أحسن الحديث ، واقتدوا بهدي نبيكم ، فإنه أفضل الهديَ ، وأستنّوا بسنّته ، فإنها أفضل السنن، وتعلموا كتاب الله ، واستضيئوا بنوره ، فإنّه أشفى لما في الصدور، واسمعوا لهوأنصتوا لعلكم ترحمون ).
  وجاء في الحديث عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنه قال : (قراء ألقرآن ثلاثة : رجل قرأ القرآن ، فاتخذه بضاعة، واستدر به الملوك ، واستطال به على الناس ،ورجل قرأ القرآن ، فحفظ حروفه وضيع حدوده ، وأقامه مقام القدح ، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن .
   ورجل قرأ القران ، فوضع دواء القرآن على داء قلبه ، فسهر ليله ،وظمىء به نهاره ، وقام به في مساجده ، وتجافى به عن فراشه ، فذاك من الذين يدفع العزيز الجبار بلاءهم، ويزيل أعداءهم ، وأولئك ينزل الله عزوجل الغيث عليهم من سمائه .
  ثم قال : إذا قرأتم القرآن فبيّنوه تبياناَ ، ولا تهذوه هذّاً كهذّ (1) الشعر، ولاتنثروه نثر الرمل، ولكن افرغوا له القلوب القاسية .
   ولا يكن همّ أحد كَم آخر السورة ،واقرؤوه بألحان العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكبائر، واعربوا به فإنه عربي ولا تقرؤوه هذرمة ، وإذا مررتم بآية فيها ذكر الجنة، فقفوا عندها واسألوا الله الجنة، وإذامررتم بآية فيها لا ذكر النار، فقفوا عندها وتعوذوا بالله من النار ، وحسنوه بأصواتكم ، فإن الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران (عليه السلام) : إذا وقفت بين يديًٌ فقف موقف الذليل الفقير ، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين .
  ولقد كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقرأ القرآن فربما مر عليه المار فيصعق من حسن صوته .
  واقرؤوه في المصحف ، فإنه من قرأه في المصحف متع ببصره ، وخفف عنوالديه وأنه ليعجبني في أن يكون في البيت مصحف ، وأن البقعة التي يقرأ فيها القرآن ويذكر الله تعالى فيها ، تكثر بركتها ، وتحضرها الملائكة، ويهجرها الشيطان ، وتضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض ، وأن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر فيه الله تعالى ، تقل بركته ، وتهجره الملائكة، ويحضره الشيطان .
   ومن قرأالقران وهو شاب مؤمن ، اختلط القرآن بلحمه ودمه ، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيرا (2) عنه يوم القيامة) .

--------------------------------
(1) ألهَذ: سرعة القطع والقراءة. (القاموس المحيط _هذذ_ 1 : 360).
(2) الحجر: المنع، والمراد من الحديث أن القرآن يمنع النارعن قارئه .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 102 _

  وقال عليه السلام (لقارئ القرآن بكلّ َ حرف يقرؤوه في الصلاة قائماً مائةَ حسنة، وقاعداً خمسون حسنة ، ومتطهراً في غير الصلاة خمس وعشرين حسنة ، وغير متطهر عشر حسنات أما أني لا أقول المر [حرف] (1) بل له بالألف عشر، وباللام عشر ،وبالميم عشر، وبالراء عشر).
  وقال (عليه السلام) : (قراءة القرآن أفضل من والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصوم جنة من النار) .
  وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (فإذا التبست عليكم الامور كقطع الليل المظلم ، فعليكم بالقرآن ، فإنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل ، إلى خير سبيل ، من قالبه صدق ، وْمن عمل به وفق ، ومن حكم به عدل ، ومن أخذ به أجر).
  وقال أمير المؤمنين عليه السلام : (القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به) .
  وقال عليه السلام _ عقيب كلام ذكرفيه النبي صلى الله عليه واله وسلم ووصفه ثم قال _ : (قبضه الله إليه كريماً صلى الله عليه وآله ، وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح ولا علم قائم ، كتاب ربكم ، مبيناً حلاله وحرامه ، وعامه وعِبَرَه وأمثاله ، ومرسله وحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، ومفسراً جمله ، مبيناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على ، العباد في جُمَله ، وبين مثبتفي الكتاب فرضه ، معلوم في السنة نسخه ، وواجب في السنة أخذه ، مرخص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، ونايل في مستقبله ، ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، وصغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، وموسع في أقصاه).
  وقال عليه السلام : (القرآن آمر وزاجر ، صامت ناطق ، حجة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتم نوره ، وأكرم به دينه ، وقبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظموا منه _ سبحانه _ ماعظم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئاً من دينه ، ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه ، إلاّ وجعل له علماً بادياً ، وآَية محكمة ، تزجر عنه أو تدعو إليه ، فرضاه فيما مضى واحد ،

--------------------------------
(1) أثبتناه في البحار 92 : 201.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 103 _

  وسخطه فيما بقي واحد.
  واعلموا أنه لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم ، وإنما تسيرون في اثرين ، وتتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم).
  وقال عليه السلام _ في بعض خطبه _ (فانظر _ أيها السائل _ فما دلّكالقرآن عليه من صفته ، فائتم به ،واستضيء بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه ، مما ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى اثره (1)، فكل علمه (2) إلى الله تعالى ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك .
  واعلم أن الراسخين في العلم ، هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضرو بة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا، فاقتصرْ على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين)(3).
  وقال عليه السلام : (وكتاب الله بين أظهركم ، ناطق لا يعيى لسانه ، وبيت لا تهدم أركانه ، وعز لا يهزم أعوانه ) .
  وقال عليه السلام _ في نهج البلاغة _ في التحكيم : (انا لم نحكم الرجال و إنما حكمنا القران ،و هذا القران إنما هو خط مسطور بين الدفتين ، لا ينطق بلسان ولا بدَّله من ترجمان ، وإنما ينطق عنه الرجال ، ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القران ، لم نكن الفريق المتولي عن القرآن _ كتاب الله تعالى_ ، و[ قد] (4) قال الله سبحانه (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)(5) فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ، ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به ، وإن حكم بسنة رسول الله فنحن أولاهم به )(6).

--------------------------------
(1) في الأصل : أتوه ، وما أثبتناه من النهج .
(2) في الأصل : بكل علم ، وما أثبتناه من النهج .
(3) نهج البلاغة 1: 160 .
(4) أثبتناه من النهج .
(5) النساء 4 : 59.
(6) نهج البلاغة 2 : 7 | 121 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 104 _

  وقال عليه السلام :( فإن أطعتموني حملتكم _ إن شاء ألله _ على سبيل الجنة ، وإن كان ذا مشقة شديدة ، ومذاقة مريرة .
وسبيل أبلج المنهاج أنورالسراج ، بالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الإيمان ، وبالإيمان يعمر العلم، وبالعلم يرهب الموت ، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تحرز الآخرة، وإن الخلق لامقصر لهم عن القيامة، مرقين (1) في مضمارها إلى الغاية ألقصوى .
  قد شخصوا من (2) مستقر الأجداث ، وصاروا إلى مضائق الغايات ، لكل دار أهل لا يستبدلون بها ، ولا ينفكون عنها ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لخلقان من خلق الله ، وانهما لا يقربان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وعليكم بكتاب اللهّ ، فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمستمسك بها ،والنجاة للمتعلق به ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، لا تخلقه كثرة ألرد وولوجأ لسمع ، من قال به صدق ومن عمل به سبق).
  فقام إليه رجل فقال : أخبرنا عن الفتنة .
  فقال : (لمّا انزل الله تعالى قوله (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (3) علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ،ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال : يا علي ، إن امتي سيفتنون من بعدي ، فقلت :يا رسول الله أوليس قلت لي في يوم احد، حيث استشهد من استشهد من المسلمين ، وحيزت الشهادة عني فشق ذلك علي ، فقلت لي : ابشر، فإن الشهادة من ورائك ؟
  فقال لي : إن ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذاً ؟ فقلت : يا رسول الله ، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر. فقال يا : يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنون .
   بدينهم على ربهم ، ويتمنون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع .
  فقلت : يا رسول الله ، فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك، أبمنزلة ردة، أم بمنزلة فتنة ؟ فقال :

