـمحا بذاك iiمبينا
  (قال المؤلف) إن لهذه الابيات التي انشدها أبو طالب مقدمة ذكرها ابن ابي الحديد قبل هذه الابيات (ج 14 ص 53 ص 54 الطبعة الثانية) وهذا نصها : قال محمد بن اسحاق : ولم تكن قريش تنكر أمره (أي أمر رسول الله صلى الله عليه وآله) وهو ما كان يأمرهم بترك الشرك بالله والاعتراف بالوحدانية ، (لله تعالى) حينئذ كل الانكار حتى ذكر آلهتهم وعابها فاعظموا ذلك وأنكروه ، وأجمعوا على عداوته وخلافه ، وحدب عليه عمه أبو طالب فمنعه (من أن يصيبه بشئ) وقام دونه (يحميه ويذب عنه)

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 54 _

  حتى بكون مظهرا لامر الله لا يرده عنه شئ ، قال : فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه ، وقيامه دونه ، وامتناعه من أن يسلمه (إليهم ليقتلوه) مشى إليه رجال من أشراف قريش ذكر اسماءهم وهم ثمانية ، فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا وضلل آراءنا ، فاما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه .
  فقال لهم ابو طالب : قولا رفيقا ، وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله ، ويدعو إليه ، ثم شرق (ثم شرى) الامر بينه وبينهم (أي تزايد) تباعدا وتضاغنا (أي معاداة) حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينها ، وتذامروا فيه ، وحض بعضهم بعضا عيله ، فمشوا إلى أبي طالب مرة ثانية ، فقالوا : يا أبا طالب ان لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وانا قد استنهيناك من ابن اخيك فلم تنهه عنا ، وانا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، فاما ان تكفه عنا أو ننازله وإياك (أي نحاربكما) حتى يهلك أحد الفريقين ، ثم انصرفوا ، فعظم علي أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ، ولم تطب نفسه باسلام ابن اخيه لهم وخذلانه فبعث إليه ، فقال يا ابن اخي إن قومك قد جاؤني فقالوا لي كذا وكذا للذي قالوا فابق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الامر ما لا اطيقه ، قال : فظن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قد بدا لعمه فيه بداء ، وانه خاذله ومسلمه ، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه ، فقال : يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو اهلك ، ثم استعبر باكيا وقام ، فلما ولى ناداه أبو طالب : أقبل يا ابن اخي ، فاقبل راجعا فقال له إذهب يابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 55 _

  أبدا ، ثم انشد الابيات المتقدمة .
  (قال المؤلف) خرج الابيات المتقدمة جمع كثير من علماء السنة والامامية عليهم الرحمة غير من تقدم ذكرهم ، ومن علماء السنة الذين أخرجوا الابيات القرطبي في تفسيره (ج 6 ص 406) فانه خرجها مع اختلاف قي بعض كلماتها وهذا نصها .
والله  لـن يـصلوا اليك بجمعهم      حـتى أوسـد فـي التراب دفينا
فاصدع بامرك ما عليك غضاضة      إبـشر بـذاك وقـر منك iiعيونا
ودعوتني  وزعمت انك iiناصحي      فـلقد  صـدقت وكنت قبل iiأمينا
وعـرضت ديـنا قد عرفت بانه      مـن  خـير أديـان البرية iiدينا
لـو  لا الـملامة أو حذار iiمسبة      لـوجدتني  سـمحا بـذاك iiيقينا
  (قال المؤلف) هذه الالفاظ أوضح وأصرح في الاعتراف بنبوة سيد المرسلين ، ولا فرق في الاعتراف بالاسلام في النثر أو الشعر ، فابو طالب عليه السلام في شعره هذا اعترف بصدق ما جاء به ابن اخيه محمد صلى الله عليه وآله والاعتراف هو الاسلام ، ولكن يعتذر عليه السلام من المشاركة معه في العبادة والصلاة في الظاهر حتى يتمكن من حفظه وحفظ أصحابه فحاله عليه السلام حال أصحاب الكهف الذين كانوا يخفون الاسلام والتدين بدين نبي عصرهم الذي كان يجب عليهم اتباعه فاعطاهم الله اجرهم مرتين .
  (ومنهم) الزمخشري في تفسير الكشاف ج 1 ص 448 فقد خرج الابيات ، وقال في مقدمتها : روي أنهم (أي كفار قريش) اجتمعوا إلى أبي طالب وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وآله سوء فقال الابيات ، ولفظه يقرب من لفظ القرطبي ، وفيه اختلاف ، وهذا نصه :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم      حتى  أوسد في التراب دفينا

