الغلام منك ؟ فقال : ابني ، فقاله له بحيرا : ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا ، قال : فانه ابن أخي قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حبلى به ، قال : صدقت ، إرجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فانه كائن لابن أخيك هذا شأن ، فاسرع به إلى بلاده ، فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ، قال : فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء ، فردهم عنه بحيرا ، وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم ، وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا .
وقال أبو طالب في ذلك أبياتا منها :
فما رجعوا حتى رأوا من محمد أحاديث تجلو غم كل iiفؤاد وحتى رأوا أحبار كل iiمدينة سجودا له من عصبة iiوفراد زبيرا وتماما وقد كان شاهدا دريسا وهموا كلهم iiبفساد فقال لهم قولا بحيرا iiوأيقنوا له بعد تكذيب وطول عناد كما قال للرهط الذين iiتهودوا وجاهدهم في الله كل جهاد فقال ولم يترك له النصح iiرده فان له إرصاد كل iiمصاد فاني أخاف الحاسدين iiوإنه لفي الكتب مكتوب بكل مداد
قال جلال الدين السيوطي الشافعي في الخصائص (ج 1 ص 85) طبع حيدر آباد كن : وأخرج أو نعيم عن الواقدي عن شيوخه مثله (أي مثل ما أخرجه البيهقي) قال : وفيه هذه الزيادة : وجعل ينظر إلى الحمرة في عينيه ثم قال لقومه : أخبروني عن هذه الحمرة تأتي وتذهب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 77 _
أولا تفارقه ، قالوا : ما رأيناها فارقته قط ، وسأله عن نومه فقال : تنام عيناي ولا ينام قلبي ، قال : وفيه بعد قوله كائن لابن لاخيك هذا شأن نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا وقد أخذ علينا مواثيق قال أبو طالب : من أخذ عليكم المواثيق قال : الله أخذا علينا ونزل به على عيسى ابن مريم ، قال : وأخرج ابن سعد مثله بطوله عن داود بن الحصين ، وفيه إن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم كان ابن ثنتي عشرة سنة (أي حين سافر مع عمه إلى الشام) ، وفي تاريخ أبي الفداء (ج 1 ص 119) قال كان عمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وفي تاريخ اليعقوبي (ج 2 ص 10 ، قال خرج به (عمه أبو طالب) إلى بصرى من أرض الشام وهو ابن تسع سنين ، قال : والله لا اكلك إلى غيري وفي التاريخ الكبير للطبري (ج 2 ص 195) خرج نحوه وقال : خرجه هشام بن محمد ، وفي أسنى المطالب (ص 13) أخرج ذلك وقال إن أبا طالب سافر إلى الشام وكان عمر النبي صلى الله عليه وآله إذ ذاك تسع سنين فصحبه معه فرآه بحيرا الراهب بفتح الباء ورأى فيه علامات النبوة فاخبر عنه أبا طالب وأمره بأرجاعه إلى مكة مخافة عليه من اليهود ، فرده إلى مكة .
(وفي الخصائص ايضا ج 1 ص 85) قال : أخرج أبو نعيم عن علي قال : خرج أبو طالب في تجارة إلى الشام في نفر من قريش وأخذ معه النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما أشرفوا على پحيرا الراهب في وقت قيظ وحر رفع الراهب بصره فإذا غمامة تظل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم من بين من معه من الشمس فصنع بحيرا طعاما ودعاهم إلى صومعته فلما دخل النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم الصومعة أشرقت الصومعة نورا فقال بحيرا : هذا نبي الله الذي يرسله من العرب إلى الناس كافة .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 78 _
(وفيه ايضا ص 85) قال : أخرج ابن سعد وابن عساكر عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سار أبو طالب إلى الشام والنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم معه فنزلوا على صاحب دير فقال صاحب الدير (لابي طالب عليه السلام) : ما هذا الغلام منك ؟
قال : ابني قال : ما هو بابنك ولا ينبغي أن يكون له أب حي ، قال فلم ؟ قال لان وجهه وجه نبي وعينه عين نبي قال : وما النبي ؟
قال : الذي يوحى إليه من السماء فينبئ به أهل الارض ، قال : الله أجل مما تقول ، قال : فاتق عليه اليهود ، قال : ثم خرج حتى نزل براهب أيضا صاحب دير فقال : ما هذا الغلام منك ؟
قال ابني ، قال : ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له اب حي قال ؟ ولم ذاك ؟
قال : لان وجهه وجه نبي وعينه عين نبي قال سبحان الله ، الله أجل مما تقول ، قال : يابن أخي ألا تسمع ما يقولون ؟
قال : أي عم لا تنكر لله قدره .
(قال المؤلف) يظهر من هذه الاحاديث أن أبا طالب عليه السلام كان عالما بنبوة ابن أخيه قبل أن يبعثه الله ، وكان يعتقد ذلك ولذلك كان يوصي أولاده وأقرباءه بملازمته ونصرته في إثبات دعوته حين بعث صلى الله عليه وآله ، وكان يأمرهم باتباعه .
(قال المؤلف) ومن اشعاره عليه السلام الدالة على إيمانه وعلو مقامه ما خرجه في المناقب وغيره وقال : روي عن علي عليه السلام أنه قال : قال لي أبي : يا بني إلزم ابن عمك فانك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل ، ثم قال لي كما في شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 85 طبع ثاني :
ان الوثيقة في لزوم محمد فاشدد بصحبته علي يديكا
(قال المؤلف) وقد تقدم أنه عليه السلام وصى عليا عليه السلام
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 79 _
وجعفرا معا بملازمة الرسول الاكرم ونصرته وعدم خذلانه ، وقال :
إن عليا وجعفرا ثقي عند ملم الزمان والنوب
وهذه الابيات خرجها في ديوانه (ص 42) وهي ثلاثة أبيات وفيها تصريح بنبوة النبي صلى الله عليه وآله ، فهل يشك في إبمان من كان كلامه هذا ؟ وهل الاقرار بالنبوة في الشعر والنثر يختلف في الاثر فلا يعتبر في الشعر ؟ هذا وقد خرج الابيات الثلاثة ابن أبي الحديد الشافعي في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 26 طبع ثاني) ثم قال : وقد جاءت ، الرواية أن أبا طالب (عليه السلام) لما مات جاء علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : فآذنه بموته ، فتوجع (رسول الله صلى الله عليه وآله) عظيما وحزن شديدا ثم قال له (أي لعلي عليه السلام) : إمض فتول غسله .