--------------------------------
(1) أرقل في سيره : أسرع (الصحاح _ رقل _ 4 : 1712).
(2) في الأصل : في ، وما اثبتناه من المصدر.
(3) العنكبوت 29 : 1 ، 2 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 105 _

  بمنزلة فتنة)(1).
وقال عليه السلام : (يأتي على الناس زمان ، يبايع فيه المضطرون ، وقد نهى رسول الله عن بيع المضطرين)(2).
  وقال عليه السلام _ في خطبة له يذكر فيها فضل القرآن وشيئاً من مواعظه _: (انتفعوا ببيان الله ، واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله ، فإن الله قد أعذر إليكم بالجليلة ، واتخذ عليكم الحجة ، وبين لكم محابّهُ من الأعمال ومكارهه منها ، لتبغوا هذه وتتجنٌبوا هذه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول : إن الجنةحفت(3) بالمكارة، وان النار حفت بالشهوات .
  واعلموا ، أنه مامن طاعة الله شيء إلا يأتي في كره ، ومامن معصية الله[شئ] (4)إلا يأتي في شهوة ، فرحم الله رجلاً نزع عن شهوته ، وقمع هوى نفسه ، فإن هذه النفس أبعد شيء منزعاً ، وإنّها لا تزال تنزع إلى المعصية في هوى .
  واعلموا _ عباد الله _ أنّ المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون (5) عنده ، فلا يزال زارياَ عليها ، ومستزيداً لها ، فكونوا كالسابقين قبلكم والماضين أمامكم ،قوضوا(6) من الدنيا تقويض الراحل ، وطووها طي المنازل .
  واعلموا أن هذا القرآن هوالناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدّث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القران أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان ،زيادة في هدى ، ونقصان من عمى .
  واعلموا أنه ليس على أحد بعد القران من فاقة ، ولا لأحد قبل القران من غنى ،فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإن فيه شفاء من أكبر الداء،وهو الكفرو النفاق ، والغي والضلال ، واسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا بهخلقه ، فإنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .

--------------------------------
(1) نهج البلاغة 2 : 62 | 151، من كلام له عليه السلام خاطب به أهل البصرة .
(2) نهج البلاغة 3 : 264 |468 .
(3) في الأصل : حجبت ، وما أثبتناه من النهج .
(4) أثبتناه من النهج.
(5) الظنون : التي يظن فيها الظنون ، يعني انها متهمة عنده . اُنظر(الصحاح _ ظن _ 6 : 2160)
(6) تقوضت الصفوف : تفرقت (الصحاح _ قوض _ 3: 1103).

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 106 _

  واعلموا أنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، وأنه من شفع له القران يوم القيامة شفع فيه ، ومن محل (1) به القران يوم القيامة صدق عليه ، وانه ينادي مناد يوم القيامة:ألا إن كل حارث مبتلىً في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن ، فكونوا من حراثه وأتباعه ، واستدلّوه على ربكم ،واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ،واستغشوا فيه أهواءكم ،العمل (العمل ثم النهاية النهاية، والإستقامة الإستقامة ، ثم الصبر الصبر، والورع الورع)(2) .
  إن لكم نهاية فانتهوا إليها ، وإن لكم علماً فاهتدوا بعلمكم ، وإن للأسلام غاية فانتهوا إلى غايته ، واخرجوا إلى الله مما افترض عليكم من حقه ، وبين لكم منوظائفه ، أنا شاهد لكم وحجيج يوم القيامة عنكم ، ألا وإن القدر السابق قد وقع ،والقضاء الماضي قد تورد، وإني متكلم بعِدَةِ الله وحجته ، قال الله تعالى :(ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم المَلائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون)(3) وقد قلتم : ربنا الله ، فاستقيموا على كتابه ، وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ، ولا تمرقوا منها ، ولا تبدعوا فيها ، ولا تخالفوا عنها ، فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة.
  ثم إياكم وتهزيع (4) الاخلاق وتصريفها ، واجعلوا اللسان واحداً ، وليخزن الرجل لسانه ، فإن هذا اللسان جموح المصاحبة، والله ما أرى أحداً يتقي تقوىً تنفعه حتى يختزن لسانه ، فإن لسان المؤمن من وراء قلبه ، وإن قلب المنافق من وراء لسانه ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه ، فإن كان خيراً أبداه ، وإن كان شراً واراه ، وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه ، لايدري ماذا عليه مما له ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، فمن استطاع منكم أن يلقى اللهّ _ سبحانه _ وهو نقي الراحة من دم المسلمين وأموالهم ،سليم اللسان من أعراضهم ، فليفعل .
  واعلموا _عباد الله _ أن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أول ، ويحرّم
--------------------------------
(1) محل به : كاده ، ورفع أمره إلى السلطان ( الصحاح _محل _ 5: 1817 ).
(2) في الأصل : العمل به الاستقامة الاستقامة ثم الصبر والورع ، وما أثبتناه من النهج.
(3) فصلت 41 : 30.
(4) ألتهزيع : التكسير والدق .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 107 _

  العام ما حرّم عاماً أول ، وإن أول ما أحدث الناس البدع ، ولا يحل لكم شيء مما حُرّم عليكم ، ولكن الحلال ما أحلّ الله ، والحرام ما حرّم الله ، فقد جربتم الاُمور وصرفتموها ، ووعضتم بمن كان قبلكم ، وضربت الأمثال لكم ، ودعيتم إلى الأمرالواضح ، فلا يصم عن ذلك إلأّ أصم ، ولا يعمى عنه إلاّ أعمى ، ومن لم ينفعه الله تعالى بالبلاء والتجارب ، لم ينتفع بشيء من العظة، وأتاه التقصيرمن أمامه ، حتى يعرف ماأنكر ، وينكر ما عرف ، وإنما الناس رجلان : متّبع شرعة ، ومبتدع بدعة ، ليسّ معه من الله سبحانه برهان سنة ، ولا ضياء حجة ، وان الله _ سبحانه _ لم يعظ أحداً بمثل هذا القران ، فإنه حبل الله المتين ، وسببه الأمين ، وفيه ربيع القلب ، وينابيع العلم ، وما للقلب جلاء غيره ، مع أنه قد ذهب المتذكرون ، وبقي المتناسون والناسون ، فإذا رأيت مخيراً فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شراً فاذهبوا عنه ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول : يا ابن ادم ، اعمل الخير، ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد .
  ألا وإن الظلم ثلاثة : فظلم لايغفر ، وظلم لايترك ، وظلم مغفور لاي طلب .
  فأما الظلم الذي لا يغفر، فالشرك باللهّ تعالى ، قال الله تعالى :(إن الله لا يغفر أن يشرك به)(1)و أما الظلم الذي لايترك ، فظلم العباد بعض لبعض .
  وأما الظلم الذي يغفر ، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات (2).
  القصاص هناك شديد ، ليس هو جرحاً بالمدى ، ولاضرباً بالسياط ، لكنه ما يستصغر ذلك معه ، فإياكم والتلون في دين الله ، فإن جماعة فيما تكرهون من الحق ، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل ، وإن الله سبحانه لم يعط أحداَ بفرقة خيراً ، ممن مضى ولا فيمن بقي .
  يا أيها الناس ، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وطولا لمن لزم بيته ، وأكل قوته ، واشتغل بطاعة الله ، وبكى على خطيئته ، فكان من نفسه في شغل ، والناس منه في راحة)(3).
  وقال عليه السلام لبعض أصحابه : (واعلم أن الدنيا دار بلية ، لم يفرغ صاحبها