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 56 _

فاصدع بامرك ما عليك غضاضة      وابـشر بـذاك وقـر منه عيونا
ودعـوتني  وزعمت أنك iiناصح      ولـقد صـدقت وكـنت ثم iiأمينا
وعـرضت ديـنا لا مـحالة أنه      مـن  خـير أديـان البرية iiدينا
لـو لا الـملامة أو حذاري iiسبة      لـوجدتني  سـمحا بـذاك iiمبينا
  ومن العلماء الذين خرجوا الابيات العلامة محمد بن علي بن شهر اشوب فانه خرج الابيات الخمسة ، ولفظه يقرب لفظ الزمخشري مع اختلاف يسير ، وقال في البيت الخامس .
لو لا المخافة أو يكن معرة      لوجدتني سمحا بذاك iiمبينا
  (قال المؤلف) لو فرضنا صحة نسبة البيت الخامس إلى ابي طالب عليه السلام لكان لفظه في البيت الاخير أحسن الالفاظ واصحها ، والله العالم .
  (ومنهم) علاء الدين علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي المعروف بالخازن ، فقد أخرج الابيات في تفسيره (لباب التأويل في معاني التنزيل) ج 2 ص 10 ، وقال : روي أن النبي صلى الله عليه وآله دعا أبا طالب إلى الايمان فقال : لو لا تعيرني قريش لاقررت بها عينك ، ولكن أذب عنك ما حييت ، وقال في ذلك (ثم ذكر الابيات) ولفظه يقرب من لفظ ابن ابي الحديد إلا في البيت الثاني فانه قال : (فاصدع بامرك ما عليك غضاضة) وقال ابن ابي الحديد : (فانفذ لامرك ما عليك مخافة) وقال في البيت الخامس : (لو لا الملامة أو حذار مسبة) وقال ابن ابي الحديد : (لو لا الملامة أو حذاري سبة)

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 57 _

  (ومنهم) احمد بن ابي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب المعروف بابن واضح الاخباري المتوفي سنة 292 فانه خرج الابيات في كتابه المعروف بتأريخ اليعقوبي (ج 2 ص 22 طبع النجف الاشرف) ، ولم يذكر إلا ثلاثة ابيات ، وذلك يدل على ان البيت الاخير ليس من أبياته قال : وهمت قريش بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأجمع ملاها على ذلك وبلغ أبا طالب فقال :
والله  لن يصلوا إليك iiبجمعهم      حتى  أوسد  في التراب iiدفينا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح      ولقد  صدقت  وكنت ثم iiأمينا
وعرضت  دينا قد علمت بانه      من  خير  أديان  البرية  iiدينا
  ثم قال اليعقوبي فلما علمت قريش أنهم لا يقدرون على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن ابا طالب لا يسلمه ، وسمعت بهذا من قول ابي طالب ، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة .
  أن لا يبايعوا احدا من بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمدا فيقتلوه فتعاقدوا على ذلك ، وتعاهدوا ، وختموا على الصحيفة بثمانين خاتما ، وكان الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فشلت يده ، ثم حصرت قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته من بني هاشم وبني عبد المطلب بن عبد مناف في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم (وكان ذلك) بعد ست سنين من مبعثة (صلى الله عليه وآله وسلم) فاقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين .
  حتى أنفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ماله وأنفق ابو طالب ماله وانفقت خديجة بنت خويلد مالها ، وصاروا إلى حد الضر والفاقة ، ثم نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : إن الله بعث الارضة على صحيفة قريش فاكلت كل ما فيها

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 58 _

  من قطيعة وظلم : إلا المواضع التي فيها ذكر الله ، فخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا طالب بذلك ، ثم خرج أبو طالب ومعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته حتى صاروا إلى الكعبة فجلس بفنائها .
  وأقبلت قريش من كل أوب فقالوا : قد آن لك يا ابا طالب أن تذكر العهد وأن تشتاق إلى قومك وتدع اللجاج في ابن اخيك ، فقال لهم : يا قوم أحضروا صحيفتكم ، فلعلنا أن نجد فرجا وسببا لصلة الارحام وترك القطيعة ، وأحضروها وهي بخواتيمهم فقال : هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها ؟ قالوا : نعم ، قال : فهل أحدثتم فيها حدثا ؟ قالوا : اللهم لا ، قال فان محمدا أعلمني عن ربه أنه بعث الارضة فاكلت كل ما فيها إلا ذكر الله ، أفرأيتم إن كان صدقا ماذا تصنعون ؟ قالوا : نكف ونمسك : قال : فان كان كاذبا دفعته اليكم تقتلونه : قالوا قد انصفت واجملت : وفضت الصحيفة فإذا الارضة قد أكلت كل ما فيها إلا مواضع بسم الله عزوجل .
  فقالوا : ما هذا إلا سحر ، وما كنا قط أجد في تكذيبه منا ساعتنا هذه ، وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم ، وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو عبد المطلب فلم يرجعوا إليه .
  (قال المؤلف) رأيت في مطالعاتي لكتب التفسير عند ذكرهم الآية المباركة في سورة الانعام آية (26) (وهم ينهون عنه وينأون) ذكروا أن الابيات التي أنشدها أبو طالب عليه السلام كانت ثلاثة وزيدت عليها يد الكذب والظلم البيت الخامس أو البيت الاخير وهو : (لو لا الملامة ، الخ) فكثر عجبي من ذلك فلما راجعت تأريخ اليعقوبي فإذا الابيات التي يذكرها ثلاثة ليس فيها البيت الرابع والخامس فتحقق لدي أن البيت الخامس من زيادة المحرفين من أعداء أبي طالب وأولاده ، ويؤيد ما قلنا في الابيات من أن البيت الاخير من زيادة الاعداء ، ما خرجه العلامة الملك المؤيد