فإذا رفعته على سريره فاعلمني ، ففعل (ذلك علي عليه السلام) فاعترضه (أي جاء إلى تشييعه) رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محمول على رؤوس الرجال . فقال ، وصلتك رحم يا عم ، وجزيت خيرا ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، وآزرت كبيرا ، ثم تبعه (مشيعا) إلى حفرته ، فوقف عليه فقال ، أما والله لاستغفرن لك ، ولاشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان ثم قال ابن أبي الحديد كلاما مفصلا .
ومن جملته انه لا يجوز للنبي أن يرق لكافر (كما تدعيه بنو أمية وأتباعهم) ولا (يجوز للنبي صلى الله عليه وآله) أن يدعو له بخير (أي لا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله ان يدعو إلا لمسلم) ولا (يجوز للني صلى الله عليه وآله) أن يعده (أي يعد من ليس بمؤمن) بالاستغفار والشفاعة ، قال ، ولم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا على خديجة عليها السلام ، لان صلاة الجنازة لم تشرع بعد
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 80 _
وإنما كان تشبيع ورقة ودعاء .
(قال المؤلف) يفكي في إثبات إيمان أبي طالب عليه السلام دعاؤه صلى الله عليه وآله له إذ لو لم يكن مؤمنا ما كان يجوز له أن يدعو له أو يرق عليه أو يشيعه ، وفي تاريخ اليعقوبي (ج 2 ص 26) خرج دعاء النبي صلى الله عليه وآله لعمه بعد موته ومشايعته له وحزنه عليه ، ويأتي ذلك مفصلا ، ولا يخفى أن هذه الابيات الثلاثة المتقدمة أخرجها في ديوان أبي طالب عليه للسلام مع اختلاف وتقديم وتأخير ، وهذا نصه : قال أبو هفان عبد الله بن أحمد المهزمي : وأنشدني خالد بن حمل عن عبد الكريم الباهلي لابي طالب :
والله لا أخذل النبي iiولا يخذله من بني ذو iiحسب إن عليا وجعفرا iiثقة وعصمة في نوائب iiالكرب لا تقعدا وانصرا ابن عمكما أخي لامي من بينهم iiوأبي
(ثم قال) وحدثني أبو العباس المبرد ، قال : حدثني ابن عائشة قال : مر أبو طالب برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عن يمينه وجعفر مع أبي طالب يكتمه إسلامه فضرب عضده وقال اذهب فصل جناح ابن عمك ، وقال :
ان عليا وجعفرا iiثقتي عند احتدام الامور iiوالكرب أراهما عرضة اللقاء iiلذا ساميت أو انتمي إلى iiحرب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما أخي لامي من بينهم iiوأبي
(قال المؤلف) ومن اشعار أبي طالب عليه السلام وقد نسبه إليه الطبري والبلاذري والضحاك ، كما ذكره في المناقب لابن شهر اشوب (ج 1 ص 42) وهذا نص الفاظه .
قال الطيري والبلاذري والضحاك قالوا : لما رأت قريش حمية قومه
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 81 _
(أي قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وذب عمه أبو طالب عنه جاؤا إليه وقالوا جئناك بفتى قريش جمالا وجودا وشهامة .
عمارة بن الوليد تدفعه اليك يكون نصره وميراثه لك وندفع مع ذلك من عندنا مالا .
وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا وسفه أحلامنا فنقتله ، فقال : والله ما أنصفتموني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وتأخذون ابني تقتلونه ؟ هذا والله ما لا يكون أبدا ، أتعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره ؟
ثم نهرهم فهموا باغتياله فمنعهم أبو طالب من ذلك وقال فيه :
حميت الرسول رسول الآله = بيض تلالا مثل البروق
أذب وأحمي رسول الآله = حماية عم عليه شفيق
ثم ذكر في المناقب (ج 1 ص 43 (وقال : وأنشد (أبو طالب عليه السلام) وقال :
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى = وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم إلينا أحمدا واكفلن لنا = بنيا ولا تحفل بقول المعائب
فقلت لهم الله ربي وناصري = على كل باغ من لوي بن غالب
(قال المؤلف) لا يخفى على أي عاقل تارك للتعصب تصريحات أبي طالب عليه السلام برسالة ابن أخيه وإظهارة الايمان به علاوة على ما أظهره من أنه يحاميه ولا يترك احدا يؤذيه كائنا من كان ، ولا يخفى أيضا على من راجع تاريخ حياة أبي طالب عليه السلام وما كان يبديه عليه السلام في نصرة ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما ذكره في المناقب ذكره غيره من علماء أهل السنة ، وهم جماعة غير أنهم ذكروا القضية ولم يذكروا أشعار أبي طالب عليه السلام المتقدمة .
(منهم) ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي فانه خرج في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 55) وقال : قال محمد بن اسحاق : ثم إن قريشا
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 82 _
حين عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وإسلامه إليهم ، ورأوا جماعة على مفارقتهم وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان أجمل فتى في قريش فقالوا له : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش وأجمله فخذه اليك .
فاتخذه ولدا فهو لك ، وسلم لنا هذا ابن أخيك الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك لنقتله فانما هو رجل برجل ، فقال أبو طالب : والله ما أنصفتموني ، تعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ؟ هذا والله ما يكون أبدا ، فقال له المطعم بن عدي بن نوفل وكان صديقا مصافيا والله يا أبا طالب ما أراك تريد أن تقبل من قومك شيئا ، لعمري قد جهدوا في التخلص مما تكره ، وأراك لا تنصفهم ، فقال أبو طالب : والله ما أنصفوني ولا أنصفتني ، ولكنك قد أجمعت على خذلاني ، ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك .
(قال المؤلف) إلى هنا ذكر ابن أبي الحديد القضية وترك أشعار ابي طالب عليه السلام .
(ومنهم) ابن هشام فانه خرج ما خرجه ابن أبي الحديد مع اختلاف في بعض ألفاظه ، وفيه زيادة لا تغير المعنى فالاولى تركه فمن أراد ألفاظه فليراجع سيرة ابن هشام (ج 1 ص 245 طبع مصر سنة 1329 ه) ثم قال ابن هشام في سيرته بعد قوله لمطعم : فاصنع ما بدا لك أو كما قالوا قال : فحقب الامر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا فقال أبو طالب عند ذلك يعرض بالمطعم بن عدي ويعم من خذله من عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 83 _
ألا قل لعمرو والوليد بن iiمطعم ألا ليت حظي من حياضكم iiبكر من الخور حجاب كثير iiرغاؤه يرش على الساقين من بوله iiقطر تخلف خلف الورد ليس بلاحق إذا ما علا الفيفاء قيل له iiوبر أرى أخوينا من أبينا iiوأمنا إذا سئلا قالا إلى غيرنا iiالامر بلى لهما أمر ولكن تجر iiجما كما جرجمت من رأس ذي علق صخر أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا هما نبذانا مثل ما ينبذ iiالجمر هما أغمزا للقوم في iiأخويهما فقد أصبحا منهم أكفهم iiصفر هما أشركا في المجد من لا أبا iiله من الناس إلا ان يرس له iiذكر وتيم ومخزوم وزهرة iiمنهم وكانوا لنا مولى إذا بغي iiالنصر فوالله لا ينفك منا عداوة ولا منهم ما كان من نسلنا شفر فقد سفهت أحلامهم iiوعقولهم وكانوا كجفر بئس ما صنعت iiجفر
قال ابن هشام : تركت منها بيتين أقذع فيهما ، ثم قال ابن اسحاق : ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، الذين أسلموا معه ، فوثب كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ، ومنع الله رسول الله صلى الله عليه وآله منهم بعمه ابي طالب ، وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله والقيام دونه فاجتمعوا إليه ، وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون ، فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه ، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم ، ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحدبوا معه على أمره فقال :
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 84 _
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر فعبد مناف سرها iiوصميمها فان حصلت أشراف عبد iiمنافها ففي هاشم أشرافها iiوقديمها وإن فخرت يوما فان محمدا هو المصطفى من سرها iiوكريمها تداعت قريش غثها iiوثمنيها علينا فلم تظفر وطاشت iiحلومها وكنا قديما لا نقر iiظلامة إذا ما ثنوا صعر الخدود iiنقيمها ونحمي حماها كل يوم iiكريهة ونضرب عن أحجارها من يرومها بنا انتعش العود الذواء iiوانما باكنافنا تندى وتنمى iiأرومها
(قال المؤلف) : قال ابن هشام في القطعة المتقدمة ترك مها بيتين أقذع فيهما (أي أبو طالب عليه السلام) وقد ترك بيتين أيضا من هذه القطعة مقد خرجهما في ديوانه (أبو هفان عبد الله بن احمد) وهذا لفظه فيهما :
هم السادة الاعلون في كل iiحالة لهم صرمة لا يستطاع iiقرومها يدين لهم كل البرية طاعة ويكرمها ما الارض عندي أديمها
(قال المؤلف) : وأما القطعة السابقة فقد أخرجها أبو هفان في ديوانه عليه السلام ، وفيها زيادة في الابيات واختلاف في الترتيب واليك نصها :
ألا ليت حظي من حياطة iiنصركم بان ليس لي نفع لديكم ولا ضر وسار برحلي فاطر الناب iiجاشم ضعيف القصيري لا كبير ولا بكر
الجاشم المتكاره علي السير والقصيري أضعف الاظلاع .
من الحور حتحات كثير iiرغاؤه يرش على الحاذين من بوله قطر
(أي من نتاج الخوار ، وهي الغزارة الواحدة خوارة ، والحاذان باطنا الفخذ .
يخلف خلف الورد ليس بلاحق إذا ما علا الفيفاء قيل له iiوبر
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 85 _
(قال أبو محلم) لثقته أنه يلحق ، وان قال ليس بلاحق ، والفيفاء الصحراء الممتدة ، والوبرة دابة تكون بجبال تهامة وتجمع وبرا ووبارا قال جرير :
تطلى وهي سيئة المعرى بعين الوبر تحسبه iiملابا أرى أخوينا من أبينا وأمنا إذا سئلا قالا إلى غيرنا
الامر (قال) يريد بني نوفل بن عبد مناف وعبد شمس بن عبد مناف .
بلى لهما أمر ولكن iiترجما كما رجمت من رأس ذي العلق الصخر
(قال) الترجم القول بالظن لانه يرمى به على غرر كالحجر ، والعلق الذي يتعلق بحجارته في المرمى إليه .