--------------------------------
(1) النساء 4 : 48 .
(2) الهنات : جمع هنة وهي الشيء اليسير. والمراد ألمظالم الصغيرة لنفسه . أنظر (القاموس المحيط_هنو_404:4).
(3) نهج البلاغة 2 : 109 |171 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 108 _

  ساعة قط ، إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة)(1).
  وقال عليه السلام : (العلم وراثة كريمة ، والاداب حلل مجددة ، والفكر مرآة صافية ، وصدرالعاقل صندوق سره ، والبشاشة حبالة المودة، والاحتمال ينفي العيوب )(2).
  وقال عليه السلام : (اليقين على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأولا لحكمة ، وموعظة العبرة، وسنة الأولين ، فمن بصرفي الفطنة ثبتت له الحكمة، ومن ثبتت له الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين .
  والعدل على أربع شعب : على غائص الفهم ، وغورالعلم ، وزهرة الحكم ،ورساخة الحلم ، فمن فهم علم غورالعلم ، ومن علم غور العلم صدرعن شرائع الحكم ، ومن حلم لم يفرط في أمره ، وعاش في الناس )(3).

--------------------------------
(1) نهج البلاغة 3 : 127 | 59 ، من كتاب له عليه السلام إلى الاسود بن قطيبة صاحب جندحلوان .
(2) نهج البلاغة 3 : 152 | 4 ، 5 .
(3) نهج البلاغة 3: 157 | 30 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 109 _

  من كتاب المجالس للبرقي : عن عبد الله بن يونس(1)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور في الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه اللهّ، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للاصدقاء ، بدنه منه في نصب ، والناس منه في راحة ، إن العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أخوه ، واللين والده ) (2).
  وعن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : (المؤمن يصمت ليسلم ، وينطق ليعلم ،(3) لا يحدث أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته من البعداء ، ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً، ولا يتركه حياءً ، إن زكي خاف مما يقولون ، ويستغفرالله مما لا يعلمون ، ل ايغره قول من جهله ، ويخاف إحصاء ما عمله )(4) .
  وعن أحمد بن خالد، عن بعض من رفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام ، قال :(المؤمن له قوة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في فقه ، ونشاط فيهدى ، وبرّ في استقامة، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حق ، وقصد في غنى،وتجمل في فاقة ، وعفوفي قدرة ، وطاعة لله في نصيحة، وانتهاء في شهوة ، وورع في رغبة ، وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبر في شدة ، وفي الهزاهز وقور ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ، لا يغتاب ، ولا يتكبر ، ولا يقطع الرحم ، وليسبواهن ، ولا فظ ولا غليظ ، ولا يسبقه بصره ، ولا يفضحه بطنه ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يحسدالناس ، ولا يغمز ، ولا يعير ، ولا يسرف ، ينصر المظلوم ، ويرم (5) المسكين ، نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة ، لا يرغب في عز الدنيا، ولا يجزع من ذلها ، للناس همّ قد أقبلوا عليه ، وله همّ قد شغله ، لا يُرى في حلمه (6)نقص ، ولا في رأيه وهن ، ولا في دينه

--------------------------------
(1) في الكافي والخصال : (عبد الله بن غالب )، والظاهر هوالصواب .
(2) الكافي 2 : 181 | 2 ، الخصال : 406 | 1.
(3) في الكافي : ليغنم .
(4) الكافي 2 : 182 | 3 .
(5) في الكافي : يرحم ، ورممت الشيء أرمه : إذا أصلحته (الصحاح _ رمم _ 5: 1936).
(6) في الكافي : حكمه .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 110 _

  ضياع ، يرشد من استرشده ، وينصح من استشاره ، ويساعد من يساعده ، ويكيع (1) عنالخنا والجهل )(2) .
  عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس ، قال أبو عبد الله عليه السلام : (من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن )(3).
  وعن أبي البختري رفعه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (المؤمنون هينون لينون ، كالجمل الألوف ، إذاقيد انقاد(4) وإن اُنيخ (5) استناخ )(6).
  وبهذا الإسناد عن رسول اللهّ صلى الله عليه وآله قال : (المؤمن كمثل شجرة لا ينحات ورقها في شتاء ولا صيف ، قالوا: يا رسول الله ، وما هي ؟
  قال : النخلة)(7).
  وعن إبراهيم العجمي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :(المؤمن حليم لا يجهل ، وإن جهل عليه يحلم ، ولا يظلم ، وإن ظُلِم غفر ، ولا يبخل ، وإنبُخل عليه صبر)(8).
  وعن أبي الحسن اللؤلؤي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (المؤمن من طاب كسبه ، وحسنت خليقته ، وصحت سريرته ،وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، وكفى الناس شره ، وأنصف الناس من نفسه )(9).
  وعن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (قال رسول اللهّ صلى الله عليه وآله : ألا اُنبئكم بالمؤمن ؟ المؤمن من ائتمنه الناس على أنفسهم وأموالهم .
  ألا اُنبئكم بالمسلم ؟ المسلم من سلم الناس من يده ، والمهاجر من هجر السيئات ، وترك ماحرم الله ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه ، أو يخذله ، أو يغتابه ، أو يدفعه عن

--------------------------------
(1) كع عن الشيء : حبس نفسه عنه . انظر(الصحاح _ كعع _ 3 : 1277).
(2) الكافي 2 : 182 | 4 .
(3)الكافي 2 : 183 | 6 .
(4) في الأصل : ان قيد استقاد، وما أثبتناه من الكافي .
(5) في الكافي زيادة :على صخرة .
(6) الكافي 2: 184 | 14 .
(7) الكافي 2: 184 | 16 ، وفيه : علي بن ابراهيم عن أبيه ،عن ألنوفلي، عن ألسكوني عن أبي عبداللهقال: قال رسول الله .
(8) الكافي 2: 184 | 17 . وفيه : عن أبي إبراهيم الأعجمي .
(9) الكافي 2 : 184 | 18 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 111 _