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 59 _

  إسماعيل ابوالفدا صاحب حماه المتوفي سنة 732 ه‍ ، كما في كشف الظنون (ص 401) واسم التاريخ (المختصر في أخبار البشر) فقد خرج في الجزء الاول (ص 122) الابيات وقال (ذكر وفاة ابي طالب) ثم قال توفي في شوال سنة عشر من النبوة ، ولما اشتد مرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عم أقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة (يعني الشهادة) فقال أبو طالب : يابن أخي لو لا مخافة السبة وأن تظن قريش إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها (قال) : فلما تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرك شفتيه فاصغى إليه العباس باذنه وقال : والله يابن اخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحمد لله الذي هداك يا عم ، هكذا روي عن ابن عباس ثم قال : ومن شعر أبي طالب مما يدل عل أنه كان مصدقا لرسول الله صلى الله عليه وآله قوله :
ودعوتني وعلمت أنك صادق      ولفد  صدقت  وكنت ثم iiأمينا
ولقد  علمت  بأن  دين iiمحمد      من  خير  أديان  البرية iiدينا
والله  لن يصلوا إليك بجمعهم      حتى  أوسد  في التراب دفينا
  قال : توفي وكان عمر أبي طالب بضعا وثمانين سنة .
  (قال المؤلف) لو كان للابيات بقية لذكرها الملك المؤيد أبو الفداء فعدم ذكره البيت الخامس أو الاخير دليل على أن البيت من زيادة الاعداء ومن تأمل في البيت الاخير وكان من أهل البصيرة بالشعر والادب عرف أن البيت الاخير يختلف مع الابيات المتقدمة في أسلوبه الشعري ، وليس فيه لطافة كما في الابيات الثلاثة المتقدمة ، واختلاف النقل في البيت دليل آخر على أنها موضوعة منسوبة إليه ، وليست من أشعاره عليه السلام وقد صرح بان البيت الرابع أو الخامس من زيادة المحرفين المفسر المعروف

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 60 _

  العلامة أبو الفتوح عليه الرحمة في تفسيره الكبير المطبوع بالفارسية (ج 2 ص 265) قال ما هذا نضه بالفارسية : (واين بيت بازپسين (أي الاخير) همه عقلا دانند كه مجانس آن نيست ، بل مناقض أو است وچون أو مردي محال است كه در چند بيتي مناقضه كويد (وقال ما نصه) هر عاقل اين أبيات را تأمل كند داند كه بيت آخرين ملحق است ونه ملايم ابيات اول است ، نه بقوت ومتانت ، ونه بمعنى ، ومناقضه كه حاصل است ميان اين بيت با أبيات اول) ثم أخذ في بيان معنى الابيات وقال ما معناه : أنه عليه السلام : ذكر أنه ينصره ويحاميه من كيد الكافرين ما دام حيا ، وفي البيت الثاني يأمره باداء الرسالة ويحرضه على ذلك ويبشره بما جاءه من النبوة والرسالة ، وفي البيت الثالث صرح بانه مؤمن به ومصدق له فقال : لا فرق بين أن يقول الرجل آمنت بك أو صدقت بك ، وبين أن يقول انت صادق في دعواك ، قال : وفي قوله عليه السلام (ولقد علمت بان دين محمد ، من خير اديان) تصديق آخر وايمان آخر غير الذي اعترف به في البيت السابق عليه ، وممن انكر أن يكون البيت الرابع من أبي طالب عليه السلام زيني دحلان في كتابه اسنى المطالب (ص 18) قال : قيل انه موضوع أدخلوه في شعر ابي طالب وليس من كلامه ، وقد تقدم ذلك منه .
  (ومن اشعار ابي طالب عليه السلام) التي انشدها في امر الصحيفة الملعونة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ، ما اخرجه ابن كثير (في البداية والنهاية (ج 3 ص 87) قال : قال ابن اسحاق : فلما اجتمعت على (قطيعة بني هاشم) قريش وصنعوا فيه الذي صنعوا ، قال أبو طالب إلا
أبلغا   عني   على  ذات  iiبيننا      لويا  وخصا من لوي بني كعب
ألم   تعلموا  إنا  وجدنا  iiمحمدا      نبيا كموسى خط في أول الكتب

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 61 _

وإن    عليه   في   العباد   iiمحبة      ولا  خير  ممن  خصه  الله بالحب
وإن   الذي  الصقتموا  من  كتابكم      لكم   كائن  نحسا  كراغية  iiالسقب
أفيقوا  أفيقوا  قبل أن يحفر iiالثرى      ويصبح من لم يجن ذنبا كذي iiذنب
ولا  تتبعوا  أمر  الوشاة  iiوتقطعوا      أواصرنا    بعد   المودة   والقرب
وتستجلبوا   حربا   عوانا   iiوربما      أمر  على  من  ذاقه حلب iiالحرب
فلسنا   ورب  البيت  نسلم  iiاحمدا      لعزاء  من عض الزمان ولا iiكرب
ولما   تبن   منا   ومنكم   iiسوالف      وأيد   أترت   بالقساسية   iiالشهب
بمعترك   ضيق  ترى  كسر  iiالقنا      به والنسور الضخم يعكفن كالشرب
كأن  ضحال  الخيل  في  iiحجراته      ومعمعة  الابطال  بمعركة  الحرب
أليس    أبونا   هاشم   شد   iiأزره      وأوصى  بنيه  بالطعان iiوبالضرب
ولسنا   نمل   الحرب  حتى  iiتملنا      ولا  نشتكي ما قد ينوب من iiالنكب
ولكننا    أهل    الحفائظ   iiوالنهى      إذا  طار  أرواح الكماة من iiالرعب
  (قال المؤلف) قد خرج هذه الابيات التي أنشدها أبو طالب عليه السلام وبين فيها الخير والصواب ، واعترف فيها بنبوة ابن أخيه صلى الله عليه وآله ، جماعة من علماء اهل السنة والامامية عليهم الرحمة منهم من تقدم .
  (ومنهم) ابن الحديد الشافعي فقد خرج الابيات في (ج 14 ص 72 الطبعة الثانية) من شرحه على نهج البلاغة وقد وافق ابن كثير في عدد الابيات ، وخالفه في كثير من الفاظه ولذلك نذكر الفاظه بنصوصها .
  قال في شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 72) : ومن شعر أبي طالب في أمر الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم) ،
ألا  أبلغا عني على ذات iiبينها      لويا وخصا من لوي بني كعب
ألم  تعلموا  أنا  وجدنا  iiمحمدا      رسولا كموسى في أول iiالكتب

