(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) معناه أنه غير مبعض ، ولا مُجَزّأ ، ولا موهم ، ولا توجد عليه الزيادة والنقصان .
  (اللَّهُ الصَّمَدُ) عني بالصمد السيد المطاع الذي ينتهي إليه السؤدد، وهو الذي تَصَمَّد على الخلائق ، وتَصمد الخلائق إليه .
  (لَمْ يَلِدْ ) كما قالت اليهود لعنهم اللّه : عزير بن الله.
  (وَلَمْ يُولَدْ) كما قالت النصارى لعنهم اللّه : المسيح الله.
  (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) أي ليس له ضد ، ولا ند ، ولا شريك ، ولا شبه ، ولا معين ، ولا ظهير ، ولا نصير ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 72 _

  خطبة بليغة عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ليس فيها ألف (1) :
  ( حمدت من عظمت مِنَّتُه ، وسبغت نعمته ، وتمت كلمته ، وسبقت رحمته ، ونفذت مشيئته ، وفالحت حجته ، حمد مْقِرٍ بربوبية، متخضع لعبوديته ، مؤمن بتوحيده ،ووحّدته توحيد عبد مذعن بطاعته (2)، متيقن يقين عبد لمليك ليس له شريك في ملكه ، ولميكن له ولي في صنعه ،عجز عن وصفه من يصفه ، وضلّ عن نعته من يعرفه ، قرب فبعد ،وبعد فقرب ، مجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه ، ذو لطف خفي ، وبطش قوي ،ورحمة موسعة،وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة ، وغضبهُ نقمة ممدودة موبقة .
  وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله ، بعثه من خير عنصر، وحين فترة، رحمةً لعببده ، ومنةً لمزيده ، وختم به نبوته ، ووضح به حجته ، فوعظ ونصح ، وبلَّغ وكدح ، رؤوف بكل عبد مؤمن ، سخي رضي زكي ،عليه رحمة وتسليم وتكريم ، من رب غفور رحيم قريب مجيب .
  وَصّيتكم - معشر من حضرني - بوصية ربكم ، وذَكَّرتكم سنة نبيكم ،فعليكم برهبة ورغبة تسكن قلوبكم ، وخشية تجري دموعكم ، قبل يوم عظيم مهول يلهيكم ويبكيكم ، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته ، وليكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وخشوع ، ومسكنة وندم ورجوع ، فليغتنم كل منكم صحته قبل سقمه ، وشبيبته قبل هرمه ، وسعته قبل فقره ، وفرغته قبل شغله ، وحضره قبل سفره ، قبل يهرم ويمرض ويمل ويسقم ، ويمله طبيبه ، ويعرض عنه حبيبه ، وينقطع منه عمره ، ويتغير عقله وسمعه وبصره ، ثم يصبح ويمسي وهو موعوك وجسمه منهوك ،و حُدِيَت نفسه ، وبكت عليه عرسه ، ويتم منه ولده ، وتفرق عنه جمعه وعدده ، وقسم جمعه ، وبسط عليه حنوطه ، وشدّ منه ذقنه ، وغسل وقمص وعمم ، وودع وسلم ،

--------------------------------
(1) ذكر الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 393،بسنده عن أبي صالح ، قال : جلس جماعةمن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتذاكرون فتذاكروا الحروف وأجمعوا ان الألف اكثردخولاً في ألكلام من سائر الحروف ، فقام مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فخطب هذهالخطبة على البديهة فقال : .. .
(2) كذا في الأصل ، وفي مواضع اُخر وهومخالف لشرط الخطبة، ولم يرد المقطع الأخير فيشرح النهج لابن أبي الحديد وكفاية الطالب وكتزالعمال ومصباح الكفعمي ، فتأمل .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 73 _

  وحمل في سرير ، وصُلي عليه بتكبير ، ونقل من دور مزخرفة ، وقصور مشيدة ، وحجر منضدة ، وفرش ممهدة ، فجعل في ضريح ملحود، وضيق مسدو فى بلبنٍ جلمود ، وهيل عليه عفره ، وحثي عليه مدره ، ومحي منه اثره، ونسي خبره ، ورجع عنه وليده وصفي هو حبيبه وقريبه ونسيبه ،فهو حشو قبره ، ورهين سعيه ، يسعى في جسمه دود قبره ، ويسيل صديده من منخره وجسمه ، ويسحن (1) تربه لحمه ، وينشف دمه ، ويرم عظمه ، في رتهن بيوم حشره ، حتى ينفخ في صوره ، وينشر من قبره ، فلا ينتصر بقبيلة وعشيرة ، وحصلت سريرة صدره ، وجيء بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق ، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير .
   فحينئذ يلجمه عرقه ، ويحرقه قلقه ، وتغزر عبرته ، وتكثر حسرته ،وتكبر صرعته ،حجته غير مقبولة ، نشرت صحيفته ، وتبينت جريمته ، ونظرفي سوء عمله ،فشهدت عينه بنظره ، ويده بلمسه ، وفرجه بمسه ، ورجله بخطوه ، ويهلكه منكر ونكير ، وكشف له حيث يصير ، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد ، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد ، وغم جديد ، في يد ملك عتيد ، فظل يعذب في جحيم ، ويسقى من حميم ، يشوى به وجهه ، وينسلخ منه جلده ، بعد نضجه (2) جديد .
  فمن زحزح عن عقوبة ربه ، وسكن حضرة فردوس ، وتقلب في نعيم ، وسقيمن تسنيم ، ومزج له بزنجبيل ، وضُمِّخ بمسك وعنبر ، مستديم للملك مقيم في سرور محبور ، وعيش مشكور ، يشرب من خمور ، في روض مغدق ، ليس يصدع عن شربه .
  ليس تكون هذه إلاّ منزلة من خشي ربه ، وحزن نفسه ، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه ، وسولت له نفسه معصيته ودينه (3)، ذلك قول فصل ، وحكم عدل ، خير قصص قص ، [ووعظ نص ، تنزيل من حكيم حميد ، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد] (4) صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة ، ورب كل مربوب ،وعلى درسه ذوي طهر غير مسلوب ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة ، والسلام )(5) .

--------------------------------
(1) سحنت الحجر: كسرته (الصحاح 5: 2133).
(2) كذا في الأصل : ولعل الصواب ما في الشرح الحديدي : ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد .
(3) كذا ، ولعل الصواب : وذنبه .
(4) أثبتناه من شرح نهج البلاغة .
(5) وردت الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 140 ، وكفاية الطالب : 393،ومصباح الكفعمي : 741، وكنزالعمال 16: 208 | 44234 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 74 _

   يقول العبد الفقير أبو محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وأمده اللّه برأفته ورحمته ، ممل هذه الخطب المتقدمة : اني وجدت كلمات بليغة في توحيد اللّه وتمجيده _ جل وعز _ فأضفت إليها ما سنح من فتوح اللّه تعالى في خاطري ، فأحببت إثبات ذلك ، وهي :
  إن نفي العلل عن اللّه تعالى ، يشهد له بحدث خلقه ، وإخراجه له من العدم ، إذالعلل لا تحل إلا معلولاً ، ولا يكون المعلول إلا محدثا ، للزوم صفات الحدث فيه ، والقديم سبحانه وتعالى لا تحل فيه الصفات لسبب ، لأن السبب لازم للمتوقع الزيادة،والخائف النقص من غيره ، الفقيرإ لى الموجد ذلك فيه ، الذي باتحاده يجد ما يتوقع .
  والقديم هوالغني الحميد، الذي لا وقت له ، ولا حال من احلها كان ، ولا كانت له صفة من احل الحال ، والأحوال لا تجوز عليه ، ولا يدخل تحت الصفة والدوائر ،ولا عليه حجب وسواتر ، ولا ساعات وشعاثر ، ولا حاجة به إلى الكون ، إذ وجوده كفقده ، لم يأنس به ، ولم يستوحش لفقده ، ولا فقد عليه ، ومرجع كل شيء إليه ، كما هو المبدىء المعيد، الفعال لما يريد ، أزلي أبدي ، أزلي القدرة والعلم والحكم والنظر والإحاطة ، أزلي الوجود والبقاء ، مستحق لها بحقائقها ، وله الشأن الأعظم ، والجدا لمتعالي ، والعلو المنيع ، والإمتناع القاهر، والسلطان الغالب ، والغلبة النافذة، والقوة الذي (1) لا يعجز ، إذ لا فترة ولا مانع ، و (لاثم)(2) ليس لمراده دافع ، ولا يستصعب عليه شيء أراده ، ولا به إلى ما أراد تكوينه وطر ، إذ هو الغني غاية كل غاية ، متفضل بما فطر ، من غير قضاء وطر ، فطر ما فطر، وعنصر العناصر، لإظهار قدرته وملكه ، وإظهار جوده وطوله وإحسانه ، وفيض الكرم الباهر، والجود الفائض ، وهو الجواد الفياض ، وليعرفوه ولا يجهلوه ، ولم يك قط مجهولاً، ولا علمهم به محيط .
  لا يقدر أحد قط حقيقة قدره ، إذ قدره لا يقدر، ووصفه لا يقرر ، وهو القدير الأقدر، المتعزز عن كون مع أزل له مقرر، المتعالي عن مدبر معه دَبَّر، قدر الكون بتقديره ،حتى أخرجه إلى التكوين بتدبيره ، وليس للتقدير والتدبير فكر ولا خاطر ، ولا حد وثعزم ، ولا يضمر في إرادة، ولايهم في مشيئته ، ولا روية في فعل ، ولا غلبة فوت ، عزَّ أن يستصعب عليه شيء أراده ، أيفوته شيء طلبه !؟ قدّم وأخّر حسب حكمته وهو المقدم