حقه) (1).
  وعن عبدالله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : (صلى أمير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق ، ثم انصرف فوعظهم ،فبكى وأبكى من خوف الله تعالى ، ثم قال : أما والله ، لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى اللهّ عليه واله ، وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم ،يناجون ربهم ، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائف ونوجلون مشفقون )(2).
  وعن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : (صلى أمير المؤمنين الفجر، ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قدر رمح ، وأقبل على الناس بوجهه فقال : والله لقد أدركت أقواماً يبيتون لربهم سجداً وقياماَ، يخالفون بين جباههم وركبهم ، كأنّ زفير النار في اذانهم ، إذا ذكر الله تعالى عندهم مادوا كما تميد الشجر ، كأن القوم باتوا غافلين .
   ثم قام فما رؤي ضاحكاً حتى قضى نحبه صلى اللهّ عليه وآله )(3).
  وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : (لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ، ولا يكون المؤمن جباناً ولا حريصاً ولا شحيحاً)(4). وقال عليه السلام : (لا يكون المؤمن مؤمناً ، حتى تكون فيه ثلاث خصال : سنة من ربه ، وسنة من نبيه ، وسنة من إمامه ، فأما الذي من ربه فكتمان (5) سره ، قال الله ّعز وجل :( فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول)(6) وأما سنة نبيه فمداراة الناس ، قال الله تعالى : (خذ العفو واْمُر بالعرف واعرض عن الجاهلين) (7) وأما السنة من
--------------------------------
(1) الكافي 2 : 184 | 19 .
(2) الكافي 2 :185 | 21.
(3) الكافي 2 : 185 | 22.
(4) الخصال : 82 | 8 .
(5) في الأصل : كتمان ، وما أثبتناه من الكافي .
(6) الجن 72: 26 ، 27 .
(7) الاعراف 7 : 199 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 112 _

  إمامه فالصبر (1) في البأساء والضراء وحين البأس ) (2).
وقال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام: أخبرنا عن الأخوان. قال: ( الإخوان صنفان : إخوان الثقة وأخوان المكاشرة (3) ، فأما أخوان الثقة، فهم الكف والجناح والأهل والمال ، فإذا كنت من أخيك على أحد الثقة ، فابذل له مالك وبدنك ، وصاف من صافاه ، وعاد من عاداه ، واكتم سره وعيبه ، واظهر منه الحسن، واعلم _ أيها السائل _ انهم أقل من الكبريت الأحمر.
  وأما إخوان المكاشرة، فأنك تصيب منهم لذتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذللهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان ) (4).
  وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( اذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصدت قصدك)(5) .
  وعن عمرو بن أبي المقدام، عن ابيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه :شيعتنا المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون (6) في مودتنا ، المتزاورون في أحياء أمرنا، إن غضبوا لم يظلموا ، وإن رضوا لم يسرفوا بركة على من جاوروا وسلم لمن خالطوا )(7).
  وعن عيسى بن النهريري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من عرف الله وعظمته ، منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام، وعزّ (8)نفسه بالصيام والقيام .
   فقالوا: بآبائنا وامهاتنا أنت يارسول الله [هؤلاء أولياء الله ؟] (9) فقال:

--------------------------------
(1) في الاصل: الصبر، وما أثبتناه من الكافي.
(2) الكافي 2 : 189 | 39 .
(3) أخوان المكاشرة : من كاشره : إذا تبسم في وجهه وانبسط معه ( مجمع البحرين _كشر _3: 474) .
(4) الخصال : 49 | 56 .
(5) الخصال : 81 | 6 .
(6) في الأصل : المتحاوبون ، وما أثبتناه من الكافي .
(7) الكافي 2 : 185 | 24 .
(8) في المصدر : وعفى ، ولعل الصواب : وعنٌي .
(9) أثبتناه من الكافي .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 113 _

  إن أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة ، لولا الاجال التي كتبت لهم ، لمتقرَّ أرواحهم في أجسادهم ، خوفاً من العذاب ، وشوقا إلى الثواب )(1).
  وعنه يرفعه قال : خطب الحسن بن علي عليهما السلام فقال : (أيها الناس ، أنا اُخبركم عن أخ كان لي ، وكان من أعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظم به فيعيني ، صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة ، فلا يمد يده إلاّ على ثقة، وكان لا يَتَشَهّى ولا يَسخط ولا يَتَبَرَّمُ وكان أكثر دهره صامتاً ، فإذا قال بذّ القائلين ونقع غليل السائلين ، وكان لا يدخل في مراء ، ولا يشارك في دعوى ، ولا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً ، وكان لا يغفل عن إخوانه ، ولا يخص نفسه بشيء دونهم ، وكان ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جاء الجد كان ليثاً عادياً، وكان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذاره ، وكان يقول ما يفعل ، ولا يقول ما لا يفعل ، وكان إذا اعتراه أمران ، نظر أيّهما كان أقرب إلى الهوى فخالفه ، وكان لا يشكو وجعاً إلا عند من يرجو عنده البرء ،وكان لا يستشير إلاّ عند من يرجو عنده النصيحة، وكان لا يتبرم ولا يتسخط ، ولا يتشكى ، ولا يتشهى ، ولا ينتقم ، ولا يغفل عن العدو.
  فعليكم بهذه الخلائق الكريمة إن اطقتموها ، وإن لم تطيقوها كلها ، فأخذ القليل خيرمن ترك الكثير ، ولا حول ولا قوة إلا ّبالله )(2).
  وعن مهزم الاسدي قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (شيعتنا من لا يعد وصوته سمعه ، ولا شحناؤه بدنه ، ولا يتمدح بنا معلناً ولا يجالس لنا عائباَ ، ولا يخاصملنا قالياً ، إن لقي مؤمناً أكرمه ، وإن لقي جاهلاً هجره ).
  فقلت : جعلت فداك ، فكيف أصنع بهؤلاء المشبهة ؟
  قال : (فيهم (3) التمييز، وفيهم (4) التبديل ، وفيهم التمحيص ، تأتي عليهم سنون تفنيهم ، وطاعون يقتلهم ، واختلاف يبددهم ، شيعتنا [من](5) لا يهر هرير الكلاب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل عدونا وان مات جوعا) .

--------------------------------
(1) الكافي 2 : 186 | 25 .
(2) الكافي 2: 186 | 26، وفيه : وعنه ، عن بعض أصحابه العراقيين ، رفعه قال : ...
(3 ، 4) في الأصل : منهم ، وما أثبتناه من الكافي .
(5) أثبتناه من الكافي .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 114 _

  قلت :[جعلت](1) فداك ، فأين أطلب هؤلاء ؟ .
  قال : ( في أطراف الأرض ، اُولئك الخفيض عيشهم ، المنتّقلة ديارهم ، إنشهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، ومن الموت لا يجزعون ، وفي قبورهم يتزاورون ، وإن لجأ إليهم ذو حاجة رحموه ، لن (2) تختلف قلوبهم وإن اختلفت بهم الدار).
  ثم قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا المدينة وعلي الباب ، وكذب من زعم أنه يدخل المدينة إلاّ من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض علياً)(3).
  وعن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (قال (4) رسول الله (ّصلى الله عليه واله وسلم) : من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، كان ممن حرمت غيبته ، وكملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت اُخوته )(5).
  وعن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاث خصال من كن فيه استكمل الإيمان : الذي إذا رضي لميدخله رضاه في باطل ، واذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له )(6).
  وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :إن خياركم اولو النهى ، قيل : يا رسول الله ، ومن اولو النهى ؟ .
  قال : هم اُولو الأخلاق الحسنة، والأحلام الرزينة، وصلة الأرحام ، والبررة بالآباء والاُمهات ، والمتعاهدون الفقراء والجيران واليتامى ، ويطعمون الطعام ، ويفشون السلام في العالم ، ويصلّون والناس نيام غافلون )(7).