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 62 _

وإن    عليه   في   العباد   iiمحبة      ولا  حيف  فيمن خصه الله iiبالحب
وإن   الذي   رقشتم   في  iiكتابكم      يكون   لكم  يوما  كراغية  السقب
أفيقوا  أفيقوا  قبل أن تحفر iiالزبى      ويصبح من لم يجن ذنبا كذى iiذنب
ولا  تتبعوا  أمر  الغواة  iiوتقطعوا      أواصرنا   بعد   المودة   iiوالقرب
وتستجلبوا   حربا   عوانا  iiوربما      أمر  على  من  ذاقه حلب iiالحرب
فلسنا   وبيت   الله   نسلم   أحمدا      لعزاء  من عض الزمان ولا iiكرب
ولما   تبن   منا   ومنكم  iiسوالف      وأيد    أترت    بالمهندة   iiالشهب
بمعترك  ضيق  ترى  قصد  iiالقنا      به والضباع العرج تعكف كالشرب
كأن   مجال  الخيل  في  iiحجراته      وغمغمة  الابطال  معركة  الحرب
أليس   ابونا   هاشم   شد   iiأزره      وأوصى  بنيه  بالطعان وبالضرب
ولسنا   نمل  الحرب  حتى  iiتملنا      ولا  نشتكي  مما ينوب من iiالنكب
ولكننا    أهل    الحفائظ   والنهى      إذا  طار أرواح الكماة من iiالرعب
  (ومنهم) أبو محمد عبد الملك بن هشام بن ايوب الحميري المغافري كان من اهالي مصر ، وأصله من البصرة وقد توفي سنة 213 ه‍ ، وقد جمع سيرة الرسول الاكرم من المغازي والسير لابن اسحاق وهذبها ولخصها وقال أحمد بن يونس صاحب تأريخ مصر : إنه توفي سنة 218 ه‍ بمصر وقال إنه ذهلي ، وكتابه معروف بسيرة ابن هشام طبع في ثلاثة اجزاء بمصر سنة 1329 .
  (قال المؤلف) خرج ابن هشام الابيات في سيرته (ج 1 ص 318 طبع مصر سنة 1329) ولفظه يساوي لفظ ابن كثير ، وقد تقدم لفظه وقد زاد فيه بيتين (ثم قال) ابن هشام فاقاموا على ذلك (أي على القطيعة) سنتبن أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إليهم شئ إلا سرا مستخيفا من أراد صلتهم من قريش .

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 63 _

  (ومنهم) السيد أحمد زيني دحلان الشافعي فانه خرج الابيات في كتابه (أسنى المطالب في تجاه ابي طالب) ص 13 طبع مصر وص 17 طبع طهران) ولفظه يقرب من لفظ ابن ابي الحديد المتقدم ، وقال في البيت الثاني .
ألم    تعلموا   انا   وجدنا   محمدا      رسولا كموسى صح ذلك في الكتب
  (ثم قال) ويروى أنه عليه السلام قال : (نبيا كموسى خط ذلك في الكتب) .
  (قال) : ومنها (أي من القصيدة) :
وإن   عليه   في   العباد   iiمودة      ولا  خير  ممن خصه الله iiبالحب
فلسنا  ورب  البيت  نسلم  iiاحمدا      لعزاء من عض الزمان ولا كرب
  (قال المؤلف) ولم يذكر زيني دحلان بقية القصيدة للاختصار ولكن أخذ يستدل بابيات اخرى في إثبات ايمان ابي طالب عليه السلام وقال : ومن شعره : وشع له من اسمه ليجله = فذو العرش محمود وهذا محمد (ثم قال) هكذا نسب الحافظ ابن حجر في الاصابة هذا البيت لابي طالب ، قال : وقيل إنه لحسان بن ثابت الانصاري (قال البرزنجي) ولا مانع أن يكون لابي طالب وأخذه حسان بن ثابت فضمنه شعره .
  (قال المؤلف) لا شك في أن البيت المتقدم من شعر أبي طالب عليه السلام ، وقد خرجه ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 78) وقال ومن شعر ابي طالب :
لقد   اكرم  الله  النيي  iiمحمدا      فاكرم خلق الله في الناس أحمد
وشق   له   من  إسمه  iiليجله      فذو العرش محمود وهذا محمد
  (قال المؤلف) ذكر ابن حجر في الاصابة (ج 7 ص 112)