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا هما نبذانا مثل ما نبذ الجمر وما ذاك إلا سؤدد خصنا iiبه آله العبا واصطفانا له iiالفخر هما غمزا للقوم في أخويهما فقد أصبحا منهم أكفهم iiصفر هما أشركا في المجد من لا أبا iiله من الناس إلا أن يرس له iiذكر
قال الرس هو الذكر الخفي أخذ من الرس وهو القبر والبرء (قال) يريد الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لوي ، وكان الوليد من العظماء المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وآله ومن الذين مشوا إلى أبي طالب في أمر النبي صلى الله عليه وآله ، ونزل فيه قوله تعالى (ذرني ومن خلقت وحيدا) الآية في سورة المدثر (74) آية (11)
وتيم ومخزوم وزهرة iiمنهم وكانوا لنا أولى إذا بغي iiالنصر فقد سفهت أحلامها iiوعقولها وكانوا كجعر بئسما صنعت جعر
(قال) يريد السلح أي هم قذرى كهذا
فوالله لا تنفك منا iiعداوة ولا منهم ما دام من نسلنا شقر
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 86 _
(قال المؤلف) قال العلامة زيني دحلان الشافعي في كتابه أسنى المطالب (ص 21 من الطبع الثاني) : ومن غرر مدائح أبي طالب للنبي صلى الله عليه وآله الدالة على تصديقه إياه قوله :
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر فعبد مناف سرها iiوصميمها
فخرج ثلاثة أبيات آخرها (هو المصطفى من سرها وكريمها) ولم يخرج بقية الابيات السبعة التي خرجها ابن هشام ، وقد تقدمت جميعها (ثم قال) زيني دحلان : وهذا موافق لقوله صلى الله عليه وآله واصطفاني من بني هاشم (قال البرزنجي) وهذا نطق بالوحي قبل صدوره من النبي صلى الله عليه وآله فانه صلى الله عليه وآله أخبر بذلك بعد مدة من قول أبي طالب ، والحديث وحي كالقرآن فثبت بهذه الاخبار والاشعار أن أبا طالب كان مصدقا بنبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك كاف في نجاته (قال القرافي) في شرح التنقيح عند قول أبي طالب :
وقد علموا ان ابننا لا iiمكذب لدينا ولا يعزى لقول الا باطل
إن هذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان ، وان أبا طالب ممن آمن بظاهره وباطنه (برسالة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله) وكان يقول : إني أعلم أن ما يقول ابن أخي حق (قال) ولم يذعن ظاهرا خوفا من أن قريش لا تقبل حمايته (للنبي صلى الله عليه وآله) قال : وقوله (في بعض الاحيان) لو لا أخاف أن تعيرني نساء قريش (لتظاهرت بالاسلام) إنما قال ذلك تعمية على قريش ليوهم عليهم أنه على دينهم وهذا عذر صحيح بلغ به تمكين النبي صلى الله عليه وآله وتثبيت نبوته والدعوة إلى ربه (ثم قال) : وهذا الذي اخترناه من كون نجاة أبي طالب لما كان عنده من التصديق الكافي في النجاة في الآخرة هو طريق المتكلمين
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 87 _
من أئمتنا الاشاعرة ، وهو ما دلت عليه أحاديث الشفاعة ، وأحاديث الشفاعة كثيرة ، وكلها فيها تصريح بأنها لا تنال مشركا : وقد نالت الشفاعة أبا طالب فدل ذلك على عدم إشراكه .
(بعض ما قيل في الاحاديث المكذوبة في حق) (مؤمن قريش) (قال المؤلف) انتهى كلام العلامة زيني دحلان الشافعي مع الاختصار ، ومن أراد التفصبل فليراجع كتابه (أسنى المطالب) (ص 21) فيراه يثبت ايمان أبي طالب بابن أخيه بادلة عقلية ونقلية ، ويؤل الاحاديث التي استدلوا بها على ترك أبي طالب عليه السلام وعدم ايمانه ، ولو أفسدها بالجرح في أسانيد الاحاديث كان أولى وأثبت للمقصود ، فان جميع ما روي في عدم إيمان أبي طالب عليه السلام أسانيدها واهية ورواتها غير مأمونين لانهم من أعداء محمد وآل محمد صلى الله عليه وعليهم ، ولو راجعت أحوالهم تراهم من الكذابين والوضاعين منهم (محمد بن يحيى) وهو ابن رزين المصيصي ، وقد قال الذهبي في ميزان الاعتدال (ج 3 ص 147) في حقه أنه دجال يضع الحديث ، وهذا نصه : قال ابن حبان : محمد بن يحيى بن رزين يضع الحديث ، روى عن عثمان بن عمرو ابن فارس عن كهمس عن الحسن عن انس مرفوعا : كل ما في السماوات والارض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن ، وذلك أنه منه واليه يعود ، وسيجئ قوم من أمتي يقولون : القرآن مخلوق فمن قاله منهم فقد كفر وطلقت امرأته منه (وهذا الحديث من موضوعاته) .
(قال المؤلف) جميع علماء الامامية وكثير من علماء السنة
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 88 _
قائلون بأن القرآن مخلوق وفي القرآن آيات عديدة تدل على ذلك ، وهذا المقام لا يناسب بيان ذلك ، ومن علماء السنة القائلين بخلق القرآن المأمون العباسي وجماعة آخرون . (ومن جملة) رواة حديث النفس الزكية كما في كتاب (شيخ الابطح) ص 81 ، هو عثمان بن سعيد بن سعد المدني وهذا سعيد من مجاهيل الرواة .
(ومن جملة) رواة الحديث (محمد بن بشير) فقد ذكر في ميزان الاعتدال (ج 3 ص 31) رجلين بهذا الاسم وكلاهما لا يعتمد عليهما قال الذهبي : محمد بن بشير بن عبد الله القاص ، قال ابن معين : ليس بثقة و (محمد بن بشير بن مروان) قال يحيى : ليس بثقة ، وقال الدار قطني ليس بالقوي في حديثه ، وأبو عبد الرحمن وابن أبي حرب والحاكم ابن صدقة ليس لهم ذكر في كتب الرجال فهم مجهولون (قال المؤلف) جميع ما روي في أبي طالب عليه السلام من الاحاديث المنافية لرفيع مقامه عليه السلام مختلفة وأسانيدها واهية باعتراف علماء السنة ، والعجب كل العجب من مثل ابن أبي الحديد وزيني دحلان وأمثالهما مع اطلاعهم على الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل البيت عليهم السلام في حق أبي طالب عليه السلام ، وهي أحاديث تثبت له المقام الرفيع في الدنيا والآخرة ، ومع اطلاعهم على ما قام به عليه السلام من بذل نفسه ونفيسه من أولاده وعشيرته في نصرة ابن أخيه صلى الله عليه وآله ومشاركته في نشر ما جاء به من عند ربه من الدين الحنيف وأمره اولاده وذويه في القيام معه في ترويج ما جاء به من الشريعة الاسلامية ، ومع ما عرفوه من أشعاره الكثيرة الصريحة في إيمانه مع ذلك كله يتخذون الاحاديث المروية من أعداء أبي طالب عليه السلام
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 89 _
بل أعداء بن هشام صحيحة ، ويتعسفون في توجيهها بتوجيهات واهية فهذا العالم المطلع على حياة أبي طالب عليه السلام وعلى ما روي من أولاده في حقه عليه السلام تراه يقول في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 82) طبع ثاني ، ما هذا نص الفاظه .