--------------------------------
(1) أثبتناه من الكافي .
(2) في الأصل : ان ، وما أثبتناه من الكافي .
(3) الكافي 2 : 186 | 27 .
(4) في الأصل زيادة : قال .
(5) الكافي 2 : 187 | 28 .
(6) الكافي 2 : 187 | 29، وفيه : عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبدالله بن الحسن ، عن اُمه فاطمة بنتالحسين بن علي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
(7) الكافي 2: 188 | 32، وفيه: عن اسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن .
=

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 115 _

  وعن أبي حمزة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (من زار أخاه لله _ لا لشيء غيره _ بل التماس موعد الله ، وتنجزما عنده ، وكل الله به سبعين الف ملكاً ينادونه : ألا طبت ، وطابت لك الجنة)(1).
  وعن محمد بن قيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (إن لله جنة لا يدخلها إلاّ ثلاثة : رجل حكم على نفسه بالحق ، ورجل زار أخاه في الله ، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله )(2).
  وعن كتاب المجالس للبرقي ، عن عبداللهّ بن يونس ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (قام رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام _ وهو يخطب _ فقال : يا أمير المؤمنين ، صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظرإليه ، فقال عليه السلام : المؤمن هو الكيس الفطن ، بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع شيء صدراً ، وأذل شيء لقاء ، زاجر نفسه عن كل باب ، خائض الغمرات على كل خير، لا حقود ، ولا حسود ،ولا وثّاب ، ولا سبّاب ، ولا عيّاب ، ولا مغتاب ، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل الغم ، بعيد الهم ، كثير الصمت ، ذكور ، وقور ، صبور ، شكور ، مغموم بذكره ، مسرور بفقره ، سهل الخليقة، لين العريكة، رصين الوفاء، قليل الأذى، لا متأفِّك ولا متهتك ، إنضحك لم يُخْتَرق ، وان غضب لم ينزق ، ضحكه تبسماً ، واستفهامه تعلّماً، ومراجعته تفهماً ، كثير علمه ، عظيم حلمه ،كثير الرحمة ، لا يبخل ، ولايعجل ، ولا يضجر، ولا يبطر ، ولا يحيف في حكمه ، ولا يجور في علمه ، نفسه أصلب من الصلد، ومكادحته أحلى من الشهد، لاجشع ، ولا هلع ، ولا عنت ، ولا صلف ، ولا متكلف ، ولا متعمق ، جميل المسارعة، كريم المراجعة، عدل إن غضب ، رفيق إن طلب ، لا متهور ، ولا متهتك ، ولا متجبر، خالص الود، وثيق العهد، وفيّ العقد، شفيق وصول ، حليم خمول ، قليل الفضول ، راض عن الله عز وجل ، مخالف لهواه لا يغلظ على من يؤذيه ، ولا يخوض في ما لا يعنيه ، ناصر للدين ، محام عن المؤمنين ، وكنف للمسلمين ، لا يخرق الثناء سمعه (3)،

--------------------------------
=
  عمر والنخعي ، قال : وحدثني الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن سليمان ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام .
(1) الكافي 2 : 140 | 1 .
(2) الكافي 2 : 142 | 11، وفيه : عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه السلام .
(3) في الأصل : سمطه ، وما أثبتناه من الكافي .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 116 _

  ولا ينكأ الطمع قلبه ، ولا يصرف اللعب حكمه ، ولا يطلع الجاهل علمه ، قَؤول عمّال ،عالم حازم ، لا فحاش ولا طياش ، وصول في غير عنف ، بذول في غير سرف ، لا حكّار ولا غدّار ، ولا يقتفي أثراً، ولا يحيف بشراً ، رفيق بالخلق ، ساع في الارض ، عون للضعيف ، غوث للملهوف ، لا يهتك ستراً ولا يكشف سراً ، كثير البلوى، قليل الشكوى .
  إن رأى خيراً ذكره ، وإن عاين شراً ستره ، يستر العيب ، ويحفظ الغيب ،ويقيل العثرة، ويغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذر ، ولا على فحش فيتهم ، أمين رصين ،تقيّ نقيّ زكيّ ، وفيّ رضيّ ، يقبل العذر ، ويجمل الذكر، ويحسن بالناس الظن ،ويتهم على الغيب نفسه .
  يجب في الله بفقه وعلم ، ويقطع في الله بحزم وعزم ، لا يخرق به فرح ، ولا يطيشبه مرح ، مذكّر العالم ، معلّم الجاهل ، لا يتوقع له بائقة ، ولا يخاف منه غائلة، كل سعي أخلص عنده من سعيه ، وكل نفس أصلح عنده من نفسه ، عالم بعيبه ، متشاغل بغمّه ، لا يثق بغير ربه ، غريب وحيد فريد ، يحب في الله ، ويجاهد في الله ، ليتبع رضاه ، ولا ينتقم لنفسه بنفسه ، ولا يؤاتي في سخط ربه .
  مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل الصدق ، مؤازر لأهل الحق ، عون للغريب ، أب لليتيم ، بعل للأرملة ، حفيّ بأهل المسكنة، مرجو لكل كريمة ، مأمول لكل شدة ، هشاش بشاش ، ليس بعبّاس ولا بجسّاس ، صليب كظّام بسام ، دقيق النظر، عظيم الحذر، لا يبخل وإن بُخل عليه صبر ، عقل فاستحيى وقنع فاستغنى ، حياؤه يعلو شهوته ،ووده يعلو حسده ، وعفوه يعلو حقده ، لا ينطق بغير صواب .
  لبسه الاقتصاد، ومشيه التواضع خاشع لربه بطاعته ، راض عنه في كل حالاته ، نيته خالصة، أعماله ليس فيها غش ولا خديعة ، نظره عبرة ، وسكوته فكرة ، وكلامه حكمة ، مناصحاً متباذلاً متآخياً ناصراً في السر والعلانية ، لا يهجر أخاه ، ولا يمكر به ، ولا يغتابه ، ولا يأسف على مافاته ، ولا يحزن على ما أصابه ، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجا، ولا يفشل عنداللقاء للعدو ، ولا يقنط عندالبلاء، ولا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم ، والعقل بالصبر .
  تراه بعيداً كسله ، دائماً نشاطه ، قريباً أمله ، قليلاً زللـه ، متوقعاً أجله ، خاشعا ًقلبه ، ذاكراً ربه ، قانعة نفسه ، نزراً أكله ، منفياً نومه ، سهلاً أمره ، حزيناً لدينه ، ميتة شهوته ، كظوماً غيظه ، صافياً خلقه ،آمناً جاره ، ضعيفاً كبره ، قانعاً بالذي قدّر له ، متيناً