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 64 _

  ما ذكر زيني دحلان الشافعي في أسنى المطالب من شعر أبي طالب عليه السلام ونسبه إليه ، ولكن ترك البيت الاول لان فيه تصريحا بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وابن حجر من الجماعة القاثلين بعدم ايمان ابي طالب فخاف لو ذكر البيت الاول أثبت خلاف عقيدته ، فجزاه الله ما يستحقه وحشهر مع من يتولاه ، والعجب من ابن ابي الحديد كيف ذكر البيت الاول مع أنه من المتوقفين في إيمان ابي طالب عليه السلام وهذا البيت يثبت إيمانه بنبوة ابن اخيه محمد صلى الله عليه ه آله وسلم وهو من أقوى الابيات الدالة على ايمانه ، ومن اوضح أشعارة عليه السلام الدالة على اسلامه ، إذ لا فرق بين أن يقول الشخص محمد نبي أو يقول أنت النبي محمد ، أو واكرم الله النبي محمدا صلى الله عليه وآله .
  (قال المؤلف) خرج ما خرجه ابن الحديد جماعة من علماء السنة واليك اسماءهم بالاختصار : ابن هشام في (ج 1 ص 318) من سيرته طبع مصر سنة 1329 وفيه مع زيادة بيتين في آخره ، وابن دحلان الشافعي في اسنى المطالب (ص 10 طبع مصر سنة 1305) والالوسي البغدادي في كتابه بلوغ الارب (ص 325 طبع مصر سنة 1342) وعبد القادر البغدادي في (ج 1 ص 261) من خزانة الادب طبع مصر سنة 1299 وقال ابن دحلان بعد ذكره بعض القصيدة هذا البيت من قصيدة بليغة غراء قالها زمن محاصرة قريش لهم في الشعب ، وهذه القصيدة تدل على غاية محبته للنبي صلى الله عليه وآله وتدل على التصديق بنبوته وشدة حمايته له ، والذب عنه (سلام الله عليه وعلى آله الطيبين) وفي (ج 7 ص 333) من الغدير ذكر الابيات كما في سيرة ابن هشام ، وقال خرجه في الروض الانف (ج 1 ص 220) وحرجه ابن كثير في تاريخه (ج 3 ص 87) وخرجه في طلبة الطالب (ص 10) .

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 65 _

  (قال المؤلف) وخرجه السيد في (الحجة على الذاهب ص 39) وذكره في كتاب هشام وامية (ص 172) وذكره في كتاب إيمان ابي طالب (ص 15) وخرجه في المناقب (ج 1 ص 44 من الطبع الثاني) وفي (شيخ الابطح ص 35) وخرجه السيد في (اعيان الشيعة (ص 140 ص 141 من ج 39) وفي (متشابهات القرآن ج 2 ص 65) خرج بعض أبياتها في ضمن أبيات كثيرة فيها تصريح منه عليه السلام بانه آمن برسالة ابن اخيه محمد صلى الله عليه وآله .
  (قال المؤلف) فهل بعد اعترافه بالرسالة في الابيات السابقة ، وبعد اعترافه بالنبوة في الابيات اللاحقة يبقى مجال للشك في ايمانه عليه السلام ؟ والعجب ممن ينقل هذه الابيات وأمثالها لابي طالب عليه السلام ومع ذلك ينكر أو يتوقف في القول بايمانه عليه السلام ، راجع شرح النهج لابن ابي الحديد (ج 14 ص 82 الطبعة الثانية) تعرف المتوقف والمنكر .
   (ومن جملة أشعاره عليه السلام) الدالة على أيمانه وإسلامه أبيات بعثها عليه السلام إلى النجاشي ملك الحبشة يحرضه على نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، خرجها صاحب ناسخ التواريخ (ج 1) من الكتاب الثاني منه (ص 252) وهذا نصها :
تعلم  مليك  الحبش  إن iiمحمدا      نبي كموسى والمسيح ابن مريم
أتى  بالهدى  مثل الذي أتيا iiبه      فكل  بامر  الله  يهدي iiويعصم
  وإنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المرجم
وإنك  ما  يأتيك منا iiعصابة      بفضلك  الا  عاودوا iiبالتكرم
فلا  تجعلوا  لله ندا iiواسلموا      فان طريق الحق ليس بمظلم
  (قال المولف) خرج الحاكم في المستدرك (ج 2 ص 623) طبع حيدر آباد الابيات وفيها تصحيف ، واسقط منها البيت الخامس ، وهذا نصه :

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 66 _

  حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا احمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير عن ابن اسحاق قال : قال أبو طالب ابياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم ، وهي :
ليعلم   خيار  الناس  أن  محمدا      وزير لموسى والمسيح ابن مربم
أتانا   بهدي   مثل  ما  أتيا  iiبه      فكل   بامر  الله  يهدي  ويعصم
وانكم    تتلونه    في    iiكتابكم      بصدق حديث لا حديث iiالمترجم
وانك   ما   تأتيك  منا  iiعصابة      بفضلك   الا   أرجعوا  iiبالتكرم
  (وترك البيت الخامس) وخرج ما خرجه الحاكم العلامة السيد شمس الدين فخار بن معد المعاصر لابن ابي الحديد في كتابه الحجة على الذاهب إلى تكفير ابي طالب (ص 56) ولفظه في البيت الاول يساوي لفظه وفي بقية الابيات يساوي لفظه لفظ صاحب ناسخ التواريخ ، وفي أبياته تقديم وتأخير ، وفي بعض الكلمات اختلاف ، وهذا نصه في (ص 56 إلى ص 57) .
تعلم   خيار  الناس  أن  iiمحمدا      وزير لموسى والمسيح ابن مريم
أتى  بالهدى  مثل  الذي أتيا iiبه      فكل   بامر  الله  يهدي  ويعصم
وإنكم    تتلونه    في    iiكتابكم      بصدق حديث لا حديث iiالمترجم
فلا   تجعلوا   لله  ندا  iiوأسلموا      فان  طريق  الحق  ليس iiبمظلم
وإنك   ما   تأتيك  منا  iiعصابة      لقصدك   إلا   أرجعوا  iiبالتكرم
  (قال المؤلف) ثم قال السيد شمس الدين : فانظر أيها المنصف اللبيب ، والحازم الا ريب ، إلى هذه الشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه وزير لموسى والمسيح عليهما السلام ، وأنه أتى بالهدى مثل الذي أتيا به ، فهذا إيمان محض بالنبيين عليهم السلام واعتراف بما جاؤا به من الهدى (فكل بامر الله يهدي ويعصم) أي كل من محمد صلى الله عليه