( فاما أنا فان الحال ملتبسة عندي ، والاخبار متعارضة ) .
(قال ابن أبي الحديد) : يقف في صدري رسالة النفس الزكية إلى المنصور (العباسي) وقوله فيها ، ( فأنا ابن خير الاخيار ، وأنا ابن شر الاشرار وأنا ابن سيد أهل الجنة ، وان ابن سيد أهل النار ) .
(قال) فان هذه شهادة منه على أبي طالب وهو ابنه وغير متهم عليه ، وعهده قريب من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا ، (قال المؤلف) النفس الزكية ، هو محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الامام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، لقب بالنفس الزكية وقتل في سنة (145 ه) بأمر المنصور قتله ولي عهد المنصور عيسى بن موسى كما في مقاتل الطالبين (ص 232) وذلك لما ثار على المنصور بعد أن قتل أباه بالكوفة وقتل معه مائتين وخمسين رجلا من أصحابه .
(قال المؤلف) بعد المراجعة إلى رواة هذا الحديث المختلق المكذوب تراهم لا يزيدون على خمسة ، وهم عثمان بن سعيد بن سعد ، ومحمد بن يحيى ، وأبو عبد الرحمن ، والحكم بن صدقة بن بزار وابن أبي حرب .
وقد طعن أهل الجرح والتعديل في هؤلاء ، وقد تقدم ما قيل فيهم نقلا من كتب الرجال لعلماء أهل السنة فلا فائدة في تكرار ذلك ، هذا أولا وثانيا اختلاف الحديث المروي في الباب دليل آخر على أنه مكذوب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 90 _
ومنسوب إلى النفس الزكية راجع تاريخ الطبري (ج 6 ص 196) وتاريخ الكامل لابن الاثير (ج 5 ص 5) وكامل المبرد (ج 3 ص 1274 ص 1275) وكتاب المحاضرات ، وتاربخ الامم والدولة العباسية (ص 65) ترى الحديث مرويا فيها مع اختلاف في الفاظه ، وهو دليل آخر قوي على أنه حديث مختلق مكذوب لاجل غاية كانوا يطلبونها من أمير الشام وهو تشكيك الناس في إيمان مؤمن قريش عليه السلام الذي شاع الاسلام وبني الدين على ما قام به من نصرة ابن أخيه صلى الله عليه وآله ولولاه لما قام الدين ، ولم يتمكن النبي صلى الله عليه وآله من نشر دعوته الاسلامية ، هذا ولو تأملت في الفاظ الحديث المنسوب إلى النفس الزكية تراها ركيكة واهية ، فهل رأيت أحدا يفتخر بأهل النار ويقول أنا سيد أهل النار ، أو يفتخر بالاشرار ، ويقول أنا ابن شر الاشرار ، نعم لا يصدر هذا الافتخار إلا من مجنون لا يعقل ما يقول ، والنفس الزكية عليه السلام لم يكن مجنونا ، ولم تصدر منه هذه الكلمات ، وعلى الاخص في مقابل شخص كالمنصور الذي هو من أعدائه وأعداء آبائه عليهم السلام وفي حال قيامه بالحرب معه ، ونسأل المفتعل لهذا الحديث هل كان أبو طالب عليه السلام شر الاشرار أو خير الاشرار ؟ كما في بعض ألفاظ الحديث ، وهل في الشر خير حتى يكون أبو طالب عليه السلام خيرهم وهل لاهل النار سيد حتى يكون أبو طالب عليه السلام سيدهم ؟ .
فهل يقال لمن نصر الرسول الاكرم ، وقام في الذب عنه وحياطته شر الاشرار ؟ ولابي لهب وأبي جهل خير الاخيار ؟ وهما اللذان آذيا الرسول صلى الله عليه وآله بأنواع الاذى ، ولو تمكنوا على اكثر مما عملوا ما قصروا عنه .
(قال المؤلف) فلنرجع إلى فول ابن أبي الحديد حيث قال : وهو
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 91 _
أي النفس الزكية غير متهم عليه ، وعهده قريب من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا ، فيقال له فهل الرسول الاكرم وأمير المؤمنين وأولاده غير النفس الزكية متهمون فيما ذكروا وبينوا من أحوال جدهم أبي طالب عليه السلام ؟
فهل الامام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام متهم فيما بينه في حق جده عليه السلام ؟
فهل عهد أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده إلى الصادق عليه السلام عهدهم بعيد من جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومن جدهم أبي طالب عليه السلام ، فهل النفس الزكية لم يكن معاصرا لامام زمانه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ؟ وهل يقاس النفس الزكية بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أو باحد من أولاده المعصومين عليهم السلام حتى يتوقف لقوله ؟
وكل فرد من أفراد المسلمين المطلعين على حياة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليهم السلام لا يتوقف لقول من خالفهم سواء كان من أولادهم أو كان أجنبيا منهم ، فان علماء المسلمين المعاصرين لامير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين كالامام الحسن ، والامام الحسين ، والامام علي بن الحسين ، والامام محمد الباقر ، والامام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام جميعهم يعترفون بفضلهم ورفيع مقامهم في العلم إلا من اتبع هواه ، واطاع سلطان عصره من الامويين العباسيين الذين أظهروا عداءهم لهم ، وشردوهم وقتلوهم حسدا لما أعطاهم الله من المقام الرفيع في الدنيا في أنظار البشر ، فكانوا عليهم السلام هم السلاطين على قلوب البشر بل على جميع ما خلقه الله ، فلو أنصف ابن ابي الحديد لما تفوه بما قال : من أنه من المتوقفين في إيمان اكبر فرد من المؤمنين ، ومن لولاه ولو لا سيف ولده عليهما السلام لما عرف الله ووحد ، ولما تمكن النبي صلى الله عليه وآله من بث دعوته
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 92 _
وإرشاد الناس إلى الدين الحنيف ، وإن ابن أبي الحديد يعرف جميع ما ذكرناه حق المعرفة ، ويؤيد ما قلناه ، ويشهد بذلك ما نسب إليه من شعره حيث قال : مادحا لابي طالب عليه السلام ، وذلك لما أرسل معاصره السيد العلامة شمس الدين فخار بن معد الموسوي ما كتبه في إيمان أبي طالب وهو الكتاب الذي سماه (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب) أرسله إليه ليشهد على صحته وصحة ما فيه فكتب ابن أبي الحديد على ظهر الكتاب الابيات الآتية .