--------------------------------
(1) كذا والظاهر أن الصواب : التي .
(2) كذا ، والظاهر زيادتها .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 75 _

  المؤخر، وجعل الإوقات والفضاء وألجو والمكَان حاجة الكون ومستقر العالم ،وشاء الكون وشاء وقته كل كائن ، فهو موجوده على ما يشاء ويريده من أفعاله سبحانه ، وحسن افعال خلقه لا قبيح افعالهم ، ولا يكون إلا كذلك ، ولا خروج للشيءعنه بغلبة ، وذلك كمال الملك ، وتمام الحكم ، وإبرام الأمر، وكل غيب عنه شهادة ،وهو المفيد ولا يتوقع إفادة، ومزيد ولا يتوقع زيادة، ومحدث ولا عليه حدث ، مخترع ولا كذلك غيره ، ومبدع ولا معه بديع ، بل هو بديع السماوات والأرض وما بينهما وما خرج عنهما، وصانع لا بآلة ، وخالق لا بمباشرة ، وسميع بصير لا بأداة ، علا عن الخصماء والأنداد ، وتقدس عن الأمثال والأضداد، وجلّ عن الصاحبة والأولاد، حكمته لا كحكمة الحكماء ، سبحانه ما أقدره وأيسر القدرة عليه ! وما أعزه وأعز من اعتمدعليه ! وذكره واستسلم إليه ! إذ العزة له وهو العزيز بعزته تعالى عن المثل والشبه ، إذا لشبه ذل ونقص ، وهو العزيز الأجل ذوالجلال والاكرام ، قمع بعزته وجلاله عزة كلمتكبر جبار، لا يتغير أبدا، ولا يفاوت في صفاته الذاتية، ولا يحيط له بحقيقة ذات ، إذالحقيقة والمائية(1) لايقع إلا على المحدودات ، وهو سبحانه محدثها ، وهوعلى كمال تعجز عن وصفه الألباب ، وتندحض الافهام والأوهام عن درك صفاته ، العزيز الأعز ذي المفاخر، الذي افتخر بفخره كل فاخر، اتضعت (2) بقدرته وقوته كل ذي قدرة وقوّة ، وتاه كل ذي كمال وجلال في كماله وجلاله ، وخضعت الرقاب لعظمته وسلطانه ، وذل كل متجبر لجبروته وكبريائه ، لم يجبر الخلق على ما كلفهم ، بل جبل القلوب على فطرة معرفته .
  سبق المكان فلا مكان ، لأنه سبحانه كان ولا مكان ، ثم خلق المكان ، فهو على ما كان قبل خلق المكان ، وهو القريب بلا التصاق ، والبعيد من غير افتراق ، حاضركل خاطر ، ومخطر صحيح كل خاطر ، ومشاهد كل شاهد وغائب ، مدرك كل فوت ،ومؤنس كل أنيس ، وأعلى من كل عال ، وهو على كل شيء عال علوه على ما تحت التحت كعلوه على ما فوق الفوق ، صفاته لا تستشعر بالمشاعر ، وأوصافه لا تكيف بتكيف ، وهو الشيء لا كالأشياء ، ثابت لا يزول ، وقائم لا يحول ، سبق القبل فلا قبل

--------------------------------
(1) كذا، والظاهر أن الصواب : والماهية.
(2) كذا، ولعل الصواب : اتضع .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 76 _

  والبَعد فلا بَعد ، تقدم العدَم وجودُه ، والكونَ أزلُه ، قيوم بلاغاية، دائم بلا نهاية ، ذوالنورالأكبر ، والفخر الأفخر، والظهور الأظهر، والطهور الأزهر، مدهرالدهور ، ومد بر الاُمور ، باعث من في القبور، وجاعل الظل والحرور ، ذو اللطف اللطيف ، والعلم المطيف ،والنور المتلالي ، والكبرياء المتعالي ، الذي لا يسأم من طلب إليه ، ولا يتبرم من حاجة الملح عليه ، إذ لا يجوز عليه الملال ، إذ لا شغل له بشيء عن شيء ، ولا آلة ولا فكر ولا مباشرة ، مدور الأفلاك ، ومملك الأملاك ، لا يضع شيئاً على مثال ، صنعه موقوف على مراده ، وأمره نافذ في عباده ، لا يسعه علم عالم ، ووسع هو كل شيء علما، وأحاط بكل شيء خبرا ، كلما ينسب إليه _ سبحانه _ فهو المتفرد بمعناه ، إذ يستحيل أن يشاركه أحد في شيء ، لا إله الاّ إياه ، سبحانه ما أعلمه ! وفي العلم ما أحلمه ! وفي القدرة على الخلق ما ألطفه ! له المشية فهم (1) مع سعة العفو والصفح عنهم ، لهم به لطف خفي ونظر حفي ، حليم كريم مهول ، وينتقم ممن يشاء عدلاً منه فلم يظلم أحدا، ولم يجرفي حكمه أبدا .
  فله الحمد على ما ألهم ، وله الشكر على ما وفق وفَهّم ، وعلى ماجاد وأنعم ،وله المن على ما قض وأبرم ، وعلى ما أخَّر وقدٌم ، وله الثناء والمجد الأعظم ، نحمده سبحانه حمدأ لا يماثل ، ونسأله أن يوفقنا لحمد يرضاه وشكر يهواه ، لا يشوبه عارض ،وأن يعيننا على حمده وشكره ، فإننا نعجز عن بلوغ أمده وقدره ، ونكل عن إحصاء عدد هو وصفه .
  اللهم ألهمنا محامدك ، ووفقنا لصفاء خدمتك ، واكشف لنا عن حقائق معرفتك ، وواصلنا بصاف من تمجيدك ووظائف تحميدك ، وانلنا من خزائن مزيدك ، وصَف لنا الأواني ، وكمل لنا منك الأماني ، وحقق لنا المعاني ، ورضٌنا بما تُقَدِّر مما هو فاَنٍ ، وارزقنا سريرة نقية ، والات طاهرة نقية ، وعافية وفية، وعاقبة مرضية، ونعمة كفية، وعهودا وفية، وعيشة هنية ، وحيطة من كل البرية، وأقبِل بناعليك بالكلية ، واعصمنا من الزيغ والهوية ، ومن كل مارق غوية ، وكل قواطع منسية ، يا بارىء البرية، وقاضي القضية، ومجزل العطية، ورافع السماوات المبنية

--------------------------------
(1) كذا والظاهر أن الصواب : فيهم .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 77 _

  وماهد الأرض المدحية، صلى الله على محمد سيد البرية ، وعلى اله الأئمهَ الراضين المرضية ، بأفضل صلواتك وأتمّ تحياتك وبركاتك .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 78 _