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 67 _

  وآله وسلم وموسى والمسيح عليهما السلام يهدي ويعصم ، وقوله للنجاشي (وإنكم تتلونه في كتابكم) يريد أن الانجيل ، ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان النجاشي على دين النصرانية ، فهل فوق هذا التصديق أو أعظم منه تحقيق ؟ ثم يقول للنجاشي (فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا) أليس هذا أمر صريح منه بالتوحيد لله تعالى والاسلام الذي جاء به ابن اخيه صلى الله عليه وآله ، صريح بالتوحيد ، والنصرانية ليس فيها التوحيد فانهم يقولون بالتثليث (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا) ثم يقول عليه السلام (فان طريق الحق ليس بمظلم) أي ان طريق الحق الذي جاء به ابن اخيه محمد صلى الله عليه وآله ليس بمظلم ، فيا ليت شعري من يرى طريق الحق ليس بمظلم وانه واضح ، وهو سديد عاقل كيف يختار الضلال ، نعوذ بالله من اتباع الهوى المورد لظى النار ، الموجب لغضب الجبار (إنتهى كلام شمس الدين) وما وقع بين هلالين من زيادة المؤلف للشرح والتوضيح .
  (وخرج) العلامة ابن شهر اشوب في كتابه متشابهات القرآن (ص 65) بيتين منها ، ولفظه فيهما يختلف مع ما في ناسخ التواريخ وما في مستدرك الحاكم ، وما في (الحجة على الذاهب) وهذا نص الفاظه :
تعلم   أبيت  اللعن  أن  iiمحمدا      نبي كموسى والمسيح ابن مريم
أتى  بالهدى  مثل الذي أتيا iiبه      فكل  بحمد  الله  يهدي iiويعصم
  (قال المؤلف) لم يذكر العلامة ابن شهر اشوب بقية الابيات لشهرتها وخرج في كتابه المناقب (ج 1 ص 44) شطرا من البيت الاول قال : وكتب (أبو طالب عليه السلام) إلى النجاشي : (تعلم أبيت اللعن ان محمدا) الابيات ، فاسلم النجاشي ، وكان قد سمع مذاكرة جعفر (بن ابي طالب عليهما السلام) وعمرو بن العاص ، ونزل فيه (وإذا سمعوا

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 68 _

  ما أنزل إلى الرسول) إلى قوله (جزاء المحسنين) سورة المائدة (5) آية (86) إلى (88) .
  (قال المؤلف) ان مذاكرة جعفر بن ابي طالب عليهما السلام مع عمرو بن العاص عند النجاشي في الحبشة ذكرها علماء أهل السنة والامامية عليهم الرحمة في تفاسيرهم المفصلة ، وذكرها جلال الدين السيوطي الشافعي في (الدر المنثور : ج 2 ص 307) وذكرها ايضا العلامة السيد هاشم البحراني في البرهان (ج 1 ص 302) طبع ايران ، وذكرها غيرهما والمقام لا يسع ذكرها لانها مفصلة ، ومن جملة من خرج الابيات السيد المقرم في كتابه العباس بن امير المؤمنين (ص 22) طبع النجف الاشرف ، والعلامة الامين العاملي في الاعيان (ج 16 ص 19) والطبرسي في مجمع البيان (ج 7 ص 36) والمرحوم السيد محمد علي شرف الدين في كتابه شيخ الابطح (ص 87 ص 88) طبع بغداد سنة 1349 ه‍ ، وفي ايمان أبي طالب (ص 18) للشيخ المفيد طبع النجف الاشرف سنة 1373 ه‍ ، وفي البحار (ج 6 ص 521) طبع طهران ، وخرجها الخنيزي في كتابه (أبو طالب مؤمن قريش) ص 183 طبع ثاني بيروت سنة 1381 ه‍ والحقه ببيان لطيف متين متقن يثبت ايمان ابي طالب عليه السلام لطالب الحق ، راجعه (قال المؤلف) إن أبا طالب عليه السلام إضافة إلى انه كان يؤمن بنبوة ابن اخيه محمد صلى الله عليه وآله يطلب من ملك الحبشة النجاشي الدخول في الاسلام فاسلم وترك الشرك ، فهل ترى أحدا يشرك بالله تعالى يرغب غيره في ترك الشرك والاعتراف بالاسلام وقبوله .
  كلا ثم كلا ، ومن المعلوم الواضح لدى من له اطلاع بالتاريخ وعلى الاخص تاريخ حياة عبد المطلب وأبي طالب عليهما السلام أن ابا طالب وعبد المطلب كانا مؤمنين متدينين بدين ابيهم ابراهيم عليه السلام إلى أن ولد