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 117 _

  صبره ، محكماً أمره ، كثيراً ذكره ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ،و يتجر ليغنم ، لا ينصت للخبر فيفجر به ، ولا يتكلم الخبر على من سواه (1)، نفسه منه فيعناء ، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لاخرته ، وأراح الناس من نفسه ، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له ، بُعده مما تباعد منه بغض ونزاهة ، ودنوه ممندنا منه لين ورحمة ، ليس تباعده تكبراً ولا عظمة ، ولا دنوه خديعة ولا مكرآَ ، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، وهو إمام لمن بعده من أهل البر(2).
  ومن كتاب المجالس أيضا، عن البرقي ، ويرفعه إلى أحدهم عليهم السلام ،قال : (مر أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه بمجلس من مجالس قريش ، فإذا هو بقوم بيض ثيابهم ، صافية ألوانهم، كثير ضحكهم ، يشيرون إلى من مربهم بأصابعهم .
   ثم مرّبمسجد الأوس والخزرج ، فإذا أقوام قد بليت منهم الأبدان ، ورقّت منهم الرقاب ، واصفرّت منهم الألوان ، وقد تواضعوا بالكلام .
  فتعجب أمير المؤمنين عليه السلام منهم ، ثم دخل على رسول اللهّ صلى الله عليه واله وسلم فقال : بأبي أنت واُمي ، اني مررت بمجلس لآل فلان ، ثم وصفهم ، ومررت بمجلس للأوس والخزرج ، فوصفهم ، ثم قال : وجميع مؤمنون ! فأخبرني _ يا رسول الله _ بصفة المؤمن ؟
  فنكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه ، ثم رفعه فقال : عشرون خصلة في المؤمن ، فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه ، إن من اخلاق المؤمنين _ يا علي _ الحاضرون الصلاة، والمسارعون إلى الزكاة، [والحاجون لبيت الله الحرام ، والصائمون في شهر رمضان] (3) والمطعمون المسكين ، والماسحون رأس اليتيم ، المطهرون أظفارهم (4)،المتّزرون على أوساطهم ، الذين إن حدّثوا لم يكذبوا ، وإن وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ، وإن تكلموا صدقوا ، رهبان الليل ، واُسود النهار، وصائمون النهار، وقائمون الليل ، لا يؤذون جاراً ، ولا يتأذّى بهم جار ، الذين مشيهم على الأرض هوناً ، وخطاهم إلى بيوت الأرامل ، وعلى أثر الجنائز، جعلنا الله وإياكم من المتقين )(5)

--------------------------------
(1) كذا في الأصل ، وفي الكافي : ولايتكلم ليتجبّربه على من سواه .
(2) الكافي 2 : 179 | 1 ، باختلاف يسير.
(3) أثبتناه من أمالي الصدوق .
(4) في الكافي : أطمارهم .
(5) رواه الكليني في الكافي 2: 182 | 5، بسنده عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض
أصحابنا
=

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 118 _

  ومن كتاب الفرائد والعوائد : عن أبي جعفر عليه السلام قال : (من اداب المؤمن حفظ الأمانة ، والمناصحة ، والتفكر ، والتقية ، والبر ، وحسن الخلق ، وحسن الظن، والصبر، والحجاء، والسخاء، والعفة، والرحمة، والمغفرة، والرضا ، وصلة الرحم ،والصمت ، والستر، والعفة ، والرحمة ، والمغفرة ، والمواساة ، والتكريم ، والتسليم ، وطلب العلم ، والقناعة ، والصدق ، والوفاء ، وترك الاعتلام (1) ، وترك الاحتشمام ، والرحم ،والنصفة ، والتواضع ، والمشاورة ، والاستقالة، والشكر، والحياء ، والوقار) .
  ثم ذكر عليه السلام الخصال التي يجب على المؤمن تجنّبها ، فقال : (البغي ،والبخل ، والدناءة ، والخيانة ، والغش ، والحقد ، والظلم ، والشره ، والخرق ، والعجب ،والكبر، والحسد ، والغدر الفاشي، والكذب، والغيبة ، والنميمة، والمكايدة، وسوء الظن ،ويمين البوار، والنفاق ، والمنّه ، وجحود الإحسان ، والعجز، والحرص ، واللعب ، والإصرار ،والقطيعه ، والمزاح ، والسفه ، والفحش ، والغفلة عن الواجب ، وإذاعة السر) .
  وعن ابن مسكان ، عن الصادق عليه السلام قال : (إن الله خص رسله بمكارم الأخلاق ، وطبعهم عليها ، فامتحنوا أنفسكم ، فإن كانت فيكم ، فاحمدوا الله عز وجل ،واعلموا أن ذلك من خير ، وإن لم تكن فيكم ، فاسألوا الله تعالى التوفيق لها ، واجتهدوا) .
  وقال عليه السلام : (مكارم الأخلاق عشرة: اليقين ، والقناعة ، والصبر، والشكر، والحلم ، وحسن الخلق ، والسخاء والمروءة ، والغيرة ، والشجاعة) (2) .
  ثم قال عليه السلام : (هذه العشرة خصال من صفات المؤمنين ، فمن كانت فيه ، فليعلم ذلك من خير أراده الله تعالى به ).
  وزاد عليها فقال : (والبر، والصدق ، واداء الأمانة، والحياء) .
 وروى ابن بكير(3)عنه عليه السلام أنه قال : (انا لنحب من كان عاقلاً ،فهماً ، فقيهاً ، عليماً ، مدارياً ، صبوراً ، صدوقاً ، وفياً ، إن الله تعالى خص الأنبياء عليهم

--------------------------------
=
  رفعه عن أحدهما عليهما السلام ، والكراجكي في كنز الفوائد : 29 عن المحاسن للبرقي ، ورواه باختصار الصدوقفي أماليه : 439 | 16 .
(1) كذا، ولعل الصواب : الإغتلام .
(2) الكافي 2 : 46 | 2 ، والخصال : 431 | 12 ، ومشكاة الأنوار: 238، باختلاف يسير.
(3) في الاصل : أبوبكير، وما أثبتناه هو الصواب ، وهو عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن ، منأصحاب الإمام الصادق عليه السلام، أنظر (رجال الشيخ 229 | 58 وفهرسته : 106 | 452 ،وتنقيح المقال 3 : 42 فصل الكنى).

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 119 _

  السلام بمكارم الأخلاق ، فمن كان فيه شيء من مكارم الأخلاق فليحمد الله تعالى ، ومن لم يكن فيه فليتضرع الى الله عز وجل وليسأله إياها).
  قال : وذكر هذه الخصال وزادها . وصدق الحديث (1).
  وعن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه السلام قال : (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ألا اخبركم بأشبهكم بي خلقاً ؟ فقيل : بلى ، يا رسول الله ، فقال : أعظمكم حلماً ، وأكثركم علماً، وأبركم بقرابته ، وأشدكم حباً لاخوانه في دينه ،وأصبركم على الرضا والغضب ).
  وروي عنه عليه السلام أنه قال : (إن الله تعالى ارتضى لكم الإسلام ،فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق ) (2).
  وعن المفضل بن عمر ، عن الكاظم عليه السلام قال : (لم ينزل من السماء أعز ولا أقل من ثلاثة أشياء: التسليم ، والبر، واليقين )(3).
  وروي عنه عليه السلام ، أنه قال : (ألا اُخبركم بمكارم الأخلاق ؟ قالوا : بلى ،يا بن رسول الله ، فقال : الصفح عن الناس ، ومواساة الأخ المؤمن في الله تعالى ، من المال _ قل أو كثر _ وذكر الله تعالى كثيراً) .
  وقيل له عليه السلام : من أكرم الخلق على الله تعالى ؟ .
  فقال : (من إذا اُعطي شكر ، واذا ابتلي صبر ، وإذا اُسيء إليه غفر ).
  وعن يحيى بن اُم الطويل ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : (طوبى لمن طاب خلقه ، وطهرت سجيته ، وحسنت علانيته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، وأنصف الناس من نفسه ).
  وروي عنه عليه السلام أنه قال : (لا تعب أخاك المؤمن بعيب هو فيك حتى تصلحه من نفسك ، فإذا أصلحته بدا لك عيب غيره ، وكفا بالمرء شغلاً بنفسه ).
  وقال عليه السلام : (أنفق ولا تخف فقراً ، وأنصف الناس ) .
  وعن محمد بن أبي زينب ، عن الصادق عليه السلام قال : (الدعاء عندالكرب ، والاستغفار عندالذنب ، والشكرع ند النعمة، من أخلاق المؤمنين ) .