(قال المؤلف) وجدت في ترجمة المؤلف لكتاب (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب) ما هذا نصه : هو الامام شمس الدين أبو علي فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمد بن محمد ، المكنى بأبي الغنائم ابن الحسين شيتي بن محمد الحائري ابن ابراهيم المجاب ابن محمد العابد ابن موسى الكاظم عليه السلام ، كان عالما فقيها رجاليا نسابة راوية ، أديبا شاعرا كما ذكره الرجاليون والنسابون ، توفي سنة (630) في اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك ، وهدا ما وجد بخط حفيده علم الدين المرتضى علي بن جلال الدين عبد الحميد بن فخار ، قال عرض السيد المؤلف لكتاب (الحجة) على عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي الشافعي فكتب على ظهره في مدح أبي طالب عليه السلام (وابنه أمير المؤمنين عليه السلام) .
ولو لا أبو طالب iiوابنه لما مثل الدين شخصا iiفقاما فذاك بمكة آوى iiوحامى وهذا بيثرب جس iiالحماما تكفل عبد مناف iiبأمر وأودى فكان علي iiتماما فقل في ثبير مضى iiبعدما قضى ما قضاه وأبقى شماما فللله ذا فاتحا iiللهدى ولله ذا للمعالي iiختاما
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 93 _
وما ضر مجد أبي iiطالب مجهول لغا أو بصير تعامى كمالا يضر إياة iiالصبا ح من ظن ضوء النهار iiالظلاما
(قال المؤلف) اللهم انا نشهد بعلو مقام أبي طالب عليه السلام وبايماته معترفين ، ونرجو شفاعته يوم الدين .
(قال المؤلف) : ويؤيد كلام السيد أعلى الله مقامه ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي المتوفي سنة 655 ه في كتابه شرح نهج البلاغة (ج 14 ص 83) طبع ثاني في المطلوب وهذا نصه : صنف بعض الطالبيين في هذا العصر كتابا ، في إسلام أبي طالب وبعثه إلي ، وسألني أن أكتب عليه بخطي نظما أو نثرا ، أشهد فيه بصحة ذلك ، وبوثاقة الادلة عليه ، فتحرجت أن أحكم بذلك حكما قاطعا ، لما عندي من التوقف فيه ، ولم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب فاني أعلم أنه لولاه لما قامت للاسلام دعامة ، وأعلم أن حقه واجب ، على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتب على ظاهر المجلد هذه الابيات السبعة :
ولو لا أبو طالب iiوابنه لما مثل الدين شخصا فقاما فذاك بمكة آوى iiوحامى وهذا بيثرب جس الحماما
إلى آخر الابيات السبعة المتقدمة ، ولفظه يساوي ما تقدم نقله من ترجمة السيد العلامة فخار بن معد بلا اختلاف في ألفاظه ، وقال بعد ذكره الابيات فوفيت حقه من التعظيم والاجلال ولم أجزم بأمر عندي فيه وقفة .
(قال المؤلف) لو تأملت قليلا فيما كتبه ابن أبي الحديد في أحوال أبي طالب عليه السلام تراه يتناقض في أقواله ، فتارة يتكلم بما يظهر منه أنه يعترف بايمان أبي طالب عليه السلام ، وتارة يتكلم بما يظهر منه أنه
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 94 _
منكر لذلك ، وتارة يصرح بانه من المتوقفين في إيمان أبي طالب عليه السلام والذي يقوى في نطري أن ابن أبي الحديد لا يظهر عقيدته في الامر المتنازع فيه رعاية لاكثر علماء أهل نحلته حيث أنهم يصرحون بان أبا طالب عليه السلام لم يمت على الايمان برسول الله صلى الله عليه وآله بل مات وهو على دين أشياخه من قريش (عبد المطلب عليه السلام وأمثاله) .
(قال المؤلف) بعد أن كتبت ما في نظري بالنسبة إلى ابن أبي الحديد عثرت على كلام لاحد المعاصرين ، وهو العلامة المحقق المدقق الاستاذ الشيخ عبد الله الخنيزي دام بقاه ، وقد وافق نظره نظري في أن ابن أبي الحديد يوجد في بباناته التناقض الصريح في الفقرة التي قبل أبياته وبعد أبيانه ، واليك نص كلامه في كتابه (أبو طالب مؤمن قريش ص 300) .
قال حفظه الله وأيده : إننا لنجد التناقض صريحا في الففرة التي قبل أبياته ، فهو يقول : إنه تحرج عن الحكم باسلام أبي طالب لتك الوقفة في نفسه ، ولكنه لم يستجز العقود عن تعظيم من كان السناد لبناء صرح الاسلام الشموخ ، ومن لولاه لما كانت للاسلام دعامة قائمة ، وحقه واجب عى كل مسلم ، في الدنيا وجد .
أو كان في عالم الايجاد ، حتى فناء الدنيا ، وقيام يوم الدين .
فهذان ضدان لا يجتمعان ، أبو طالب كافر ، ولكنه لو لم يكن لما كان للاسلام دعامة ، وبذلك له الحق المفروض في عنق كل من يمت للاسلام بسبب ، فأي كافر هذا ؟ ومن أين له هذا الحق الرجيح ؟ هل كان من كفره ؟ وكيف كان العضد والدعامة في بناء الاسلام ، ذلك الكافر ؟ ولكنه بعد ذلك كله كتب على الكتاب تلك الابيات التي نطق بالحق فيها فراح يعرض لما قام به أبو طالب وابنه الامام ، من رفيع العلم ، وفذ النصرة ، وهما دعامتا الاسلام اللتان لو لاهما لما مثل الدين ، وقامت له قائمة .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 95 _
فالاب ، بدأ العمل الرفيع ، وأسس دعامة البناء .