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 69 _

  نبينا محمد صلى الله عليه وآله ولما ولد صلى الله عليه وآله آمنا به وبما جاء به ، لانهم سمعوا من علماء عصرهم أنه يأتي رسول في الحجاز من قريش أن ابويه يموتان ويبقى يتيما في حجر جده وعمه إلى ان يبعث ، فلذلك ما زالا يخبران الناس أنه صلى الله عليه وآله له نبأ عظيم ، وكانا يأمران أولادهما وأقرباءهما باتباعه ، وكانا يصران على ذلك ، كما تقدم فيما ذكرناه من وصاياهما عليهما السلام ، وحيث أنهما آمنا بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وماتا على ذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبر عن حالهما في الاخرة ، وكان بيين لاصحابه علو مقامهما في الآخرة ، فاليك بعض ذلك : ففي كتاب (الدر المنثور ج 6 ص 409) طبع مصر سنة 1314 ه‍ خرج بسنده عن ابي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : بعثت ولي أربعة عمومة ، فأما العباس فيكنى بابي الفضل إلى يوم القيامة ، وأما حمزة فيكنى بابي بعلى فأعلى الله قدره في الدنيا والاخرة ، وأما عبد العزى فيكنى بابي لهب فادخله الله النار وألهبها عليه وأما عبد مناف فيكنى بابي طالب فله ولولده المطاولة والرفعة إلى يوم القيامة .
  (قال المؤلف) تأمل في الحديث تعرف الحق وتعرف أحوال أعمام النبي صلى الله عليه وآله بما بينه وصرح به صلى الله عليه وآله ، فانه مدح المؤمنين منهم ودعا على الكافرين منهم ، فلو كان أبو طالب عليه السلام مشركا كابي لهب لدعا عليه وذمه فانه صلى الله عليه وآله كان في بياناته مبينا للحق والصواب لم يراع القرابة ، فلو كان يراعي القرابة لما ذم أبا لهب ودعا عليه بما تقدم ، وفي كتاب شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد الشافعي (ج 14 ص 68 طبع ثاني) قال احتجوا في اسلام آباء النبي صلى الله عليه

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 70 _

  بما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام انه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث الله عبد الله المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك .
  (قال المؤلف) اخنصر ابن ابي الحديد الحديث فنسبه إلى الامام جعفر بن محمد عليهما السلام ، ولا يخفى أن علوم الائمة كلهم كان من علوم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتارة كانوا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وكذا ، وتارة كانوا يذكرون الحديث من دون أن ينسبوه إلى جدهم صلى الله عليه وآله وعلى كل حال يظهر من هذا الحديث ان لعبد المطلب عليه السلام مقاما رفيعا عند الله ، وذلك لايمانه بالله وإسلامه بدين أبيه ابراهيم عليه السلام وكان عليه السلام يعترف بذلك حين يسأل وعند الممات ، واليك بعض ما كان يعرفه عبد المطلب عليه السلام من أحوال سبطه صلى الله عليه وآله وسلم لعلك تعرف ما كان يعتقده من أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه كان مؤمنا به قبل بعثتة صلى الله عليه وآله .
  (في الخصائص الكبرى) لجلال الدين السيوطي الشافعي (ج 1 ص 81 ص 82) ذكر تحت عنوان (باب معرفة عبد المطلب بشأن النبي صلى الله عليه وآله) قال : أخرج ابن اسحاق ، والبيهقي ، وابو تعيم من طريقه ، قال : حدثتي العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض اهله قال : كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يوخرونه ، فيقول جده عبد المطلب دعوا ابني فيمسح على ظهره ويقول : ان لابني هذا لشأنا ، قال : فتوفي عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وآله ابن ثمان سنين ، وأوصى به

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 71 _

  ابا طالب ، قال : وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء عن ابن عباس مثله وزاد (عليه قوله) دعوا ابني يجلس عليه فانه يحسن من نفسه بشئ وأرجو أنه يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده .
  (وفيه ايضا ج 1 ص 81) قال : اخرج ابن سعد (في الطبقات) وابن عساكر (في تاريخه) عن الزهري ومجاهد ونافع بن جبير ، قالوا : كان النبي صلى الله عليه وآله يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب : دعوا ابني إنه ليونس ملكا ، وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب : احتفظ به فانا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه ، وقال عبد المطلب لام أيمن : يابركة لا تغفلي عنه فان أهل الكتاب يزعمون أن ايني نبي هذه الامة (واليك ايضا) بعض ما كان يعرفه عبد المطلب عليه السلام من أحوال سبطه وابن ابنه صلى الله عليه وآله وسلم غير ما تقدم .
  وإخبار الاسقف بنبوته .
  (وفيه ايضال ج 1 ص 81) قال : خرج أبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه قالوا : بينا عبد المطلب يوما في الحجر وعنده أسقف نجران وكان صديقا له وهو يحادثه .
  ويقول : انا نجد صفة نبي بقي من ولد اسماعيل ، هذا البلد مولده ، من صفته كذا وكذا ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إليه الاسقف والى عينيه والى ظهره وإلى قدميه .
  فقال : هو هذا ، ما هذا منك ؟ قال ابني قال : الاسقف لا ما نجد أباه حيا قال : هو ابن ابني ، وقد مات أبوه وأمه حبلى به ، قال صدقت ، قال : عبد المطلب لبنيه تحفظوا بابن اخيكم ، ألا تسمعون ما يقال فيه .