  ليل آخر على حدوث العالم وقدم محدثه :
  ومما يستدل به على محدث العالم ،أنا نجد الأجسام مشتركة في كونها أجساماً ،هي مع ذلك مفترقة في اُمور أُخر: كونها تراباً وماءً وهواءً وناراً، فلا يخلو هذا في الإفتراق في الصور والصفات اما أن يكون لأمر من ألاُمور اقتضى ذلك أولا لأمر ، فإن كان لا لأمر ، لم تكن الأجسام بأن تفترق أولى من أن لا تفترق ، ولم يكن بعضها بكونه أرضاً وِبعضها هواءً أو ماءً بأولى من العكس ، فثبت أنه لابد من أمر أقتضى افتراقها، ولايصح أن يكون ذلك ألامر هو كونها أجساماً لأنها مشتركة في ذلك ، فكان يجب أن تشترك فيصفة واحدة، أو يكون كل بعض منها على جميع هذه الصفات المتصلات ، فلا بد أن يكون الأمر المقتضي لأمر إنما هو غيرها ، ولا يصح أن يكون مثلها ولا من جنسها، ثم لا يخلو أن يكون موجباً أو مختاراً ، فإن كان موجباً فلم اوجب النار كونها ناراً، دون أنيوجب للماء أن يكون ناراً ، وللأرض أن تكون هواءً ؟ وكيف يصح وجود صور متضادة ولا موجب لها ؟ وفي فساد هذا دلالة على أنه مختاراً ، وإذا ثبت ذلك فهو المحدِث القديم ، الذي ألا يجوز أن يكون محدِ ثا إلا وهو حي قادر .
  دليل آخر:
  ومما يستدل به على أنه لا بد للعالم من محدث ، ما تجد فيه [من ](1) إحكام الصنعة وإتقان التدبير، فلو جاز أن يتفق ذلك لا بمحدث أحدثه ، لجاز أن يجتمع الواح وقار ومسامير وتتألف سفينة بغير جامع ولا مؤلف ، ثم تعبرب الناس في البحر بغير معبر ولا مدبّر ، فلما كان ذلك ممتنعاً في العقل ، كان ذلك في العالم أشد امتناعاً وأبعد وقوعاً .
  دليل آخر:
  ومما يستدل به على وجود المدبر الصانع ، أمر الفيل وأصحابه ، الذين أخبر الله تعالى عنهم وعما أصابهم ، مما ليس لملحد في تخريج الوجوه له حيلة ، ولا يكون ذلك إلاّ من الصانع سبحانه ، وليس إلى إنكاره سبيل لاشتهاره وقرب عهده ، فلأنه يجوز أن يقوم

--------------------------------
(1) أثبتناه لضرورة السياق .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 79 _

  رجل فيقول للناس في وجوههم ويتلو عليهم : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ )(1)ويقص عليهم قصتهم ، وهم مع ذلك لم يروا هذا ولم يصح عندهم ، وليس من الطبائع التي يذكرها الملحدة ما يوجب قصة أصحاب الفيل ، ولا علم في العادات مثله ، ولا يقعمن الآثار العلوية والسفلية نظيره ، وهو أن يجيء طير كثير في منقار كل واحد حجر ، فيرسله على كل واحد من الوف كثيرة ، فيهلكهم دون العالمين ، هذا مالا يكون إلا منصانع حكيم قادر عليهم ، ولا يصح أن يكون إلا رب العالمين .
  أبيات في التوحيد:
يـا  مـن يجل بأن أراه بناظري      ويـعز عن أوصاف كنه iiالخاطر
لـوكنت  تـدركك الـعلوم تقدراً      وتـفـكراً وتـوهـماً iiلـلخاطر
مـا  كـنت مـعبوداً قديماً iiدائماَ      حـيأَ  ولا صـمداً iiوملجأحائر(2)
وبما وكيف ترى وتعلم في الورى      عـظم الـعظيم iiوسـرقهرالقاهر
لـكن  عـظمت بأن تحاط جلالة      أبـداً  فـسبحان الـقديم الآخـر

--------------------------------
(1) الفيل 105: 1.
(2) في الأصل : الحائر، والوزن الشعري يقتضي ما في المتن.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 80 _

  يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، أبومحمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته :
  اني حيث اثبت المعارف صدر الكتاب ، لوجوب تقدمها على جميع العلوم ، اقتضت الحال ارداف ذلك بذكر فضل العلم وأهله ، ولم ألتزم ذكر سند أحاديثها ،لشهرتها في كتبها المصنفة المروية عن مشايخنا _ رحمهم اللّه تعالى_ بأسانيدهم لها ، وأشير عند ذكر كل حديث مذكور أو أدب مسطور ، إلى كتابه المحفوظ منه المنقول عنه ،إلاّ ماشذ عني من ذلك ، فلم أذكرإلا فص القول دون ذكر كتابه والراوي له .
  فمن ذلك ما حفظته من كتاب كنز الفوائد إملاء الشيخ الفقيه أبي الفتح محمدابن علي الكراجكي رحمه اللّه تعالى :
  عن النبي صلى اللّه عليه واله قال : ( من خرج يطلب باباً من أبواب العلم ، ليردبه ضالاً إلى هدى ، أو باطلاً إلى حق ، كان عمله كعبادة أربعين يوماً ) .
  وقال عليه واله السلام : ( لساعة من العالم متكئاً على فراشه ينظرفي علمه ، خيرمن عبادة ثلاثين عاماً).
  وقال عليه واله السلام : (إذا استرذل اللّه عبداً، حظر عليه العلم ) .
  وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : (ما أهدى أخ إلى أخيه هدية أفضل من كلمة حكمة ، يزيده الله بها هدى ، أو يرده عن ردى).
  وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم ) : (ما أخذاللّه الميثاق على الخلق أن يتعلموا ، حتى أخذ على العلماء أن يعلموا).
  وروى أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبي صلى اللّه عليه واله ، أنه قال : ( منطلب العلم للّه ، لم يصب منه باباً إلا ازداد(1) في نفسه ذلاً، وفي الله تواضعاً، وللّه خوفاً ، وفي الدين اجتهاداً، فذلك الذي ينتفع بالعلم فليتعلمه ، ومن طلب العلم للدنيا ، والمنزلةعند الناس ، والحظة عند السلطان ، لم يصب منه باباً إلآ ازداد في نفسه عظمة ، وعلى الناس استطالة، وباللهّ اغتراراً، وفي الدين محقاً ، فذلك الذي لم ينتفع بالعلم فليكف عنه (2) الحجة عليه والندامة والخزي يوم القيامة).

--------------------------------
(1) في الأصل : أزاد وما أثبتناه هو الصواب .
(2) في الأصل : عند، وما أثبتناه هو الصواب .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 81 _

  وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم : (يبعث اللّه تعالى العالم والعباد يوم القيامة، فإذااجتمعا عند الصراط ، قيل للعابد: ادخل الجنة فانعم فيها بعبادتك ، وقيل للعالم : قفهاهنا في زمرة الأنبياء، فاشفع فيمن أحسنت أدبه في الدنيا).
  وقال صلى اللّه عليه واله وسلم : (فضل العالم على العابد، كفضلي على سائرالأنبياء ) .
  وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (العلم وراثة كريمة ، والاداب حل لحسان ، والفكر مراة صافية ، والاعتبار منذر ناصح ، وكفى بك أدباً لنفسك تركك ما تكرهه لغيرك )(1).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : (طلب العلم فريضة على كل مسلم ).
  وقال : (العلم علمان : علم في القلب فذلك العلم النافع ، وعلم في اللسان فذلك (2) حجة على العباد).
  وقال :(أربع تلزم كل ذي حجى من اُمتي ، قيل : وما هن يا رسول اللّه ؟ قال : استماع العلم ، وحفظه ، والعمل به ، ونشره ).
  وقال صلى اللّه عليه واله : (العلم خزائن ومفاتيحها السؤال ، فسلوا يرحمكم اللّه ، فإنه يؤجر فيه أربعة : السائل ، والمجيب ، والمستمع ، والمحب له (3)) .
  وقال عليه السلام : (من يرد اللّه تعالى به خيراَ يفقهه في الدين ).
  وقال : (إن اللّه لايقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا(4) فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا) .
  وقال : (من ازداد فى العلم رشداً، ولم يزدد في الدنيا زهداً ، لم يزدد من اللّه إلاّ بعداً)(5).
  وقال : (انما مما أخاف على اُمتي زلات العلماء).

--------------------------------
 
(1) النسخة المطبوعة من كنزالفوائد خالية من الأحاديث المتقدمة الذكر.
(2) في الأصل : وذلك ، وما أثبتناه من المصدر.
(3) في المصدر: لهم .
(4) في الأصل : فسألوا، وما أثبتناه من المصدر.
(5) كنز الفوائد: 239، من : وقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : (طلب العلم فريضة. . . ).