والولد ، أتم العمل ، وزاد في البناء .
الاب ، حاط الرسول (صلى الله عليه وآله) ونصره . والولد ، لاقى الحمام ، حتى جس منه الملمس ، في سبيله .
فالمهمة الفضلى التي تكفل بها الاب الكريم وأودى بعد أن لم يصل الغاية كان لها الابن العظيم ذلك المتمم ، فكان تماما للجهد الذي الذي قام به الاب (عليه السلام) ، فابو طالب (عليه السلام) هو الفاتح للهدى ، وابنه كان الختام للمعالي .
ما تقول في هذا ، (فللله ذا فاتحا للهدى) وما الهدى هذا ؟ أليس يعنى هدى الاسلام ؟ فهل الفاتح لهدى الاسلام يكون ذاك الكافر الجاحد ؟ استغفر الله .
ولكنه قد وفاه حقه من التعظيم والاجلال ، كما يقول ، لم يجزم باسلامه ، وقد وقف في حلقه ما وقف ولعله قد شرق بالماء ، أو قد امتلا به فوه فلم يستطع النطق ، ولكننا نقف عند قوله :
وما ضر مجد أبي iiطالب جهول لغا أو بصير تعامى كمالا يضر إياة iiالصباح من ظن ضوء النهار iiالظلاما
فأي ضرر على مجد أبي طالب (عليه السلام) الاثيل ، وإيمانه الرسيخ ، واسلامه الثابت أن يتعامى عنه ابن أبي الحديد ؟ (أو غيره ممن هو على رأيه) وهو به ذلك البصير لاشياء قد نكون فرضت عليه أن يسلك هذا الطريق المنآد ويتجنب المهيع الابلج .
(قال المؤلف) نرجع إلى الكلام في شعر أبي طالب عليه السلام
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 96 _
الذي ذكرة ابن هشام في سيرته .
قال في السيرة (ج 1 صفحة 246) بعد ذكره القصيدة : تركت منها بيتين أقذع فيهما (أي شتم) وقد اشتبه أو كذب فقد ترك من القصيدة أربعة أبيات ، ويمكن أن يقال : إن الابيات التي وصلت إليه كانت ثلاثة عشر وترك منها بيتين ، لانه عليه السلام أقذع فيها (قال في مختار الصحاح قذعه وأقذعه رماه بالفحش وشتمه) فقوله أقذع فيهما أي شتم ، ولكن اشتبه ابن هشام في نسبة الفحش والشتم إلى أبي طالب عليه السلام فان أبا طالب عليه السلام كان مؤدبا لا يصدر منه الفحش في حق عدو أو محب ، ولكنه عليه السلام بين الحقيقة في قوله فجعل ابن هشام بيان الحقاثق فحشا حيث لا يرضى بما ذكره أبو طالب حمية لاعداء النبي صلى الله عليه وآله ، ومن الممكن أن نقول : إن من بين أبو طالب حقائقهم كانوا من أقرباء ابن هشام ومن عشيرته فاخذته الحمية فما تمكن من ذكر ما بسوؤهم ولو كان أمرا صحيحا واقعا وهذا بعيد لان ابن هشام حميري ومن ذكرهم أبو طالب من قريش وحمير لم تكن من قريش ، راجع كتاب أتساب العرب .
(قال المؤلف) : ومن شعر أبي طالب عليه السلام الدال على إيمانه بابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله وعلو مقامه ما خرجه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (ج 14 ص 61 طبع ثاني :
وقالوا لاحمد أنت iiأمرؤ خلوف الحديث ضعيف السبب وإن كان أحمد قد جاءهم بصدق ولم يأتهم iiبالكذب فأنى ومن حج من iiراكب وكعبة مكة ذات iiالحجب تنالون أحمد أو iiتصطلوا ظباة الرماح وحسد iiالقضب وتغترفوا بين iiأبياتكم صدور العوالي وخيلا شزب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 97 _
تراهن من بين ضافي السبب قـصير الحزام طويل iiاللبب عـليهما صـناديد من iiهاشم هـم الانجبون مع iiالمنتجب
(قال المؤلف) التصديق بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دين وكتاب ليس هو الا الاسلام والايمان ، ففي قوله عليه السلام هذا اعتراف بالرسالة ، وتصديق بما جاء به الرسول ، فلو لا تصديقه برسالته ما قام بنصرته بنفسه وولده وعشيرته ، ما تحمل المشاق في حفظه من المشركين والكافرين ، ولا يخفى على طالبي الحق أن هذه القصيدة خرجها أبو هفان في ديوان أبي طالب عليه السلام وفيها اختلاف وزيادة في الابيات وإليك نصها كما في (ص 25) منه طبع النجف الاشرف .
تطاول ليلي بهم iiنصب ودمع كسح السقاء iiالسرب للعب قصي iiبأحلامها وهل يرجع الحلم بعد iiاللعب ونفي قصي بني iiهاشم كنفي الطهاة لطاف iiالخشب وقول لاحمد انت iiأمرؤ خلوف الحديث ضعيف السبب وإن كان أحمد قد جاءهم بحق ولم يأتهم iiبالكذب على أن إخواننا iiوازروا بني هاشم وبني iiالمطلب هما أخوان كعظم iiاليمين امرا علينا بعقد iiالكرب فيا لقصي ألم iiتخبروا بما حل بي من شئون iiالعرب فلا تمسكن iiبأيديكم بعيد الانوف بعجم iiالذنب إلى م إلى م تلا iiفيتم بأمر مزاح وحلم iiعزب زعمتم بأنكم iiجيرة وأنكم إخوة في iiالنسب فكيف تعادون iiأبناءه وأهل الديانة بيت iiالحسب فأنى ومن حج من iiراكب وكعبة مكة ذات iiالحجب تنالون من أحمد أو iiتصطلوا ظباة الرماح وحد iiالقضب
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 98 _
وتعترفوا بين iiأبياتكم صدور العوالي وخيلا iiعصب إذ الخيل تمرغ في iiجريها بسير العنيق وحث الخبب (1)ii تراهن ما بين ضافي iiالسبب قصير الحزام طويل اللبب (2) وجرداء كالظبي iiسمحوجة طواها النقائع بعد الحلب (3)ii عليها رجال بني iiهاشم هم الانجبون مع iiالمنتجب
(قال المؤلف) فهذه تسعة عشر بيتا ، خرج ابن أبي الحديد الشافعي منها سبعة أبيات وترك البقية للاختصار أو لامر آخر ، وهو الذي صار سببا في توقفه في ايمان من يعلن في شعره ونثره بقوة إيمانه ، ومن تأمل في أحوال أبي طالب عليه السلام وفيما قام به في نصرة سيد المرسلين عرف حق اليقين بانه عليه السلام من المؤمنين المتقين عليه وعلى آله أفضل التحية والصلاة والسلام .