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 72 _

  (اخبار سيف بن ذي يزن لعبد المطلب بنبوة) (ابن ابنه بطريق آخر) (وفيه ايضا ج 1 ص 82) قال : أخرج البيهقي ، وابو نعيم وابن عساكر ، من طريق عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن عن أبيه قال : لما ظهر سيف بن ذي يزن على الحبشة ، وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بسنتين أتاه وفود العرب لتهنيه ، وأتاه وفد قريش منهم عبد المطلب فقال له سيف : يا عبد المطلب اني مفض اليك من سر علمي امرا لو غيرك يكون لم أبح له به ، ولكني رأيتك معدنه فاطلعتك (أي أعلمتك سره) فليكن عندك مخبيا حتى يأذن الله فيه ، إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون ، الذي ادخرناه لانفسنا ، واحتجبناه دون غيرنا ، خيرا عظيما ، وخطرا جسيما ، فيه شرف الحياة ، وفضيلة الوفاة للناس عامة ، ولرهطك كافة ، ولك خاصة ، فقال عبد المطلب ، ما هو ؟ قال : إذا ولد بتهامة ، غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الامامة ، ولكم به الزعامة ، إلى يوم القيامة ، ثم قال : هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد ، إسمه محمد ، يموت أبوه وأمه ، ويكفله جده وعمه ، وقد ولدناه مرارا ، والله باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، يعز بهم أولياءه ويذل بهم اعداءه ، ويصرف بهم الناس عن عرض ، ويستفتح بهم كرائم اهل الارض ، يعبد الرحمن ، ويدحر الشيطان ، ويخمد النيران ، ويكسر الاوثان ، قوله فصل ، وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله ، والبيت ذي الحجب ، والعلامات على النقب ، إنك جده يا عبد المطلب غير كذب ، فهل أحسست بشئ ، مما ذكرت لك ؟

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 73 _

  قال نعم ، أيها الملك ، إنه كان لي ابن وكنت به معجبا ، وعليه رفيقا واني زوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب فجاءت بغلام فسميته محمدا ، مات أبوه وأمه ، وكفلته أنا وعمه ، فقال له سيف إن الذي قلت لك كما قلت ، فاحفظه ، واحذر عليه اليهود ، فانهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا ، ولو لا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى اصير يثرب دار ملكي ، فاني أجد في الكتاب الناطق ، والعلم السابق ، أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصره وموضع قبره ، (وفي تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 10) قال : روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله) أنه قال : إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمة واحدة في هيئة الانبياء وزي الملوك .
  (قال المؤلف) فهل يبقى مجال للشك في إيمان عبد المطلب برسول الله صلى الله عليه وآله بعدما سمعه من سيف بن ذي يزن من أنه صلى الله عليه وآله نبي يرسل من بني هاشم وهو ابن ابن عبد المطلب عبد الله عليهم السلام ، والحق أن يقال إن عبد المطلب وأبا طالب عليهما السلام آمنا به صلى الله عليه وآله قبل بعثته لما علموا من أحواله من أخبار سيف بن ذي يزن وقول الاحبار والرهبان وغيرهم ، ولذلك ، كانوا سلام الله عليهم يخبرون أولادهم وغيرهم بأنه صلى الله عليه وآله له نبأ عظيم وشأن جسيم وأنه يبلغ من الشرف ما لم يبلغه أي عربي قبله وبعده ، وغير ذلك من كلماتهم الدالة على علو شانه ورفيع مقامه ، واليك بعض ما أخبر به أبواطلب عليه السلام من أحوال النبي صلى الله عليه وآله .

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 74 _

  (بعض ما اخبر به الاحبار والرهبان من أحوال النبي) (صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب ولغيره) (الخصائص الكبرى ج 1 ص 84) طبع حيدر آباد الدكن قال : اخرج البيهقي عن ابن اسحاق قال : كان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد جده ، فخرج في ركب من الناس إلى الشام وخرج به (صلى الله عليه وآله) معه فلما نزل الركب بصرى وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له ، وكان أعلم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم (1) عن كتاب فيما يزعمون يتوارثونه ، كابرا عن كابر ، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا ، وكائوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يتعرض لهم حتى إذا كان ذلك العام ، نزلوا قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك فيما يزعمون عن شئ رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامة بيضاء تظله (صلى الله عليه وآله) من بين القوم ثم اقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه ، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتهصرت (أي تدلت ومالت) أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ، ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم ، وعبدكم ، فقال له رجل منهم : يا بحيرا

--------------------------------
(1) أي لم يزل يكون في هذه الصومعة راهب ينتهي إليه علم النصرانية . [=]

أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 75 _

  إن لك اليوم لشانا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم ؟ فقال بحيرا : صدقت قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده ، فقال : يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا ، قالوا له : يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك ، إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالهم ، قال : فلا تفلعوا أدعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، فقال رجل من قريش مع القوم : واللات والعزى ان هذا للؤم بنا ان يتخلف ابن عبد الله ابن عبد المطلب عن الطعام من بيننا ، قال : ثم قام إليه عمه الحرث بن عبد المطلب كما في السيرة النبوية بهامش ص 105 من السيرة الحلبية ط 2 سنة 1329 فاحتضنته ثم اقبل به حتى أجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى فرغ القوم من الطعام ، وتفرقوا ، قام بحيرا فقال له يا غلام اسألك بالات والعزى إلا ما أخبرتني عما اسألك عنه ، وإنما قال له بحيرا ذلك لانه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول الله (ص) مثلهم فقال له : لا تسألني باللات والعزى شيئا قط فوالله ما أبغضت بعضهما شيئا قط ، فقال له بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، فقال : سلني عما بدا لك ، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره ، فجعل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده ، قال : فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له : ما هذا