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 82 _

  وقال : (قيدوا العلم بالكتابة).
  وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (تعلموا العلم ، فإن تعليمه حسنة ،وطلبه عبادة، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنه علم الحلال والحرام ، وسبيل منازل (1) الجنة، والأنيس في الوحشة ، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء،والسلاح (2) على الأعداء، والزينة عند الأخلاء، يرفع به أقواماً فيجعلهم للخير قادة وأئمة ، وتقتص آثارهم ،و يُقتدى بفعالهم ، ويُنتهى إلى رأيهم ، ترغب الملائكة فيخُلَّتِهم ، وبأجنحتها(3) تمسحهم ، ويستغفر لهم كل رطب ويا بس ، لأن العلم حياةالقلوب ، ومصابيح الأبصار من الظلم ، وقوة الأبدان من الضعف ، ويبالغ به العباد(4)منازل الأخيار، والدرجات العلى، وبه توصل الأرحام ، ويعرف الحلالَ من الحرام ،وهو إمام العمل والعمل تابعه ،يلهمه(5) اللّه تعالى أنفس السعداء ويحرمه الأشقياء).
  وقال عليه السلام : (الكلمة من الحكمة، يسمع بها الرجل فيقولها أو يعمل بها ، خير من عبادة سنة).
  وقال عليه السلام : (تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم السكينة والوقار والحلم ، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم ).
  وقال عليه السلام : (شكر العالم على علمه أن يبذله لمستحقه (6) ).
  وقال عليه السلام : (لا راحة في عيش ، إلا لعالم ناطق ، أو مستمع واع ) .
  وقال عليه السلام : (اغد عالماً، أو متعلماً ، ولا تكن الثالث فتهلك (7) ).
  وقال عليه السلام : (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ، رضاً بما يصنع).

--------------------------------
(1) في الأصل: منار، وما أثبتناه من المصدر.
(2) في الإصل : الصلاح ، وما أثبتناه من المصدر.
(3) في الأصل : بأجنحتهم ، وما أثبتناه من المصدر.
(4) في المصدر: بالعباد.
(5) فى الأصل زيادة: إلى، وصوابه ما في المتن كما في المصدر.
(6) في المصدر: لمن يستحقه.
(7) في المصدر : فتعطب.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 83 _

  وقال عليه السلام : (لوأن حملة العلم حملوه بحقه ، لأحبهم اللّه وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكن (1) حملوه لطلب الدنيا، فمقتهم اللّه ، وهانوا على الناس ) .
  وقال عليه السلام : (العلوم أربعة : الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والنجوم لمعرفة الأزمان ، والنحو للسان ) .
  وقال محمد بن علي الباقر عليه السلام : (عالم ينتفع بعلمه ، أفضل من سبعين ألف عابد) .
  وقال عليه السلام : (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى ، لعنته ملائكةالسماء ، وملائكة الرحمهّ ، وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه ) .
  وقال الصادق عليه السلام : (تفقهوا في دين اللّه ولا تكونوا أعراباً، فإنه منلم يتفقه في دين اللّه ، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزك له عمل ).
  وقال عليه السلام : (العامل على غير بصيرة ، كالسائر على غير الطريق ، ولا يزيده سرعة السير إلاً بعداً).
  وقيل (له عليه السلام )(2): أيحسن بالشيخ أن يتعلم ؟ فقال : (إذا كانت الجهالة تقبح منه ، (حسن منه التعلم )(3))(4).
  وقال الصادق علبه السلام : (تعلموا العلم ، وأثبتوه ، واحكموه بالدرس ، وإنلم تفعلوا ذلك يَدرس ).
  وقال عليه السلام لخيثمة : (أبلغ موالينا السلام ، واوصهم بتقوى الله والعمل الصالح ، وأن يعود صحيحهم مريضهم ، وليعد غنيهم على فقيرهم ، وليحضر حيهم جنازة ميتهم ، وأن يتآلفوا في البيوت ، ويتذاكروا علم الدين ، ففي ذلك حياة أمرنا ، رحم اللّه من أحيا أمرنا.
  واعلمهم _ يا خيثمة _ أنا لا نغني عنهم من الله شيئاً ، إلاّ بالعمل الصالح ،و أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والإجتهاد، وأن أشد الناس عذاباً يوم القيامة، من

--------------------------------
(1) في المصدر: ولكنهم .
(2) في المصدر: لأحد الحكماء.
(3) في ألمصدر: فإن التعلم يحسن منه .
(4) كنزالفوأئد : 239 _ 240 ، من : وقال أمير المؤمنبن (عليه السلام): (تعلموا العلم ، فإن تعليمه . . . ) .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 84 _

  وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره ).
  وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام ، أوصى ولده الحسن ، فقال : (يا بني ،احرز حظك من الأدب وفرغ له قلبك ، فإنه أعظم من أن تخالطه (1) دنس ، واعلم أنكإن أعوزت غنيت به ، وإن اغتربت كان لك الصاحب الذي لا وحشة معه ، الأدب هو لقاح العقل ، وذكاء القلب ، وزينة اللسان ، ودليل الرجل على مكارم الأخلاق ، وما الإنسان لولا الأدب إلا بهيمة مهملة ، للّه درّ الأدب ! إنه يسود غير السيد ، فاطلب هو اكسبه تكتسب القدر و المال ، من طلبه صال به ، ومن تركه صيل عليه ، يلزمه اللّه السعداء، ويحرمه الأشقياء، والدنيا طوران : فمنهما لك ، ومنهما عليك ، فما كان منهما لك أتاك على ضعفك ، وما كان منهما عليك لم تدفعه بقوتك ).
  وقال عليه السلام : ( قيمة كل امرىء ما يحسن ، والناس أبناء ما يحسنون ).
  وقال عليه السلام : (المرء مخبوء تحت لسانه ).
  وقال عليه السلام : (العلم وراثة مستفادة ، ورأس العلم الرفق ، وآفته الخرق ، والجاهل صغير وإن كان شيخاً ، والعالم كبير وإن كان حدثاً ، والأدب يغني عن الحسب ، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالهيبة والوقار ، والعلم مع الصغر كالنقش في الحجر، وزلّة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق ، والآداب تلقيح الأفهام ومفتاح (2) الأذهان ) .
  وقال : (وتحزم ، فإذا استوضحت فاعزم ، ولوسكت من لا يعلم سقط الإختلاف ، ومن جالس العلماء وقّر ، ومن خالط الأنذال حقّر ، لا تحتقرن عبداَ اتاه اللّه الحكمة والعلم ، فإن اللّه تعالى لم يحقّره حيث اتاه إيّاه ، والمودة أَشبك الأنساب ، لا تستر ذلنّ حسب ذي العلم فإن اللّه تعالى لم يحقره حيث اتاه أشرف الأحساب ، ولا كنز أنفع من العالم ، ولا قرح سوء شرّ من الجهل ، والعلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على الانفاق ، والمال (تنقصه النفقة)(3)، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، فعليكم بطلب العلم ، فإنطلبه فريضة ، وهو صلة بين الإخوان ، ودال على المروّة، وتحفة في المجالس ،

--------------------------------
(1) كذا، ولعل الصواب: تخلطه بدنس.
(2) في المصدر: ونتائج.
(3) في المصدر: ينفذ بالنفقة.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 85 _

  صاحب في السفر، واُنس في الغربة، ومن عرف الحكمة لم يصبرعن الازدياد منها ، والشريف من شرَّفه علمه ، والرفيع من رفعته الطاعة، والعزيز من أعزته التقوى)(1).
  وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم : (لا قول إلاّ بعمل ، ولا قول ولا عمل إلاّ بنيّة ، ولا قول وعمل ونية إلاّ بإصابة السنة).
  وما نقلته من نهج البلاغة تصنيف السيد الرضي الموسوي رضي اللّه عنه .
  قال : كميل بن زياد: أخذ بيدي أمير المؤمنين عليه السلام فأخرجني إلى الجبانة(2)، فلما أصحر تنفس الصُّعَداء، ثم قال :(يا كميل ، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق .
  يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق ، وصنيع المال يزول بزواله .
  يا كميل بن زياد ، معرفة العلم دين يدان به ، ويكسب صاحبه الطاعة فيحال حياته ، وحسن الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة .
  ها! إن هاهنا علماً جمّاً، لو أصيب له حملة _ وأشارإلى صدره _ بلى أصيب له لقناً غير مأمون عليه ، مستعملاً الة ألدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم اللّه على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادأَ(3) لحملة الحق ، لا بصيرة له في أحنائه (4)،ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك ! أو منهوماً باللذة ، سلس القياد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والإدّخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شيء

--------------------------------
(1) كنز الفوائد: 147، من : وقال عليه السلام : (قيمة كل امرىء ما يحسن . . .).
(2) الجبَانة : الصحراء، وتسمى بها المقابر، لأنها تكون في الصحراء .. . والجبّان : الصحراء أيضاً .(مجمع البحرين _ جبن _ 6 : 224).
(3) في الأصل : متقلدآَ، وما أثبتناه من المصدر.
(4) أحنائه : معاطفه ومطاويه . (الصحاح _ حنا _ 6: 1 232).