--------------------------------
(1) الكافي 2 : 46 | 3، ومشكاة الأنوار: 238 .
(2) الكافي 2 : 46 | 4،روضة الواعظين : 384، مشكاة الأنوار: 221.
(3) مشكا ة الانوار: 27، وفيه : عن كتاب المحاسن عن أبي عبداللهّ عليه السلام .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 120 _

  وقال عليه السلام : (البر وحسن الخلق ، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار .
  وصنائع المعروف وحسن البشر، يكسبان المحبة، ويدخلان الجنة .
  والبخل وعبوس الوجه ، يبعد ان من الله تعالى ذكره ، ويدخلان النار).
  وعنه عليه السلام قال : (وجدت في ذؤابة ذي الفقار صحيفة، فيها : صل منقطعك ، واعط من حرمك ، وقل الحق ولوعلى نفسك ).
  وعن الكاظم عليه السلام ، أنه قال :(لا عز إلاّ لمن تذلل لله ، ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله ، ولا أمن إلاّ لمن خاف الله ، ولا ربح إلاّ لمن باع اللهّ نفسه ).
  وعن الصادق عليه السلام قال : (ثلاثة لا يطيقهن الناس : الصفح عن الناس ، ومواساة الرجل أخاه المؤمن ، وذكر الله تعالى كثيراً)(1). وقال عليه السلام : (ما ابتلي الناس بشيء أشد من إخراج الدرهم ، لا الصلاةولا الصيام ولا الحج ، فإن الله تعالى يقول : (وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ {محمد/36} إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا )(2) ثم قال : (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء)(3) ) . وقال عليه السلام (4): (إن أحب الخلائق إلى الله تعالى شاب حدث السن ،في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله في طاعة اللهّ تعالى ، ذاك الذي يباهي اللهّ تعالى به ملائكته فيقول : هذا عبدي حقاً).
  وعنه عليه السلام ، أنه قال : (شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزه كفه عن أعراض الناس ، واستغناؤه عما في أيديهم ) .
  وعنه عليه السلام قال : (من أخرجه الله تعالى من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، أغناه الله بلا مال ، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس .
   ومن خاف الله تعالى ، أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف اللهّ، خَوَّفه الله من كل شيء .
   ومن رضي من الله تعالى باليسير من المعاش ، رضي الله منه باليسير من العمل ، ومن لم يستحي من طلب الحلال وقنع به ، خفّت مؤنته ، ونعم أهله ، ومن زهد في الدنيا، أثبت الله الحكمة في

--------------------------------
(1) الزهد : 17 | 38، مشكاة الأنوار: 57 .
(2)محمد 47 : 36 ، 37 .
(3) محمد 47 : 38 .
(4) في الاصل زيادة : قال .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 121 _

  قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا _ دائها ودوائها _ وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار السلام )(1).
  وقال عليه السلام : (من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله ، وأقوى الناسف ليتوكل على اللهّ، وأغناهم فليكن بما في يد لله أوثق منه بما في يديه ).
  وعنه عليه السلام قال: (ثلاث منجيات : خوف الله في السر و العلانية كأنك تراه ، وإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر .
  وثلاث مهلكات : هوى متبع ، وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه ).
  وعن النبي صلى الله عليه وآله قال : (أقرب الناس من الله _ يوم القيامة _ من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا، وهم الأتقياء الأخفياء الذين إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، تعرفهم بقاع الأرض، لم وتحف بهم ملائكة السماء، نَعمَالناس بالدنيا ، ونعموا بطاعة الله ، افترش الناس الفرش ، وافترشوا الجباه والركب ،ضيع الناس أوقاتهم في لهو الدنيا، وحفظوها هم في الجد والاجتهاد ، تبكي الأرض لفقدهم ، ويسخط الله على كل بلدة ليس فيها منهم أحد، لم يتكلبوا على الدنيا تكلب الكلاب على الجيف ، يراهم الناس يظنون أن بهم داء ، وما بهم من داء إلاّ الخوف من الله ، ويقال : قد خولطوا وذهبت عقولهم ، وما ذهبت ، ولكن نظروا بقلوبهم إلى أمر أذهب عنهم الدنيا، فهم عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول ، وهم الذين عقلوا، وذهبت عقول من خالفهم )(2).
  وروي أن في التوراة مكتوباً : إن الله تعالى يبغض الحبر السمين ، لأن السمن يدل على الغفلة وكثرة الاكل ، وذلك قبيح وخصوصاً بالحبر .
  ومثله (3) قال ابن مسعود : ان الله يبغض [ القارىء](4)السمين (5).
  وفي خبر مرسل : (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش )(6).

--------------------------------
(1) أمالي الطوسي 2 : 232 .
(2) تنبيه الخواطر 1: 100 باختلاف يسير.
(3) في تنبيه الخواطر: ولأجله .
(4)أثبتناه من تنبيه الخواطر.
(5) تنبيه الخواطر 1 : 101 .
(6) تنبيه الخواطر 1: 101.

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 122 _

  وقال النبي صلى الله عليه واله : (إن للمؤمن أربع علامات : وجهاً منبسطاً ، ولساناً لطيفاً ، وقلباً رحيماَ ، ويداً معطية).
  وقال عليه السلام : (إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق الحديث ،وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد ، وقلة الفخر والبخل (1)، وصلة الأرحام ، ورحمة الضعفاء ،وقلة المواتاة للنساء ، وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتّباع العلم فيما يقرّب إلى الله عزوجل ، فطوبى لهم وحسن مآب .
   وطوبى شجرة في الجنة، أصلها في داررسول الله ليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها ، لا ينوي في قلبه شيئاً إلا أتاه الله بهمن [ذلك ](2) الغصن ، ولوأن راكباً مجدّاً سار في ظلها مائة عام لم يخرج منها ، ولو أن غراباً طار من أصلها ما بلغ أعلاها حتى يبيضّ هرماً ، ألا ففي هذا فارغبوا ، ان المؤمن من نفسه في شغل ، والناس منه في راحة ، إذا جنّ عليه الليل فرش وجهه على الأرض ،وسجد لله تعالى بمكارم بدنه ، يناجي ربه الذي خلقه في فكاك رقبته من النار، ألا فهكذا كونوا) (3).
  وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنه قال : (لا يقبل الله من الأعمال إلاّ ما صفا وصلب ورق ، فأما صفاءها فلله وأما صلابتها فللدين ، وأما رقتها فللا خوان ).
  وروي أن سلمان دخل على أمير المؤمنين _ وبيده رقعة _ فقال : (هي من الرقاع التي علقت على آذان أصحاب الكهف ) وإذا فيها ثلا ثة أسطر:
  أولها : قضي القضاء، وتمّ القدر، وماجرى به القدر فهو كائن .
  والثاني : الرزق مقسوم ، والحريص محروم ، والبخيل مذموم .
  والثالث أعن زمانك ، واخف مكانك ، واحفظ لسانك ،واقبل على، شأنك .
  وروي عن النبي صلى الله عليه وآله ، أنه التقى بقوم فقال : (من أنتم ؟) .
  فقالوا : مؤمنون ، يا رسول الله .
  فقال صلى الله عليه واله : (ما حقيقة إيمانكم ؟).
  فقالوا : الرضا بقضاء الله ، والصبرعلى بلاء الله ، والتسليم لأمرالله .