وصفة القرآن العظيم بصفة عجيب ، لها نظيرها في القرآن ذاته وذلك في حكايته عن مؤمني الجن (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به) سورة الجن (72) آية 1 .
(قال المؤلف) إن أبا طالب عليه السلام كان ينصر ابن أخيه صلى الله عليه وآله وكان ينصر من ينصره ، وكل من اعتنق ما جاء به من الشريعة الاسلامية السهلة السمحة ، ومن جملة من قام بنصرته أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومي ، فانه عليه الرحمة لما آذوه
--------------------------------
(1) قال : العنيق أشد السير والخبب دونه .
(2) قال : قصير الحزام ، أي ليس بمنتفخ الجوف ، وطويل اللبب واسع الصدر .
(3) قال : سمحج وسمحوجة طويلة ، والنقيعة ما ينقع لها من شعير وقيل من نقاع الماء والحليب واللبن .
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 99 _
ولم ير ناصرا التجأ إلى أبي طالب عليه السلام فاجاره وقام بنصرته أحسن قيام ، فلما أجاره ودافع عنه جاءت إليه رجال من المشركين وقالوا : يا أبا طالب أنك نصرت ابن أخيك محمدا فما بالك تنصر أبا سلمة فأجابهم عليه السلام إنه استجار بي وهو ابن اختي (وذلك لان أم أبي طالب عليه السلام مخزومية) وإن أنا لم أمنع ابن اختي ، لم امنع ابن اخي فيرتفع للغط صدى ، ويعلو للجدل صوت ، ويخشى الوفد الفتنة فيخاف وخيم العاقبة ، فيعود فارغ اليد ، مغلوبا على أمره ، فاشل المسعى .
قال : واذ رأى أبو طالب أن أبا لهب قد قال كلمة في هذه الحادثة في جانب أبي طالب ، فقد طمع فيه أبو طالب وراح يدعوه لنصرة الرسول وأن يقف إلى جانبه في حماية الدين الجديد كما هو واقف ، فراح يدعوه لذلك ، في قطعتين من شعره .
(قال المؤلف) إن العلامة الخنيزي ذكر الواقعة بالمعنى ولم يذكر الفاظهم ، ولو ذكر الفاظهم كان أوقع وأصرح ، واليك قول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج 3 ص 306 طبع أول ، وفي ج 14 ص 56 طبع ثاني) في نفس القضية .
قال محمد بن اسحاق ، فلم يؤثر عن أبي لهب خير قط ، إلا ماروي أن أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه ويفتنوه عن الاسلام هرب منهم ، فاستجار بأبي طالب ، وأم أبي طالب مخزومية وهي أم عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وآله فاجاره فمشى إليه رجال من بني مخزوم ، وقالوا له يا أبا طالب ، هبك منعت منا ابن أخيك محمدا ، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا ؟ قال : إنه استجار بي وهو ابن اختي ، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي ، فارتفعت أصواتهم وأصواته ، فقام أبو لهب ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها
أبو طالب (ع) حامي الرسول وناصره (ص) _ 100 _
فقال ، يا معشر قريش ، والله لقد اكثرتم على هذا الشيخ (أي أبا طالب) لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه ، أما والله .
لتنتهن عنه أو لنقومن معه فيما قام فيه ، حتى يبلغ ما أراد قال : فقالوا : بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة ، فقاموا فانصرفوا وكان وليا لهم ومعينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي طالب فاتقوه وخافوا أن تحمله الحمية على الاسلام ، فطمع فيه أبو طالب حيث سمعه قال ما قال وأمل أن يقوم معه في نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (أبو طالب) يحرضه على ذلك فانشد هذه الابيات .
وان امــرأ أبــو عـتيبة iiعـمه لـفي مـعزل مـن أن يسام المظالما ولا تـقبلن الـدهر مـا عشت iiخطة تـسب بـها إمـا هـبطت iiالمواسما أقـول لـه وأيـن مـنه نـصيحتي أبــا عـتبة ثـبت سـوادك iiقـاثما وول سـبيل الـعجز غـيرك iiمـنهم فـانك لـم تـخلق على العجز لازما وحارب فان الحرب نصف ولن iiترى أخا الحرب يعطى الخسف حتى يسالما كـذبـتم وبـيت الله نـبزى مـحمدا ولـما تـروا يـوما من الشعب قائما
وقال (عليه السلام) يخاطب أبا لهب أيضا ، ويحرضه على نصرة النبي صلى الله عليه وآله :
عجبت لحلم بابن شيبة iiعازب وأحلام أقوام لديك iiسخاف يقولون شايع من أراد iiمحمدا بظلم وقم في أمره iiبخلاف أضاميم إما حاسد ذو iiخيانة وإما قريب عنك غير iiمصاف فلا تركبن الدهر منه ذمامة وانت أمرؤ من خير عبد مناف ولا تتركنه ما حييت iiلمعظم وكن رجلا ذا نجدة iiوعفاف تذود العدى عن ذروة iiهاشمية ألا فهم في الناس خير ألاف