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 86 _

  شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه .
  اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من حجة قائم للّه بحجته ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، أو خائفاً مغموراً كي لا تبطل حجج اللّه وبيّناته ، وكم ذا وأين اولئك !؟ اولئك _ واللّه _ الأقلّون عدداً ، والأعظمون [عندالله ](1) قدراً ، يحفظ الله حججه وبيّناته بهم حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشر روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الأعلى ، اُولئك خلفاء اللّه في أرضه ، والدعاة إلى دينه سراً وجهرا ، آه آه ! شوقاً إلى رؤيتهم )(2) .
  وقال أيضا لكميل بن زياد: (تبذل ولا تشهر ، ووار شخصك ولا تذكر ، وتعلّم واعمل ، واسكت تسلم ، تسرّ الأبرار، وتغيض الفجار فلا عليك إذا علّمك الله معالم دينه ، ألاّ تعرف الناس ولا يعرفوك ).
  وبعد فقد جمع اللّه _ جل جلاله _ معاني ماقلناه وزيادة في كتابه العزيز ،بقوله سبحانه : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)(3) .
  وفي قوله تعالى :(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء )(4).
  وفي قوله : ( كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )(5).
  وفي قوله : (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ ) (6) فقرن شهادته بشهادتهم وشهادة ملائكته ، وهذا يدل على عظيم منزلتهم ، ورفيع مكانتهم ، وعلو درجتهم .
  وقال سبحانه : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )(7) .
  وقال سبحانه وتعالى، حكاية عن يوسف عليه السلام : (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي
--------------------------------
(1) أثبتناه من المصدر.
(2) نهج البلاغة 3: 186 | 147 .
(3) الزمر 39 : 9 . (4) فاطر 35 : 28 .
(5) آل عمران 3 : 79.
(6) آل عمران 3 : 18 .
(7) النحل 16: 43، الأنبياء 21 : 7.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 87 _

رَبِّي)(1).
  وقال : (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)(2).
  وقال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(3) فرفعه عليهم بفضيلة العلم ، وأسجدهم له .
  وقال سبحانه : (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ)(4).
  وقال تعالى : (كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ )(5) فيكل ذلك يستشهد أهل العلم ، لا يشير إلا اليهم ، ولا يعتد إلا بهم ، وكفى بذلك فضيلة وفضلاً بالعلم وأهله .
  ولقد أحسن الخليل بن أحمد _ رحمه اللّه _ في قوله لولده : يا بني ، تعلّم العلم ، فإنه يقوّمك ويسددك صغيراً ويقدمك ويسودك كبيراً .
  وقال الصادق (عليه السلام) لأصحابه : (احسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله ،وانصحوا لأنفسكم فيما لا يسعكم جهله ، ومعرفة ما لا عذر لكم في تركه ، فإن للدين أركاناً لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في ظاهر عبادته ، ولا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده) .
  وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (العاقل يعمل بالدرايات ، والجاهل يعمل بالروايات ) .
  وقال عليه السلام : ( كونوا درّائين ، ولا تكونوا روّائين) .
  وقال عليه السلام: (همة العاقل الدراية، وهمة الجاهل الرواية) .
  ولقد صدق ( صلى اللّه عليه واله وسلم) فإن الدراية هي العلم القطعي الذي تبرأ بها لذمة على اليقين به ، وصاحب الرواية على خطر ، لإقدامه على أمر لم يعرف صحة الدليل على العمل به أو الترك له ، ومن هاهنا امتنع كثير من أصحابنا_ رحمهم اللّه _ عن العمل بالخبر الواحد ، المتجرّد من قرينة تعضده .

--------------------------------
(1) يوسف 12 : 37 .
(2) الأنبياء 21 : 79 .
(3) البقرة 2 : 31.
(4) النمل 27 : 40 .
(5) الرعد 13 : 43 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 88 _

  وقد أشار مولانا الصادق عليه السلام إلى العمل على اليقين، والحث على العلم ، المقطوع به في المعارف الدينية، عقيب ذكره المعارف العقلية، بقوله عليه السلام : (وجدت علم الناس في أربع : أحدها : أن تعرف ربك ، والثاني : ان تعرفما أراد منك ، والثالث: أن تعرف ما صنع بك ، والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك)(1).
  وقيل لبعض الحكماء(2) : العلم أفضل أو المال ؟ فقال : العلم ، فقيل له : فما بالنا نرى العلماء على أبواب الأغنياء، ولا نكاد نرى الأغنياء على أبواب العلماء ؟ فقال : ذلك لمعرفة العلماء بمنفعة المال ، وجهل الأغنياء بفضل العالم (3) .
  ولقد أحسن الشاعر في قوله :
الـعـلم زيـن وتـشريف iiلـصاحبهِ      فاطلب  _ هديتَ _ فنون العلم iiوالادبا
لاخـير  فـيمن لـه أصـلٌ بلا iiأدب      حـتى يـكونَ عـلى مـن زانه iiحدبا
كم من نجيب (4)أخي غيٍّ وطمطمةٍ(5)      فـدمٍ (6) لدى القوم معروفٍ إذا iiانتسبا
وخـامـلٍ  مـقرفِ الآبـاءِ ذي iiأدبٍ      نـال  الـمعالي بـه والـمالَ والنشبا
  المقرف : الذي تكون اُمه كريمة وأبوه غير كريم .
ياطالب  العلم نعم الشيء iiتطلبه      لا تـعدلنَّ بـه ورقـا iiولاذهبا
فـالعلم  كـنز وذخـرلانفاد iiله      نعم القرين إذاما عاقلاً صحبا(7)
  وروي عن لقمان أنه قال :
الـعلم زينٌ والسكوت iiسلامة      فـإذا  نطقَت فلا تكن iiمكثارا
ما إن ندمت على سكوت مرةً      ولقد ندمتُ على الكلامِ iiمرارا
  وقال آخر:
تَعَلَّمْ  فليس المرءُ خلق iiعالماً      وليس أخو علم كمن هوجاهلُ

--------------------------------
(1) كنزالفوائد : 99 .
(2) في الكنز: لبزرجمهر.
(3) كنزالفوائد: 340.
(4) في الكنز: حسيب .
(5) الطمطمة: عجمة الانسان فلا يفصح (الصحاح _ طمم _ 5: 1976).
(6) الفدم: العييّ الثقيل (الصحاح _ فدم _ 5: 2001).
(7) كنز الفوائد : 240 _ 241 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 89 _

وان  عزيزَ القوم لا علمَ iiعندَهُ      ذليلٌ إذا انضمت عليه المحافل
  و قال آخر:
لاتـيـأسَنَّ  اذا مـا كـنتَ ذا أدب      عـلى خـمولك أَن ترقى إلى iiالفلك
بـينا تـرى الذهبَ الابريز مُطَّرحَاً      في الترب إذ صار إكليلاً على الملك
  نعود إلى ذكر النثر من القول ، في مدح العَلم وأهله ، وذم من لم يتعلم لله تعالى ، ولم يقم فيه بما يجب عليه .
  روى الشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه _ رحمه اللّه تعالى _ في كتاب الخصال في باب الثلاثة قال :
  قال أمير المؤمنين عليه السلام : (طلبة العلم على ثلاثة أصناف ، ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم : فصنف منهم يتعلمون للمراء والجهل ، وصنف منهم يتعلمون للإستطالةوالختل ، وصنف منهم يتعلمون للفقه والعقل ، فصاحب المراء والجهل ، تراه مؤذياًممارياً للرجال في أندية المقال ، قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع ، فدق الله منهذا حيزومه ، وقطع منه خيشومه .
  وصاحب الإستطالة والختل ، [فإنه ] (1) يستطيل به على أمثاله من أشكاله ، و يتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوائهم هاضم ، ولدينه حاطم ، فأعمى اللّه من هذا بصره ، وقطع من اثار العلماء أثره .
  وأما صاحب الفقه والعقل ، فإنك تراه ذا كآبة وحزن ، قد قام الليل في حندسه ، وانحنى في برنسه ، يعمل ويخشى، خائفاً وجلاً من كل أحد إلا من كل ثقة من إخوانه ، فشدّ اللّه من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه)(2).
  ومن كتاب الكراجكي :عن سليم بن قيس الهلالي ، عن علي ، عن النبي _ صلى الله عليهما وآلهما _ قال : (العلماء رجلان : رجل عالم أخذ بعلمه فهو ناج ، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك ، وان أشد أهل النار ندامة وحسرة ، رجل دعا عبداً الى اللّه _ سبحانه _ فاستجاب له وقبل منه ، فأطاع اللّه فأدخله اللّه الجنة، وأدخل الداعي النار، بتركه علمه ، واتباع الهوى، وطول الأمل ، فإن اتباع الهوى يصد عن