--------------------------------
(1) كذا في الأصل ، ولعله تصحيف ، صوابه : النجل ، وفي الحديث : من نجل الناس نجلوه أيمن عاب الناس عابوه ومن سبهم سبوه (لسان العرب _ نجل _ 11 : 647).
(2) أثبتناه من الخصال .
(3) الخصال : 483 | 56، ومشكاة الأنوار: 86، وفيهما: عن أمير المؤمنين عليه السلام .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 123 _

  فقال : (علماء حكماء ، كادوا يكونوا أنبياء من الحكمة، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولاتجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون ).
  وروي أن قوماً استقبلوا أمير ألمؤمنين عليه السلام _ بباب الفيل، في مسجدالكوفة _ فسلموا عليه وقالوا : نحن شيعتك ، يا أمير المؤمنين ، فقال : (كذبتم ، شيعتي عمش العيون من البكاء، ذبل الشفاه من الذكر والدعاء، خمص البطون من الطوى ، صفرالوجوه من السهر، حدب الظهور من القيام ).
  وعن نوف (1) البكالي قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في ساعة من الليل ، فقال : (يا نوف ، إن الله تعالى أوحى إلى المسيح عليه السلام : أن قل لبني إسرائيل : لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ، إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة ، وأكف نقية ، وأعلمهم أني لا اُجيب لأحد منهم دعوة ، ولأحد من خلقي عنده مظلمة .
  يا نوف ، إن داود النبي عليه السلام خرج في هذه الساعة من الليل وقال :إن هذه ساعة لايدعو فيها داع بخير إلا استجاب الله تعالى [له](2)، إلاّ أن يكون شاعراً، أو عاشراً ، أو شرطياً ، أو عريفاً ،أو بريداً ، أو صاحب كوبة(3) ، أو عرطبهّ (4) ).
  وروي عن الصادق عليه السلام قال : (المؤمن أعز من الكبريت الأحمر) (5) .
  وعن الباقر عليه السلام قال : (الناس كلهم بهائم _ قالها ثلاثاً _ الا قليلا ًمن المؤمنين ، والمؤمن غريب _ قالها ثلاثاً _)(6) .
  وعن سدير الصيرفي قال : دخلت على الصادق عليه السلام ، وقلت له : والله ما يسعك القعود .
  قال : (ولم يا سدير ؟) قلت : لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك ، والله لو

--------------------------------
(1) في الأصل : نوفل ، وما أثبتناه هوالصواب ، اُنظر (معجم رجال الحديث 19 : 185 وتنقيحالمقال 3 : 276 | 12596 ) .
(2) اثبتناه لضرورة السياق .
(3) الكوبة: من آلات اللهو، قيل: هي النرد. (مجمع البحرين _ كوب _ 2: 164).
(4) العرطبة : من الات اللهو، هي العود أوالطنبور (مجمع البحرين _ عرطب _ 2: 119).
(5) الكافي 2 : 189 | 16 _ الكافي 2 : 189 | 2 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 124 _

  كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) مثل مالك من الأنصار والموالي والشيعة ، ما طمع فيهتيم ولا عدي .
  فقال : (وكم عسى أن يكونوا؟)
  قالت : مائة ألف.
  فقال : (مائة ألف !)
  فقلت : مائتا الف .
  فقال: (مائتا الف !)
  فقلت : نعم ونصف الدنيا. فسكت عنّي ثم قال : (يجب عليك أن تبلغ معنا إلى(1) ينبع (2)).
  قلت : نعم .
  فأمر بجمل وبغل أن يسرجا ، فبادرت إلى الجمل فركبته .
  فقال :(يا سدير ترى أن تؤثرني بالجمل).
  فقلت له : البغل أرفق .
  فقال : (الجمل أرفق لي ) فنزل وركب عليه السلام الجمل وركبت البغل فمضينا ، فجاءت الصلاة، فقال : (يا سدير ، انزل بنا نصلي ، ولكن هذه أرض السبخة، لا يجوز الصلاة فيها) فسرنا حتى صرنا في أرض حمراء ، ونظر إلى غلام يرعى جدياً فقال : (يا سدير ، والله لوكان لي (سبعة عشر) (3) بعدد هذه الجديان ، ماوسعني القعود) ونزلنا فصلينا ، فلما فرغنا من الصلاة عددت الجديان فإذا هي سبعةعشر جدياً (4).
  وقال الصادق عليه السلام : (إن المؤمن لقليل ، وان أهل الضلالة لكثير) .
  وقال الكاظم عليه السلام : ( ليس كل من قال بولايتنا مؤمناً ، ولكن جعلوا اُنساً للمؤمن )(5).

--------------------------------
(1) في الأصل زيادة : ان .
(2) ينبع : قرية قرب المدينة المنورة، بها وقوف لعلي عليه السلام يتولاها أولاده (معجم البلدان 5:450).
(3) في الكافي : شيعة.
(4) الكافي 2 : 190 | 4 باختلاف في ألفاظه .
(5) الكافي 2 : 191 | 7 .

أعـَـلامُ الـدِّيـِـن في صفات المؤمنين _ 125 _

  وفي الإنجيل : الاشجار كثيرة ، وطيّبها قليل .
  وعن المفضل بن عمر، قال جعفر بن محمد : (يا مفضل ، إياك والسفلة ، وإنما شيعة علي من عفت بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيتهم بهذه الصفة فاولئك شيعة علي )(1).
  وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المؤمن فقال : ( الصفوة من الناس ، وإن أشد الناس بلاءاً الصفوة من الناس ، ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه وحسن عمله ، كلما اشتد عمله اشتد بلاؤه ، وكلما سخف إيمانه قلّ بلاؤه ).
  وقال عليه السلام : (إنما المؤمن بمنزلة كفتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ، ولا يمضي على المؤمن أربعون يوماً إلا ويعرض له أمر يحزنه ليذكّره )(2).
  وعن المفضل بن عمر، عن الصادق عليه ألسلام ، قال : (لا يكون المؤمن مؤمناَ حتى يهجر فينا القريب والبعيد، والأهل والولد) .
  وعن أبي إسماعيل قال : قلت للصادق عليه السلام : إن الشيعة عندنا كثير ، فقال : (هل يعطف الغني على الفقير؟ ويتجاوز المحسن عن المسيء ؟ ويتواسون ؟ ) قلت : لا، قال : (ليس هؤلاء شيعة، إنما الشيعة من يفعل هذا)(3).
  وعن عبد المؤمن الانصاري قال : دخلت على الكاظم عليه السلام ، وعندهمحمد بن عبدالله الجعفي ، فتبسمت في وجهه ، فقال :(أتحبه ؟) فقلت : نعم ، وماأحببته إلا فيكم ، فقال : (هو أخوك ، المؤمن أخو المؤمن لأبيه ولاُمه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه ، ملعون ملعون من اغتاب أخاه )(4).
  وقال علي بن الحسين عليهما السلام : (إن الله تعالى لم يفترض فريضة أشد من بر الإخوان ، وما عذب الله أحداً أشد ممن ينظر إلى اخيه بعين غير وادّة، فطوبى

--------------------------------
(1) الكافي 2: 183 | 9، وفيه : فاولئك شيعة جعفر.
(2) الكافي 2 : 197 | 10، 11 باختلاف يسير.
(3) الكافي 2 : 139 | 11، وفيه : عن أبي اسماعيل قال : قلت لأبي جعفر.
(4) قضاء حقوق المؤمنين : ح 44، عدة الداعي : 174، باختلاف يسير.