--------------------------------
(1) أثبتناه من المصدر.
(2) الخصال : 194 | 269 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 90 _

  الحق ، وطول الأمل يُنسي الآخرة)(1).
  وقال عليه السلام: (منهومان لا يشبعان : طالب دنيا، وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلها هلك ، إلا أن يتوب ويراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حظه )(2).
  وقال عليه السلام : (الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل : يا رسول اللّه ما دخولهم فيها؟ قال : اتباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك ، فاحذروهم على دينكم )(3).
  وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : (من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده من النار، وان الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها)(4).
  وعن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : (إنأحبكم إلى اللّه تعالى أحسنكم عملآَ ، وإن اعظمكم عنداللّه عملاً أعظمكم فيما عند اللّه رغبة ، وإن أنجاكم من عذاب اللّه أشدكم خشية، وإن أقربكم من اللّه جلذكره أوسعكم خلقاً ، وإن أرضاكم عندالله أشبعكم لعياله ، وإن أكرمكم عند اللّه أتقاكم)(5) .
  وعن أبي عبداللّه الصادق عليه السلام قال : (ثلاث من كن فيه فلا يُرجى خيره ، من لم يستح من (6)العيب ، ولم يخش اللّه في الغيب ، ولم يرعو عند الشيب) (7).
  وروى الشيخ ورام _ رحمه اللّه _ في مجموعه عن النبي صلى اللّه عليه واله وسلم : (يكون في اخر الزمان علماء، يُرغبون الناس في الاخرة ولا يَرغبون ، و يُزَهِّدُون

--------------------------------
(1) الخصال : 51 | 63، وفيه : عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ،عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه واله .
(2) الكافي 1: 36 | 1 .
(3) الكافي 1 : 37 | 5.
(4) الكافي 1: 37 | 6.
(5) الكافي 8: 68 | 24 .
(6) في الأصل : في ، وما أثبتناه من الكافي .
(7) الكافي 8 : 219 | 271 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 91 _

  الناسَ في الدنيا ولا يَزهدون ، وينهون الناس عن الدخول إلى الولاة ولا ينتهون ،يقربون الأغنياء، ويباعدون الفقراء، اُولئك الجبارون أعداء اللّه)(1) .
  وحيث قد ذكرنا فضل العالم والعلم، وحال من لم يعمل بعلمه ، فينبغي أن نذكر حال المتعلم ، وما يجب أن يكون عليه من الصفات التي وصفها الائمةالصادقون عليهم الصلاة والسلام .
  من كتاب الخصال لابن بابويه _ رحمه اللّه تعالى _ في باب ست (2)عشرة خصلة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (إن من حق العالم : أن لا تكثر السؤال عليه ، ولا تسبقه بالجواب ، ولا تلح عليه إذا أعرض ، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل ،ولا تشير إليه بيدك ، ولا تغمزه بعينك ، ولا تساره في مجلسه ، ولا تطلب عوراته ، وألا ّتقول : قال فلان خلاف قولك ، ولا تفشي له سراً ، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تحفظه شاهداً وغائباً، وأن تعم القوم بالسلام وتخصه بالتحية، وتجلس بين يديه ، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى حاجته (3)، ولا تمل من طول صحبته ، فإنما هو مثل النخلة، فانتظر متى تسقط عليك منها منفعة . والعالم بمنزلة الصائم القائم المجاهدفي سبيل اللّه ، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة، وإنطالب العلم يشيعه (4) سبعون ألف ملكاً من مقربي السماءْ) (5).
  وقال علي عليه السلام لابن عباس (6): (إن حق معلمك عليك التعظيم له ،والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع والإقبال عليه ، وأن لا ترفع صوتك عليه ، ولا تجيب أحداً يسأله حتى يكون هوالمجيب له ، ولا تحدث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه اذا ذكر بسوء ، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدواً، ولا تعادي له ولياً، فإذا فعلت ذلك ، شهدت لك ملائكة اللّه بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس).

--------------------------------
(1) تنبيه الخواطر 1: 301.
(2) في الأصل : سبعة وما أثبتناه من المصدر.
(3) في المصدر: خدمته .
(4) في المصدر : ليشيعه .
(5) الخصال : 504 | 1 .
(6) في الأصل : (وقال علي بن العباس عليه السلام)، ولعل الصواب ما أثبتناه .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 92 _

  وقال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة : (العالم العامل بغيرعلمه ، كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجة عليه أعظم ، والحسرة له ألزم ،وهو عند اللّه ألوم)(1).
  وقال عليه السلام : (من نصب نفسه للناس إماما، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، فإن معلم نفسه ومؤدبها أحقب الإجلال من معلم الناس ومؤدبهم)(2).
  وروى جابر الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : (لساعة من عالم يتكىء على فراشه ينظر في علمه ، خير من عبادة العابد سبعين عاما).
  وروى أنس بن مالك في فضل قراءة (شهداللّه أنه لا إله إلا هو)(3) بما تضمنت من فضيلة العلم والعلماء.
  قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : (تعلموا العلم ، فإن تعليمه للهحسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحكث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وتذكر هل أهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبيل الجنة، والأنيس في الوحشة ، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والقربة عند الغرباء، فيرفع اللّه به أقواماً ، فيجعلهم يقتدى بهم ، ويقتص بآثارهم ، وينتهى إلى رأيهم ، وترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، وفي صلاتهم تستغفرلهم ، كل رطب ويابس يستغفرلهم ، حتى حيتان البحار وهوامّها ، وسباع الأرض وأنعامها ، والسماء ونجومها .
  ألا وان العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار ، وقوة الأبدان ، يبالغ بالعبد منازل الأحرار، ومجالس الملوك ، والذكر فيه يعدل بالصيام ، ومدارسته بالقيام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، وبه توصل الأرحام ، وهو امام العمل ، يلهمه اللّه السعداء، ويحرمه الأشقياء) .
  وهذا الحديث _ أيضاً_ فيه زيادة عن الحديث الذي يروى عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، ولهذا كررناه .

--------------------------------
(1) نهج البلاغة 1: 215 | ذيل خطبة 106 .
(2) نهج البلاغة 3 : 166 | 73 .
(3) آل عمران 3 : 18 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 93 _

  وأوصى لقمان ابنه فقال : يا بني ، تعلم العلم والحكمة تشرف ، فإن الحكمة تدل على الدين ، وتشرف العبد على الحر، وترفع المسكين على الغني ، وتقدم الصغير على الكبير، وتجلس المسكين مجالس الملوك ، وتزيد الشريف شرفاً،والسيد سؤدداً، والغني مجداً ، وكيف يظن ابن آدم أن يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ، ولن يهيىء اللّه عز وجل أمر الدنيا والاخرة إلا بالحكمة ، ومثل الحكمة بغير طاعة، مثل الجسد بغير نفس ، أومثل الصعيد بغير ماء ، ولا صلاح للجسد بغير نفس ،ولا للحكمة بغير طاعة .
  واعلم يا بني ، أن الدنيا بحر عميق ، وقد هلك فيه خلق كثير ، فاجعل سفينتك فيه الإيمان باللّه ، وزادك إلتقوى، وشراعك التوكل على اللّه ، وسكان كالإخلاص له ، واعلم أنك إن نجوت فبرحمة اللّه ، وإن هلكت بنفسك .
  واعلم يابني ، ان من حين نزلت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، فأصبحت بين دارين : دار تقرب منها ، ودار تباعد عنها ، فلا تجعلن همك إلاّعمارة دارك التي تقرب منها ويطول مقامك بها ، فلها خلقت ، وبالسعي لها اُمرت ، ثم أطع اللّه بقدر حاجتك إليه ، واعصه بقدر صبرك على عذابه ، وإذا أردت أن تعصيه فاطلب موضعاً لا يراك فيه ، وعليك بقبول الموعظة والعمل بها ، فإنها عند المؤمن أحلى من العسل الشهد، وعلى المنافق أثقل من صعود الدرجة على الشيخ الكبير.
  واعلم يا بني ، أن الموت على المؤمن كنومة نامها ، وبعثه كانتباهه منها فاقبل وصيتي هذه ، واجعلها نصب عينيك ، واللّه خليفتي عليك ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
  وإياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد فرضاَ ولا حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حق .
  وروى صفوان في كتاب النوادر(1) يرفعه إلى أبي حمزة الثمالي ، عن علي ابن الحسين (عليه السلام) ، قال : (من صفة المسلم أن يخلط عمله بالعلم ، ويخلص ليعلم ، وينصب ليسلم ، وينطق ليفهم ، لا يخون أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته

--------------------------------
(1) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 24 : 333 | 1747: النوادر: لصفوان بن يحيى بياع السابري ، بجليّ الولاء، من أصحاب الكاظم ووكيل الرضا والجواد عليهم السلام ، ومؤلف 30 كتاباً ، المتوفى 210هـ ،وهو من أصحاب الاجماع ، ذكره الكشي والنجاشي والطوسي .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 94 _

  للأعداء ، ولا يفعل شيئاً من الخير رياء ولا يتركه حياء ، ان زكّي خاف مما يقولون ، ويستغفر اللّه مما لا يعلمون ، لا يغره قول من جهله ، ويخشى إحصاء ما قد عمله ).
  ومن الكتاب أيضاً قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : (الحمد لله الذي جعل العلم لنا مصباحا في ظلم الدجى، والحلم لنا وقاراً عند الجهالة، والقصد لنا هادياً عند حيرة الاُمور، والصبرلنا جنة عند نازلة الأمور).
  ومن كتاب الخصال في ذم فاسق العلماء: عن البرقي أحمد بن أبي عبد اللّه ، يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : ( قطع ظهري رجلان من الدنيا :رجل عليم اللسان فاسق ، ورجل جاهل القلب ناسك ، هذا يصد بلسانه (1) عن فسقه ،وهذا بنسكه عن جهالته ، فاتقوا الفاسق من العلماء، والجاهل من المتعبدين ، اُولئك فتنة كل مفتون ، فإني سمعت رسول الله صلى اللّه عليه وآله يقول : يا علي ، هلاك اُمتي على يد كل منافق عليم اللسان )(2).
  ومن كتاب القلائد: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (أيها الناس ، اعلموا أن كمال الدين ورأس الطاعة لله ، طلب العلم والعمل به ، ألا وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب الرزق ، لأن الرزق مقسوم مضمون لكم ، قسمه عادل بينكمو سَيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله وقد اُمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه ).
  ومن كلام لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدعاء إلى معرفة حقه وبيان فضله ، وصفة العلماء، وما ينبغي لمتعلم العلم أن يكون عليه ، في خطبة له رواها الشيخ المفيد في كتاب (الارشاد) تركنا ذكر صدرها إلى قوله عليه السلام : (والحمد لله الذي هدانا من الضلالة، وبصّرنا من العمى، ومنَّ علينا بالاسلام ، وجعل فينا النبوة، وجعلنا النجباء، وجعل أفراطنا أفراط الأنبياء، وجعلنا خير اُمة اُخرجت للناس : نأمر بالمعروف ، وننهى عن المنكر، ونعبد اللّه لا نشرك به شيئاً، ولا نتخذ من دونه ولياً ، فنحن شهداء اللّه والرسول شهيد علينا، نشفع فنشفّع فيمن شفعنا له ، وندعو فيستجاب دعاؤنا ، ويغفر لمن نشفع (3) له ذنوبه ، أخلصنا لله فلم ندع من دونه ولياً .

--------------------------------
(1) في الأصل : بضد لسانه ، وما أثبتناه من المصدر.
(2) الخصال : 69 | 103 .
(3) في المصدر: ندعو.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 95 _

  أيّها الناس ، تعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ،واتقوا الله ، إن الله شديد العقاب .
  أيّها الناس ، اني ابن عم نبيكم ، وأولاكم بالله ورسوله ، فاسألوني ثم اسألوني ،فكأنكم بالعلم قد تفقدونه (1)، انه لا يهلك عالم إلا هلك معه بعض علمه ، وإنما العلماء في الناس كالبدر في السماء يضيء (2) على سائر الكواكب ، خذوا من العلم ما بدا لكم ،واياكم أن تطلبوه لخصال أربع :لتباهوا به العلماء ، أوتماروا به السفهاء، أو تراؤا به في المجالس ، أو تصرفوا [به](3) وجوه الناس إليكم للترؤس ، لا يستوي عند الله في العقوبة الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، نفعنا الله وإياكم بما علمنا ، وجعله لوجهه خالصا ، إنه سميع قريب (4))(5).
  وقال عليه السلام : (حسن الأدب ينوب عن الحسب )(6).
  وقوله عليه السلام : (لا حياة إلاّ بالدين ، ولا موت إلا بجحود اليقين ، فاشربوا العذب الفرات ، ينبهكم من نومة السبات ، وإياكم والسمائم (7) المهلكات ).
  يشير عليه السلام إلى معرفة العلم اليقين ، ويحذر من الإخلاد إلى الجاهلين .
  وقال عليه السلام : (العاقل يعمل با لدرايات ، والجاهل يعمل بالروايات ) .
  وقال عليه الصلاة والسلام : (همة العاقل الدراية، وهمة الجاهل الرواية) .
  وقال الصادق عليه السلام : ( كونوا دَرّائين ، ولا تكونوا رَوّائين ، فلخبر تدريه ،خير من ألف خبر ترويه ) .
  وقال كميل بن زياد: قال لي مولانا أمير المؤمنين : (يا كميل بن زياد، تعلم العلم ، واعمل به ، وانشره في أهله ، يكتب لك أجر تعلّمه وعمله إن شاء الله تعالى).
  وقد دل الله تعالى في كتابه العزيز ـ ذكرنا فيما تقدم منها ـ ونذكر الان ما يتيسر ذكره ، فمن ذلك :

--------------------------------
(1) في المصدر : نفد .
(2) في المصدر زيادة: نوره .
(3) أثبتناه من المصدر.
(4) في المصدر: مجيب .
(5) إرشاد المفيد: 122 .
(6) ارشاد المفيد: 157 .
(7) السمائم : جمع سموم وهي الريح الحارة (الصحاح - سمم - 5: 1954).

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 96 _

  قوله تعالى في قصة طالوت : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )(1) فجعل سبحانه سبب تفضيله العلم .
  وقال سبحانه :(أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(2) وهذا من أعظم دلائل فضل العلم رالعلماء العالمين بما علموا.
  وقال أمير إلمؤمنين عليه السلام : (من عبدالله بغير علم كفر من حيث لا يعلم ، ألا وان الأدب حجة العقل ، والعلم حجة القلب ، والتلطّف مفتاح الرزق) .
  وقال الصادق عليه السلام : (إن الشيطان ليطمع في عابر بغيرأدب ، أكثر من طمعه في عالم بأدب ، فتأدبوا وإلأّ فأنتم أعراب ) .
  وقال الباقر عليه السلام : (صمت الأديب عند الله أفضل من تسبيح الجاهل) .
  وقال علي بن الحسين عليه السلام : (العلم دليل العمل ، والعمل وعاء الفهم ،والعقل قائد الخير، والهوى مركب المعاصي ، والدنيا سوق الآخرة، والنفس تاجر ، والليل والنهار رأس المال ، والمكسب الجنة، والخسران النار) .
  ومن كتاب الخصال : عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام قال : (العلم خزائن والمفاتيح ألسؤال ، فاسألوا ـ يرحمكم الله ـ فإنه يؤجر فيه (3) أربعة : السائل ، والمتكلم ، والمستمع ، والمحب لهم) (4).
  ومن كتاب الخصال لابن بابويه رحمه الله : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن ابائه ، عن علي عليه السلام قال : (إن في جهنم رحى تطحن(5)، أفلا تسألوني : ماطحنها ؟ فقيل : وما طحنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : العلماء الفجرة، والقراء الفسقة ، و الجبابرة الظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة، وإن في جهنم (6) لمدينة يقال لها : (الحصينة )أفلا تسألوني : ما فيها ؟ فقيل له : وما فيها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : فيها أيدي .

--------------------------------
(1) البقرة 2 : 247 .
(2) يونس 35:10.
(3) في المصدر: في العلم .
(4) الخصال : 244 |‏ 101 .
(5) في المصدر زيادة : [خمساً].
(6) في المصدر: النار.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 97 _

  الناكثين) (1) .
  ومن كتاب الخصال : عن أبي عبداللهّ عليه السلام ، قال عليه السلام : (إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك الأول من النار.
  ومن العلماء من إذا وُعظ انف وإذا وَعظ عنف ، فذاك في الدرك الثّاني من النار .
   ومن العلماء من يرى أن يضع علمه عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعاً فذاك في الدرك الثالث من النار .
  ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه شيء من قوله ، أو قصر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار.
ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى، ليعزبه دينه ويكثر به حديثه ، فذاك في الدرك الخامس من النار.
  ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ، ولعله لا يصيب حرفاَ واحداً ، والله لا يحب المتكلفين ، فذاك في الدرك السادس من النار.
  ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة وعقلاَ، فذاك في الدرك السابع من النار) (2) .
  يقول العبد الفقير إلى رحمة الله وعفوه ، الحسن بن علي بن محمد بن الديلمي ،تغمده الله برحمته ومسامحته وغفرانه ـ جامع هذا المجموع ـ : إن من العلماء أيضاً منيعنف بالمتعلم ، ويثقل عليه ، ويحمله من التكاليف ما يشق عليه في أول امره ، وإنما ينبغي أن يأخذه استدراجاً وتلطفاً ، ويخاطبه على قدر عقله وبصيرته ، ويحمله ما يسعه وعاؤه ، فما تستوي أخلاق الناس ولا بصائرهم ، فقد يعطى زيد مالم يعط عمر ومن الفهم والذكاء والوعاية ، فمتى حمل الضعيف حمل القوي ، حمله ذلك على الترك والاهمال ، لأن لكل انسان حالاً يؤخذ بها ، ويخاطب على قدرها .
  فقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : (إن الله ـ تبارك وتعالى ـ وضع الاسلام على سبعة أسهم: على الصبر، والصدق ، واليقين ، والرضا ، والوفاء ، والعلم ،

--------------------------------
(1) الخصال : 296 | 65 .
(2) الخصال : 352 | 33 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 98 _

  والحلم ، ثم قسم ذلك بين الناس ، فمن (1) اجتمعت له هذه السبعة أسهم فهو كامل الايمان محتمل .
  ثم قسم لبعض الناس سهماً ولبعض سهمين (2) ولبعض السبعة اسهم ، فلا تُحَمِّلوا صاحب السهم سهمين ، ولا صاحب السهمين ثلاثة(3)، ولا صاحب الستة سبعة ، فيشق ذلك عليهم ويثقل وتنفرونهم ، ولكن ترفقوا بهم ، وسهلوا لهم المدخل .
  وسأضرب لكم مثلاً تعتبروا به ، انه كان رجل مسلماً وكان له جار كافر ، وكان الكافر يرفق بالمسلم ويحسن إليه ، فأحب له المسلم إلايمان .
   ولم يزل يزينه له ويرغبه فيه حتى أسلم ، فأخذه المؤمن وذهب به إلى المسجد فصلى ، معه الفجر، فقال له :لو قعدنا نذكر الله حتى تطلع الشمس ؟ فقعد معه ، فقال : لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس ، وصمت اليوم كان أفضل ؟ فقعد معه وصام ، حتى صلى الظهر والعصر ، فقال : لو صبرت حتى نصلي المغرب والعشاء الاخرة ؟ ثم نهضا وقد بلغ مجهوده ، وكاد يتلف مما ضيق وثقل عليه .
  فلما كان من الغد جاءه فدَقّ عليه الباب ، ثم قال له : اخرج حتى نمضي [إلى](4) المسجد، فأجابه : أن انصرف ، فإن هذا دين شديد لا أطيقه .
  فلا تخرقوا(5) بهم ، أماعلمتم أن امارة بني امية كانت بالسيف والعنف (6)والجور ، وأن إمامتنا بالرفق والتألف والوقار والتقية وحسن الخلطة والورع والإجتهاد ،فرغّبوا الناس في دينكم وما أنتم فيه).
  هذا اخر كلامه عليه السلام ، ذكره عنه ـ مرفوعا ـ ابن بابويه في كتاب الخصال (7) .

--------------------------------
(1) في الأصل : فمن ، وما أثبتناه من المصدر.
(2) في المصدر زيادة : ولبعض الثلاثة الأسهم ، ولبعض الأربعة الأسهم ، ولبعض الخمسة ألأسهم ، ولبعض الستة الأسهم .
(3) في المصدر زيادة أسهم ، ولا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم ، ولا على صاحب الأربعة خمسة أسهم ، ولا على صاحب الخمسة ستة أسهم .
(4) أثبتناه من المصدر.
(5) الخرق : ضد الرفق (الصحاح - خرق - 4 : 1468 ) .
(6) في المصدر: العسف .
(7) الخصال : 354 | 35 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 99 _

  وقال عليه السلام للحارث الهمداني ـ في وصيته له ـ (وخادع نفسك في العبادة، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها ، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة، فإنه لابد من قضائها، وتعاهدها عند محلها).
  وقال الحسن بن علي العسكري عليه السلام : (إن للقلوب إقبالاً وادباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، واذا ادبرت فاقصروها علم ، الفرائض ) .
  ولقد صدق عليه السلام ونصح ، فإن القلوب إن لم تنشط وتقبل على العلوم والعبادات لم يبالغ منها المراد، ولهذا ذم الله تعالى المنافقين بقوله تعالى : (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)(1).
   وقال تعالى في موضع اخر: (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء )(2) فذم سبحانهوتعالى الكسل عند العبادة، والتردد بين أن يفعل وأن لا يفعل ، فلم يبق أن يكون المراد إلاّ أن يقبل العبد بقلبه وجوارحه وعمله الخالص على ربه سبحانه ، فيقبل حينئذ عليه ويعطيه سؤله ومراده .
  فصل: وإذا كان من العلماء قراء القرآن المجيد ـ بل من خيارهم ـ فلنذكر حالهم وصفاتهم ، مضافاً إلى فضل قراءته ، والتَمسك به عند اختلاف الناس .
  روى الشيخ الفقيه أبو الفتح الكراجكي رحمه الله في كتابه ( كنز الفوائد ) مرفوعاً إلى الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا ترى الناس قد وقعوا إلى الاحاديث !
  قال : (وقد فعلوها).
  قلت : نعم .
  قال : (اما أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه واله يقول : سيكون بعد يفتنة، قلت فما المخرج منها يا رسول الله صلى الله [عليك ](3)؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ ماكان قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، ما تركه منجبار إلاّ قصمه الله ، ومن ابتغى الهدىَ من غيره أضلّه الله تعالى ، وهو حبل الله المتين ،

--------------------------------
(1) التوبة 9 : 54.
(2) النساء 4 : 142 ، 103 .
(3) أثبتناه ليستقيم السياق .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 100 _

  وهو لذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن ، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق (1) عن [كثرة](2)الرد ، ولا تنقضي عجائبه ،هو الذي لم يثنه الجن حين سمعته ان قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ )(3) من قال ، به صدق ، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم).
  وروي عن رسول الله( صلّى الله عليه واله وسلم) أنه قال : (ألا اُخبركم بالفقيه كل الفقيه ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إن الفقيه كل الفقيه ، الذي لايؤيس ، الناس منروح الله ، ولا يؤمنهم مكر الله ، ولا يقنطهم من رحمة الله ، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ماسواه ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه ، ولا في علم ليس فيه تفهم)(4).
  وروى عنه عليه الصلاة والسلام وعلى آله أنه قال في قول الله تعالى( كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)(5) قال: (حقاً على من يقرأ القرآن أن يكون فقهياً).
  وقال : (أهل القرآن ، أهل الله وخاصته).
  وقال عليه السلام : ( تعلموا كتاب الله وتعاهدوه وافشوه ، فوالذي نفس محمد بيده لهوأشد تفلتاً من المخاض (6) من عقله).
  وقال : (من سره أن يتمتع ببصره في الدنيا، فليكثر من النظر في المصحف).
  وقال : (مثل المؤمن الذي يقرأ القران كمثل الاترجة، التي ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل الفاجر _ الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل الفاجرالذي لا يقرأ القران كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها) .
  وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (انصتوا إلى ذكرالله، فإنه

--------------------------------
(1) خلق الثوب : بلي وتقادم عهده (مجمع البحرين - خلق - 5: 158 )).
(2) اثبتناه ليستقيم السياق .
(3) الجن 72 : 1 ، 2 .
(4) لم نجده في كنزالفوائد.
(5) آل عمران 3 : 79 .
(6) المخاض : الحوامل من النوق (الصحاح - مخض - 3 : 1105).